في ثاني أيام مهرجان الفيلم بمراكش... دي نيرو ينتقد شعار «أميركا أولاً»

قال في أمسية تكريمه: الفن لا يعترف بالحدود ولا يقصي الآخرين

روبير دي نيرو ومارتن سكورسيزي في مهرجان مراكش
روبير دي نيرو ومارتن سكورسيزي في مهرجان مراكش
TT

في ثاني أيام مهرجان الفيلم بمراكش... دي نيرو ينتقد شعار «أميركا أولاً»

روبير دي نيرو ومارتن سكورسيزي في مهرجان مراكش
روبير دي نيرو ومارتن سكورسيزي في مهرجان مراكش

في مراكش، كان هناك لقاء آخر بين مخرج كبير هو مارتن سكورسيزي وممثل متميز هو روبيرت دي نيرو. كانت المناسبة تكريم ممثل طبع تاريخ السينما المعاصرة، ضمن فقرة التكريمات المبرمجة ضمن فعاليات الدورة الـ17 من المهرجان الدّولي للفيلم.
لم يكن هناك أفضل من مخرج مكّن الممثل المكرم من أدوار رئيسية في أفلام أغنت الخزانة السينمائية العالمية: «الشوارع الرئيسية» (1973)، و«سائق التاكسي» (1976)، و«نيويورك، نيويورك» (1977)، و«الثور الهائج» (1980)، و«ملك الكوميديا» (1982)، و«الأصدقاء الطيبون» (1990)، و«حافة الهاوية» (1991) و«كازينو» (1995)، في انتظار مشاهدة «الإيرلندي» تاسع الأفلام التي جمعت بينهما، ليتحدّث عن المحتفى به ويسلّمه درع التكريم.
ليلة أول من أمس، على خشبة المهرجان المغربي، كان للقاء المخرج والممثل نكهة خاصة. كان لقاء استثنائياً بكل المقاييس، استعاد فيه الرجلان مسيرة صداقة وعمل داما لأكثر من 45 سنة، لذلك حار الجمهور، الذي غصت به قاعة الوزراء في قصر المؤتمرات، بين أي منهما يقف له مصفقاً أكثر.
قبل الوصول إلى القاعة المخصصة لفقرة التكريمات، استغرق دي نيرو وقتاً طويلاً في تحية جمهور المهرجان، مع تتويج ذلك بوضع توقيعه على علم مغربي كان بيد شابة من بين الجماهير الحاضرة. لقاء سينمائي أميركي مع جمهور مغربي، من مختلف الأعمار والطبقات، أكّد سحر السينما وقدرتها على ربط مختلف الثّقافات والهويّات بعيداً عن كل الاعتبارات الضّيقة، كما أظهر كيف أنه يكفي لبضع دقائق يقضيها نجم عالمي من طينة دي نيرو، بين الجمهور، أن تؤكد النفَس الجديد الذي يمكن أن يصير لمهرجان مراكش، وأن تمنحه دفئاً تنظيمياً وإشعاعاً دولياً.
في كلمة تقديمه لدي نيرو، قبل تسلميه درع التكريم، لم يفت سكورسيزي أن يتذكر المخرج الإيطالي برناردو برتولوتشي الذي رحل قبل نحو أسبوعين، والذي قال عنه: «كان وما زال مصدر إلهام ثابت، بالنسبة لي ولآخرين عبر السنين. ومن المستبعد أن نصادف مثله مرة أخرى»، مشيراً إلى أن الراحل كان له ارتباط خاص بالمغرب، مذكراً، في هذا الصدد، بفيلمه «السماء الواقية» المأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه لبول بولز، الذي صُوّر في ورزازات عام 1990.
وبعد أن أكد سعادته بزيارة المغرب مرة أخرى وبعودة مهرجان مراكش للتنظيم، مشيراً إلى أنه «من الصعب، في هذه الأيام، تنظيم حدث دولي من هذا النوع والقيمة»، هنأ سكورسيزي العاهل المغربي الملك محمد السادس والأمير مولاي رشيد رئيس مؤسسة المهرجان الدُّولي للفيلم بمراكش على «جهودهما إزاء المهرجان وإزاء الفن السينمائي». وأوضح أن مبيعات شبابيك السينما حققت السنة الماضية نحو 41 مليار دولار، وأن هذا الرقم لم يكن يتعلق، فقط، بأفلام من قبيل «سوبرمان» و«باتمان» و«هاري بوتر»، التي هي في غنى عن الدّعم، مشيراً إلى أن «هناك الكثير من الأفلام التي تحتاج لمهرجان مميز كمهرجان مراكش، كما أن هناك جيلاً جديداً مبدعاً من المخرجين عبر العالم يستحقون تشجيعنا ودعمنا».
وعبر سكورسيزي عن سعادته بتكريم دي نيرو، الذي وصفه بـ«الصديق ورفيق الدرب»، مشيراً إلى أنه «يوجد في أوج مسيرته، رغم أن له قمماً (أفلاماً) أكثر من جبال الأطلس»، مؤكداً أن هذا الفنان المتميز سيواصل مسيرة التألق في السنوات المقبلة.
وأبرز سكورسيزي أن دي نيرو قد اشتغل معه في ثمانية من أصل الـ15 فيلما الأولى التي أخرجها، مشيراً إلى أن تلك الأفلام تناولت مواضيع صعبة، لعب فيها دي نيرو شخصيات قاسية، تتراوح بين المختل العقلي والمختل الاجتماعي وكل أنواع الاختلالات. وزاد: «أصبح تقريباً من الشائع القول إن الممثل لا يحكم على الشخصيات التي يجسدها، لكن بالنسبة لدي نيرو فالمشاهد يسافر دائماً معه، بحيث إن لديه القدرة لكي يخلق لدى المشاهد شعوراً بالتعاطف مع بعض الشخصيات الفظيعة والمثيرة للاشمئزاز». وختم بالقول: «تمكن دي نيرو من إحاطتنا بروح الشخصية، بحيث تجد نفسك منجذباً إلى الإنسان داخل الوحش».
من جهته، شكر دي نيرو العاهل المغربي والأمير مولاي رشيد، مؤكداً سعادته وفخره بزيارة المغرب وبحفاوة الاستقبال التي حظي بها، من ثمّ شكر الشعب المغربي ومؤسسة المهرجان، مؤكّداً تأثره وفخره بالتكريم.
وتحدث دي نيرو عن سكورسيزي، فقال: «مارتن صديقي ورفيق دربي الطويل الذي جمعني به أول فيلم قبل 45 سنة، فيما أنهينا للتو آخر فيلم لنا (الإيرلندي)».
سكورسيزي الذي كان يقف غير بعيد من منصة الخطابة، لم يخف تأثره، حين قال دي نيرو: «من النعم الكبرى التي حظيت بها في حياتي أننا اشتغلنا معاً في بداية مسيرتنا تقريباً، وها نحن على المشوار نفسه، وآمل أن يكون هناك مزيد من العطاء. لا يمكنني أن أتصور كيف كانت ستكون حياتي من دون ضربة الحظ هذه».
وبعد أن وجه التحية لباقي المكرمين في دورة العام الجاري، الممثلة الأميركية روبن رايت والمخرج المغربي الجيلالي فرحاتي والمخرجة الفرنسية آنييس فاردا، وتحدث دي نيرو عن مهرجان مراكش، فقال: «أتقاسم الكثير من الأشياء مع المهرجان الدُّولي لمراكش. ففي سنة 2001، أطلقنا مهرجان تريبيكا للفيلم بنيويورك، وهي السنة نفسها التي أُطلق مهرجان مراكش. كلاهما خرج للوجود من ظلام الأحداث المأساوية لـ11 سبتمبر (أيلول). كان هدفي من مهرجان تريبيكا جلب الناس من جديد إلى حينا المجروح. حينما أطلق العاهل المغربي مهرجان مراكش لم يكن الهدف، فقط، خلق حدث يهتمّ بالمواهب السينمائية، بل أن يمدّ جسراً ثقافياً بين الدول. لقد حقّقنا أهدافنا وأكثر، وفي وقت قصير، نسبياً، أصبح مهرجان تريبيكا ومهرجان مراكش موعدين مهمين في الساحة السينمائية العالمية».
على عادة عدد من الوجوه السينمائية الأميركية، أظهر دي نيرو جانبه الملتزم بالقضايا الدُّولية، معبّراً، في سياق ذلك، عن آرائه كرجل سينما معني بامتداداتها الفنية إنسانياً وكونياً، فقال: «للأسف، في بلدي نحن نمر بمرحلة غريبة من الوطنية. ليست تلك الوطنية التي تمجّد مزايا وتنوع شعبنا، ولكن نوعاً شيطانياً من الوطنية يسودها الجشع وكراهية الآخر والأنانية تحت شعار (أميركا أولا). وهذا يناقض ما يجمعنا هنا الليلة. فالفن لا يعترف بالحدود ولا يقصي الآخرين. الفن ليس أنانياً وليس عنصرياً. الفن شمولي يحتفي بتنوع الأصول والأفكار. هنا، يجمعنا حبّ السينما والإنسانية. قد تخذلنا السياسة، ولكن الفن يجمعنا ويعطينا الأمل».
ويعتبر دي نيرو بمسيرته الاستثنائية، واحداً من أكبر الممثلين في تاريخ السينما. ويقول منظمو مهرجان مراكش إن حضور هذا الفنان، الذي يعد اليوم، من الأساطير الحيّة للسينما العالميّة، وللمظاهرة الفنيّة المغربيّة، يؤكد: «التقدير والثّقة اللذين يكنهما للمملكة وللمهرجان الدُّولي للفيلم بمراكش».
وصار دي نيرو، الذي ولد في مدينة نيويورك، في 17 أغسطس (آب) 1943، من أصول إيطالية، ودشن مسيرته تحت قيادة المخرج براين دي بالما بدور أول أثار الانتباه في فيلم «حفلة زواج» (1969)، ضمْن خانة الممثلين الأكثر شهرة وتكريساً في العالم بفضل مشاركته في أفلام أكبر المخرجين العالميين، من قبيل مارتن سكوسيزي وفرانسيس فورد كوبولا وبراين دي بالما وإليا كازان وسيرجيو ليون وبرناردو برتولوتشي ومايكل تشيمينو ومايكل مان وكوينتين ترانتينو.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».