تلوِّح واشنطن بالمضي في «خيارات بديلة» تتضمن خمسة إجراءات دبلوماسية وعسكرية مدعومة بـ«صبر استراتيجي» في حال لم تقم موسكو بالوفاء بالتزاماتها بتشكيل اللجنة الدستورية السورية قبل نهاية العام الحالي. في المقابل، تتمسك موسكو بخيار «شراء الوقت» وفرض وقائع على الأرض خلال «الصبر الأميركي».
موسكو بعثت بـ«إشارات» خففت من لهجة الفريق الأميركي للملف السوري، برئاسة السفير جيمس جيفري، الذي اكتفى بإعلان مواقفه خلال اجتماع دول «المجموعة الصغيرة» من دون بيان رسمي باسم هذه المجموعة التي باتت لا تتطابق أولوياتها السورية، و«الإشارات الروسية» التي أُرسِلت أيضاً إلى المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، مفادها أن أنقرة وموسكو تعملان لتشكيل القائمة الثالثة للجنة، وتضم 50 مرشحاً يُضافون إلى مائة مرشح مناصفة بين الحكومة السورية والمعارضة.
كانت هذه «الإشارات» كافية لتأجيل صدور موقف موحَّد من «المجموعة الصغيرة»، وتمديد مهلة تشكيل اللجنة من 14 الشهر الحالي موعد تقديم دي ميستورا إجازة إلى مجلس الأمن، لكنها لم تكن كافية لوقف دحرجة التصعيد الأميركي إزاء السلوك الروسي، الذي يتضمن سلة إجراءات.
دبلوماسياً، تدفع واشنطن وحلفاؤها لإقناع المبعوث الدولي الجديد غير بيدرسون، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، للبحث عن «جدول أعمال جديد» للمسار السياسي؛ إذ إن عام 2018 كان مخصصاً للجنة الدستورية بدءاً من البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني في سوتشي نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي. وقتذاك، تفاهم غوتيريش ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على توفير مظلة دولية لهذا المؤتمر، بشرط أن يكون اجتماعاً واحداً وألا يكون بديلاً عن «مسار جنيف» الذي تشكل اللجنة عبره وبتسهيل من المبعوث الدولي.
جميع الأطراف استسلمت لمدخل اللجنة الدستورية، بعدما فشلت في السنوات السابقة الخيارات البديلة، سواء خيار البحث عن تشكيل «هيئة حكم انتقالية»، أو البحث في «السلال الأربع» التي تناولت الانتخابات والدستور والانتقال ومكافحة الإرهاب.
وبعد مرور سنة على خيار «اللجنة الدستورية» التي كان دي ميستورا يعتقد أنها «حصان طروادة» للتغيير السياسي، هناك قناعة أميركية - غربية بأنها ليست سوى «منصة روسية لشراء الوقت»، لذلك فإن هذه الدول تتحرك لاقناع غوتيريش وبيدرسون بالدفع عن خيارات ومداخل بديلة للعملية السياسية مع بداية العام المقبل. وهناك عصف فكري ومشاورات سياسية للبحث عن هذه المفاتيح، من دون ضمانات بنجاحها. نقطة الإجماع هي «عدم توفير شرعية دولية لأي لجنة دستورية تشكل من منصة (آستانة)»، بحسب مسؤول غربي.
في المدى الأوسع، فإن واشنطن وحلفاءها الغربيين باتوا يتحدثون عن «صبر استراتيجي» والتلويح بخمسة إجراءات للضغط على موسكو ودمشق وطهران؛ أولا، تشمل البقاء عسكرياً شرق سوريا، وتعزيز هذا الوجود بنشر دبلوماسيين وتدريب قوات محلية وتمويل الاستقرار، إضافة إلى البحث عن خيار إقامة منطقة حظر جوي شبيه بما حصل في شمال العراق في نهاية عقد التسعينات.
ثانياً، ربط الإعمار في سوريا الذي تقدر تكلفته بين 200 و400 مليار دولار أميركي بالانتقال السياسي وتحقيق حل سياسي ذي صدقية. واشنطن تدفع الدول الأوروبية للحفاظ على موقفها رغم ابتعاد بعض الدول عن الموقف الرسمي للاتحاد. وتظهر مؤشرات الموقف الجديد في اجتماع بروكسل في أبريل (نيسان) المقبل. كما تجري مؤسسات الأمم المتحدة مراجعة لورقة مبادئ ومعايير للإسهام في تنمية سورية تكون ملزمة أكثر للمؤسسات الدولية العاملة في دمشق.
ثالثاً، عدم توفير اعتراف سياسي بالحكومة - النظام في دمشق. باتت بعض الدول العربية تنظر إلى الوضع السورية بواقعية. هناك دول تدفع لإعادة الحكومة إلى الجامعة العربية. هناك دول تبحث في الإسهام بالإعمار لتقليص نفوذ إيران. هناك دول تريد تحسين العلاقة أو عدم الإضرار بالعلاقة مع موسكو. في المقابل، تسعى واشنطن لجمع موقف مشترك بحدود جامعة.
رابعاً، ستواصل واشنطن فرض عقوبات على مؤسسات وشخصيات سورية مقربة من النظام. ويتوقع صدور قائمة جديدة من العقوبات في واشنطن وبروكسل بحق شخصيات ورجال أعمال جدد. كما تطلب واشنطن من الدول العربية التزام العقوبات السابقة المفروضة على شخصيات ومؤسسات حكومية سورية.
خامساً، فتح ملف المحاسبة والمساءلة عبر دعم مؤسسات مدنية ودولية تعمل في هذا السياق.
وأعربت شخصيات سورية معارضة ودول حليفة لها عن «قلق» من بعض هذه الإجراءات، إذ إن «سياسية النفَس الطويل والصبر والبقاء شرق سوريا وتجميد خطوط التماس قد تؤدي إلى التقسيم».
في المقابل، تتبع موسكو خطة بديلة تتضمن العمل على «فرض وقائع جديدة عبر سياسة القضم العسكري والتشتيت السياسي بين حلفاء المعارضة». موسكو تقول إنه لا حوار سياسياً جدياً قبل «استعادة الحكومة السيطرة على جميع الأراضي السورية» ما يعني إدلب وشمال شرقي سوريا، ثم تسعى إلى إطلاق حوار سوري - سوري من دون رعاية دولية جدية. لكن تواصل من جهة الالتزام مع أنقرة باتفاق سوتشي الخاص بإدلب على أمل لعب تركيا دور أكبر في تشتيت الأميركيين شمال شرقي سوريا، ومن جهة أخرى تقرب موقف دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا من خيارات روسية في الإعمار والمساعدات في «البنية التحتية السورية الإنسانية».
ومع قرب موعد تمديد القرار الدولي «2165» في بداية العام المقبل، الخاص بالمساعدات الإنسانية عبر الحدود، تضغط موسكو لتقديم تنازلات إلى دمشق بحيث تكون لها حصة ودور أكبر في السيطرة على ملف المساعدات، بعدما كانت تمر في معظمها من الأردن وتركيا، خصوصاً بعد سيطرة القوات الحكومية السورية على الجنوب والجنوب الغربي.
نقطة التصعيد الأميركي - الروسي الساخنة والمقبلة، هي شرق الفرات. موقف واشنطن من الأكراد ومن مساري «سوتشي» و«آستانة» قرب أنقرة من موسكو وأبعدها عن الجانب الأميركي. وبات واضحاً التصعيد في اللهجة الروسية العسكرية والدبلوماسية ضد الوجود الأميركي شرق سوريا. وهناك تصعيد وحشد من تركيا وحلفائها من الفصائل السورية شمالاً. وهناك حشد من ميلشيات إيران جنوباً قرب خطوط نهر الفرات.
واشنطن تلوح بـ«صبر استراتيجي» في سوريا... وموسكو «تشتري الوقت لتغيير الواقع»
خطة أميركية تتضمن خمسة إجراءات سياسية وعسكرية
واشنطن تلوح بـ«صبر استراتيجي» في سوريا... وموسكو «تشتري الوقت لتغيير الواقع»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة