معرض عراقي يحتج على «حرق الذاكرة العراقية» منذ 2003

«حروف مخبوءة» لقاسم السبتي

من المعرض
من المعرض
TT

معرض عراقي يحتج على «حرق الذاكرة العراقية» منذ 2003

من المعرض
من المعرض

ما حملته لوحات الفنان قاسم سبتي في معرضه الأخير في قاعة «حوار» ببغداد تكشف عن قلق الإنسان ورعبه إزاء ما يجري من خراب، فتلك اللوحات الـ34 التي حملت عنوان «حروف مخبوءة» هي وثيقة إدانة لـ«موت الكتاب» العراقي، الذي يعيش عشوائية الإهمال والعبث، فالكتاب في هذا السياق هو إرث الحكمة العراقية، وهو ذاكرة الناس، ولغة التواصل الخفية والمعلنة.
تقانة التوليف و«الكولاج» التي حاول من خلالها سبتي تشكيل مُركَّب استعاري تفصح عن لحظة «وعي شقي» غامرة بالاختلاف، وآيلة للانفجار، كما أن التوظيفات اللونية المعمولة مع القماش، والجنفاص، والتراب، تشي بحرفية ومهارة فنية، وبحمولات رمزية تتلامس فيها الطبيعة المُنتهكة مع «الثقافة» بدلالاتها الحروفية واللونية، وكأنه أراد أن يضعنا أمام ما يشبه رعب الصراع، حيث يتحول الرمز إلى مجسّ، ويتحول اللون إلى استعارة كبرى، ويتحول الحرف إلى سيمياء غامرة بالتوريات العميقة.
الانتصار لفكرة الكتاب ولحروفه المخبوءة، والغاطسة في التراب وفي الخرق هي احتجاج ثقافي بالمعنى النقدي، مثلما هي رؤية استعادية لفكرة الخلق، حيث يصنع سبتي عبر هذه اللوحات المعروضة ما يشبه اللحظة الفارقة للخلق، لمواجهة الموت والخراب والكارثة، ولذاكرة الحرق التي تعرضت لها الذاكرة العراقية منذ عام 2003، حيث سرقة وحرق المتحف العراقي، وحرق مكتبة أكاديمية الفنون الجميلة، وكذلك جريمة التفجير المروع في شارع المتنبي وحرق مكتباته العامرة.
اللوحات بدت وكأنها إعلانات رمزية للكتب المحروقة، والمطمورة تحت التراب، ولهوية المصائر التي تتوه فيها بعد الخراب، حيث الطبيعة الغامضة، وحيث الأفق الغائم، التي تغييب فيهما أي إشارة للإنسان، إذ يبدو هذا الغياب بوصفه تورية عن الضياع الإنساني إزاء ما يحدث له، وأحسب أنّ قاسم سبتي أراد أن يواصل عبر هذه اللوحات أسلوبه الفني الهادئ في ظاهره، لكنه الصاخب في أعماقه، حيث دأب على استخدام تقانة الترميز لذاكرة الكتاب في معرضه الفني بعد عام 2003، وتقانة اللون الترابي الغامق في هذا المعرض، عبر ما توحي به بدلالاته إلى الأرض والصحراء، وهي إحالات لا تخلو من وعي لمفهوم الاغتراب الفلسفي، ولفكرة السؤال الهيدغري عن الوجود فيه.
الحروب الطويلة في العراق تقوم في واحدة من تبدياتها على محو علامات الذاكرة، وعلى تعطيب الأثر، وهي ما دفعت قاسم سبتي للاستغراق في خطاب المكاشفة، حيث فضح الحرب وذاكرتها، والاستعانة بالطاقة التعبيرية والسيميائية للون والخط والقماش والطرز الأخرى لاصطناع خطاب تشكيلي يقوم على استفزاز المشاهد، وتحريضه على المواجهة، وعلى الحفر الرؤيوي في سطح اللوحة التي تضج باليومي والمُهمش والمقموع، بحثاً عن الوجود الغائب، وعن الكتاب المحروق بكل ما يحمله من شفرات للحرق الوجودي والإنساني والثقافي.
التشكيل الحروفي في لوحات قاسم سبتي لا يعني النزوع الصوفي، كما في لوحات شاكر حسن آل سعيد، بقدر ما يعني نزوعاً إحالياً للواقع، حيث الاصطدام به، والانغمار في تفاصيله، والتماهي مع أسئلته الفادحة، وهو ما أسبغ على البنيات التكوينية للوحات تمثيلات أكثر غوراً في الرمزية، وفي التعبير عما حدث ويحدث في ذلك الواقع من تغييب وتصحير، ومن قسر تبدو فيه الإشارة الحروفية وكأنها تمثيل استثنائي للحظة الوعي المقموعة والمكبوتة، تحت ذاكرة الحرب التي لا تنتهي، بما فيها حرب التفاصيل واليوميات.
كما أنّ الألوان الداكنة والباهتة، وبقايا الأثر الخاضع لتعرية الحرب، والورق «المطعوج» وبعض الأمكنة المحروقة، والمهملة، تبدو هي الأكثر اقتراباً لإشارات ما يتركه الخراب من علامات، وحتى الأفق الصحراوي الذي يبدو واضحاً في أغلب اللوحات لا يحضر بوصفه إشارة بيئوية، بل هو إشارة رمزية للموت، وللفقد، حيث يجرّنا اللون الترابي إلى ذاكرة العصف الذي تُحدثه الحرب وانفجاراتها، مثلما يجرّنا إلى دلالة الشحوب التي تعيشها الحياة العراقية عبر شحوب ثقافتها، وعبر متاهة حروبها التي تبحث عن لحظة استنفار تعبيري للخروج من الهامش، ومن المسكوت عنه، ولتكون اللوحة بدكانتها محاولة لإثارة الأسئلة، وأنسنة الاحتجاج.



عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
TT

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)

قال الفنان المصري عمرو سعد إن غيابه عن السينما في السنوات الأخيرة جاء لحرصه على تقديم أعمال قوية بإمكانات مادية وفنية مناسبة، وأكد أنه يعود للسينما بأحدث أفلامه «الغربان» الذي قام بتصويره على مدى 4 سنوات بميزانية تقدر بنصف مليار جنيه (الدولار يساوي 49.73 جنيه)، وأن الفيلم تجري حالياً ترجمته إلى 12 لغة لعرضه عالمياً.

وأضاف سعد خلال جلسة حوارية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الخميس، أنه يظهر ضيف شرف لأول مرة من خلال فيلم «الست» الذي يروي سيرة سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وتقوم ببطولته منى زكي وإخراج مروان حامد، ومن إنتاج صندوق «بيج تايم» السعودي و«الشركة المتحدة» و«سينرجي» و«فيلم سكوير».

وعرض سعد لقطات من فيلم «الغربان» الذي يترقب عرضه خلال 2025، وتدور أحداثه في إطار من الحركة والتشويق فترة أربعينات القرن الماضي أثناء معركة «العلمين» خلال الحرب العالمية الثانية، ويضم الفيلم عدداً كبيراً من الممثلين من بينهم، مي عمر، وماجد المصري، وأسماء أبو اليزيد، وهو من تأليف وإخراج ياسين حسن الذي يخوض من خلاله تجربته الطويلة الأولى، وقد عدّه سعد مخرجاً عالمياً يمتلك موهبة كبيرة، والفيلم من إنتاج سيف عريبي.

وتطرق سعد إلى ظهوره ضيف شرف لأول مرة في فيلم «الست» أمام منى زكي، موضحاً: «تحمست كثيراً بعدما عرض علي المخرج مروان حامد ذلك، فأنا أتشرف بالعمل معه حتى لو كان مشهداً واحداً، وأجسد شخصية الرئيس جمال عبد الناصر، ووجدت السيناريو الذي كتبه الروائي أحمد مراد شديد التميز، وأتمنى التوفيق للفنانة منى زكي والنجاح للفيلم».

وتطرق الناقد رامي عبد الرازق الذي أدار الحوار إلى بدايات عمرو سعد، وقال الأخير إن أسرته اعتادت اصطحابه للسينما لمشاهدة الأفلام، فتعلق بها منذ طفولته، مضيفاً: «مشوار البدايات لم يكن سهلاً، وقد خضت رحلة مريرة حتى أحقق حلمي، لكنني لا أريد أن أسرد تفاصيلها حتى لا يبكي الحضور، كما لا أرغب في الحديث عن نفسي، وإنما قد أكون مُلهماً لشباب في خطواتهم الأولى».

عمرو سعد في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)

وأرجع سعد نجاحه إلي «الإصرار والثقة»، ضارباً المثل بزملاء له بالمسرح الجامعي كانوا يفوقونه موهبة، لكن لم يكملوا مشوارهم بالتمثيل لعدم وجود هذا الإصرار لديهم، ناصحاً شباب الممثلين بالتمسك والإصرار على ما يطمحون إليه بشرط التسلح بالموهبة والثقافة، مشيراً إلى أنه كان يحضر جلسات كبار الأدباء والمثقفين، ومن بينهم الأديب العالمي نجيب محفوظ، كما استفاد من تجارب كبار الفنانين.

وعاد سعد ليؤكد أنه لم يراوده الشك في قدرته على تحقيق أحلامه حسبما يروي: «كنت كثيراً ما أتطلع لأفيشات الأفلام بـ(سينما كايرو)، وأنا أمر من أمامها، وأتصور نفسي متصدراً أحد الملصقات، والمثير أن أول ملصق حمل صورتي كان على هذه السينما».

ولفت الفنان المصري خلال حديثه إلى «أهمية مساندة صناعة السينما، وتخفيض رسوم التصوير في الشوارع والأماكن الأثرية؛ لأنها تمثل ترويجا مهماً وغير مباشر لمصر»، مؤكداً أن الفنان المصري يمثل قوة خشنة وليست ناعمة لقوة تأثيره، وأن مصر تضم قامات فنية كبيرة لا تقل عن المواهب العالمية، وقد أسهمت بفنونها وثقافتها على مدى أجيال في نشر اللهجة المصرية.

وبدأ عمرو سعد (47) عاماً مسيرته الفنية خلال فترة التسعينات عبر دور صغير بفيلم «الآخر» للمخرج يوسف شاهين، ثم فيلم «المدينة» ليسري نصر الله، وقدمه خالد يوسف في أفلام عدة، بدءاً من «خيانة مشروعة» و«حين ميسرة» و«دكان شحاتة» وصولاً إلى «كارما»، وقد حقق نجاحاً كبيراً في فيلم «مولانا» للمخرج مجدي أحمد علي، وترشح الفيلم لتمثيل مصر في منافسات الأوسكار 2018، كما لعب بطولة عدد كبير من المسلسلات التلفزيونية من بينها «يونس ولد فضة»، و«ملوك الجدعنة»، و«الأجهر»، بينما يستعد لتصوير مسلسل «سيد الناس» أمام إلهام شاهين وريم مصطفى الذي سيُعْرَض خلال الموسم الرمضاني المقبل.