منتدى مراكش يدعو إلى عدم التمييز بين المهاجرين على أساس الكفاءة

طالبوا بلدان الاستقبال بتجاوز الحواجز النفسية والثقافية لتسهيل الاندماج

TT

منتدى مراكش يدعو إلى عدم التمييز بين المهاجرين على أساس الكفاءة

بعد سلسلة من المشاورات المحلية والإقليمية والدولية بشأن هجرة آمنة ومنظمة ومنتظمة، هيمن الميثاق العالمي للهجرة المزمع اعتماده مطلع الأسبوع المقبل في مراكش، على مناقشات أعمال المنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية الذي يعقد دورته الـ11 في المدينة على مدى ثلاثة أيام، تحت شعار «الوفاء بالالتزامات الدولية لتحرير طاقات جميع المهاجرين لأجل التنمية».
واعتبر مشاركون بالمنتدى في مراكش أن من شأن اعتماد الميثاق أن يدشن مرحلة مهمة نحو إرساء عقد اجتماعي عالمي، مع تشديدهم على أن اعتماد الميثاق ليس سوى خطوة أولى تقتضي من الحكومات وجميع الجهات الفاعلة على المستويات المحلية والوطنية والدولية، الشروع في التنفيذ.
وركزت مداخلات بعض المشاركين على معطى تحول بعض الدول من بلدان عبور إلى بلدان استقرار، وأعطوا مثالين هما المكسيك والمغرب، مع تشديدهم على ضرورة أن يبين الميثاق المقبل حول الهجرة الخطوط العريضة لاستقبال كريم للمهاجرين.
وتطرقت المداخلات إلى أوضاع الهجرة على ضفاف حوض المتوسط، إذ أكد ممثلون عن الطرف الأوروبي أن المشكلة الوجودية بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي تأتي من الجنوب بشكل خاص، حيث مفارقة تنامي الهجرة وغياب الاستقرار في عدد من البلدان في مقابل الإمكانات الهائلة لتحقيق التنمية.
وأظهرت ورشة حول المقاربة الأفرو - أوروبية للهجرة وسبل اقتراح حلول مستدامة، أن الاتحاد الأوروبي يتبنى سياسة الجوار شرقاً وجنوباً، بشكل يساعد على تنمية البلدان المعنية، خصوصاً في المنطقة الجنوبية، مع الإشارة إلى تخصيص 15 مليار دولار بين 2014 و2120. مع إمكانية إضافة 3 مليارات إضافية في السنوات المقبلة، سوى أن هناك حاجة إلى توزيع متوازن بين المخصصات المالية بين شرق أوروبا وجنوب المتوسط. ودعت الورشة إلى تطوير سياسة تدعم مالياً مناخ الأعمال في جنوب المتوسط، بشكل يوفر الثقة ويدعم الاقتصاد الخاص لخلق فرص الشغل. ورأت الورشة أن التغير المناخي يظل عنصر إجابة على إشكالات الهجرة، حيث إن إصلاح الأراضي يمكن من خلق الثروة وتوفير الغداء ويحول دون تعميق المشاكل الاقتصادية التي تؤدي إلى التطرف، مستشهدين بالنيجر التي تعاني من ظاهرة التصحر التي تجبر السكان على التنقل إلى مناطق أخرى، وهو ما يفجر صراعات بين قبائل المنطقة.
ولم تتوقف الورشة عند ظاهرة الهجرة كمشروع شخصي، إذ أشارت إلى ما يقع داخل أوروبا، حيث يعيش أفارقة يتطلب وضعهم حلولاً تتعلق بالاستقبال الذي يحافظ على الكرامة.
من جهتهم، شدد مشاركون في ورشة حول حركية المهاجرين جنوب - جنوب على تحدي التفكير في سياسة إقليمية تستفيد منها كل دول القارة السمراء، سواء كانت دول انطلاق، أو عبور أو استقرار. ودعوا إلى رصد طريقة تعامل الناس العاديين مع الهجرة، والعمل على تغيير الإدراك بصددها، كظاهرة قد تبدو غير متحكم فيها، ومن هناك التحلي بمسؤولية تغيير الخطاب حولها بشكل يدفع إلى النظر إليها بشكل إيجابي، وليس باعتبارها إشكالاً ومشكلة.
ولتحقيق كل ذلك، شدد المشاركون في هذه الورشة على الحاجة إلى تحديد الأسباب التي تدفع أشخاصاً إلى الهجرة، ومن ثم التعامل مع الإشكالات المرتبطة بها.
ولأن الأرقام تبقى مهمة لتناول ظاهرة كالهجرة، بينت إحصائيات كيف أن هناك 180 مليون عاطل عن العمل من المنتظر أن يرتفع عددهم إلى 600 مليون خلال السنوات الـ15 المقبلة، ما يستدعي نقاشاً مسؤولاً ومعمقاً في شأن هذا التحدي الكبير.
وفي ورشة أخرى، تناولت المؤهلات التي يتميز بها المهاجرون، شدد مشاركون على ضرورة تجاهل التصورات السلبية حول الهجرة والمهاجرين والدفع بتصورات إيجابية، مع الحاجة إلى وضع حد للتضاد بين الشمال والجنوب بعدم إقامة تعارض بينهما، من منطلق أن المشكل يهم الجانبين بشكل متزايد، ويمكن لتجاوزه أنه يمكن مواجهة التحديات المشتركة ويحولها إلى فرص.
كما دعوا إلى تثمين قدرات وكفاءات المهاجرين، مع جعل المجتمعات المستقبلة متفتحة ومنفتحة لتجاوز الحواجز النفسية واللغوية وغيرها، لتسهيل الاندماج والتعامل مع المهاجرين ككائنات ملموسة وليست هلامية، وردم هوة التعاطي مع المهاجرين باعتبارهم إما ذات كفاءة أو لا تكوين لها.
وعلى علاقة بالتحضيرات الجارية لتنظيم المؤتمر العالمي حول الهجرة، تأسف مشاركون في الورشة لانسحاب بعض الدول، أو إحجام أخرى عن المشاركة عندما بدأت المفاوضات، وبالتالي لم تشارك في السيرورة، كما كان حال الولايات المتحدة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.