مرت ليلة عصيبة جدا على سكان قطاع غزة، لم تمر مثلها منذ سنوات طويلة تحت أصوات الصواريخ والقذائف التي ضربت كل جزء من القطاع الذي عاش ليلته تحت وابل قنابل الإنارة التي أضاءت سماء غزة فعوضت الفلسطينيين جزءا من بصيرة الحياة المظلمة في ظل انقطاع الكهرباء.
أكثر من 22 ساعة متواصلة لم يرَ فيها الفلسطينيون الكهرباء التي تُعدّ عصب الحياة، وامتدت المأساة إلى الماء الذي يرتبط توفره بوجود الكهرباء، حتى باتت حياة السكان «جحيما لا يطاق».
وفي ليل غزة جلس جاري أبو علي في شرفة بيته يرقب منها الغارات الإسرائيلية، بينما أنا أنظر من نافذتي إلى السماء وهي تمتلئ بقنابل الإنارة التي لم تترك أيا من أحياء القطاع إلا وأنارته. ترك أبو علي شرفته وتوجه إلى منزلنا ليبلغني بنبأ صاعق مفاده أن الطائرات الحربية الإسرائيلية أغارت على محطة الكهرباء الرئيسة في غزة ومخازن الوقود التابعة لها. فقلت له حينها: «إذن علينا العوض، ما راح نشوف الكهرباء أبدا».
كانت والدتي ونساء الحارة يسابقن الزمن في انتظار الكهرباء، يعاجلن إلى مطابخهن يبحثن عن العجين وعن الغسيل، يسارعن في أداء أعمالهن المنزلية لاستغلال ساعتين أو أقل من الكهرباء تطل عليهن مثل القمر الذي يغيب طويلا ثم يعود.
لكن تبقى كل هذه المعاناة مع الكهرباء صغيرة مقابل انقطاع المياه وما ينتج عنها من مشكلات صحية وبيئية داخل وخارج المنازل. أيام طويلة يقضيها الفلسطينيون يبحثون عن المياه بعد أن دمر الاحتلال آبار غزة وتعطل البعض الآخر عن العمل بعد انقطاع الكهرباء.
تقول لي والدتي مع كل صباح، تماما كما يفعل أشقائي وجيراني: «اكتب عن الماء، تحدث يا رجل في الإعلام، الكل ناسينا، بدنا مية وكهربا، بدنا نعيش، مش بكفي الحرب والقتل والهم والدمار كمان ما نشوف شوية مية؟!». هكذا باتت لغة الناس في الشارع تبحث عمن يتحدث بلسانها وبحال آلامها التي وصلت إلى حد الإنهاك.
أقضي يومي أبحث عن المياه «المفلترة» لشرائها، ولكنني لا أجد لدى أصحاب تلك المحطات أي مياه للبيع، حتى قطعت الأمل في المياه المبيعة. لا أعرف كيف يحتمل سكان غزة، وأنا واحد منهم، آلامهم، من القتل المتواصل وتدمير المنازل وشح الكهرباء والمياه، حرموا من أبسط مستلزمات الحياة، لا شيء سوى أنهم يعيشون في بقعة أرض اسمها غزة، يحاصرها البحر من الغرب، وتحاصرها الدبابات من الشمال والجنوب والشرق، وتقتل أبناءها تلك الطائرات التي لا تغادر سماءها.
يوميات مراسل من غزة: غزة المحاصرة بلا كهرباء ولا ماء
يوميات مراسل من غزة: غزة المحاصرة بلا كهرباء ولا ماء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة