عودة «بوكو حرام»

تنظيم «أنصارو» يجدد الإرهاب بغرب أفريقيا

نساء نيجيريات يتفقدن بقايا سوق شعبية تعرضت لهجوم من عناصر «بوكو حرام» في ميديغوري سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
نساء نيجيريات يتفقدن بقايا سوق شعبية تعرضت لهجوم من عناصر «بوكو حرام» في ميديغوري سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

عودة «بوكو حرام»

نساء نيجيريات يتفقدن بقايا سوق شعبية تعرضت لهجوم من عناصر «بوكو حرام» في ميديغوري سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
نساء نيجيريات يتفقدن بقايا سوق شعبية تعرضت لهجوم من عناصر «بوكو حرام» في ميديغوري سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

عاد بقوة تنظيم «الدولة بغرب أفريقيا» المعروف بحركة «بوكو حرام» إلى الواجهة. فقد قتل نحو 100 جندي نيجيري في هجمات نفذها مقاتلو هذا التنظيم الإرهابي، في النصف الثاني من هذا الشهر، نوفمبر (تشرين الثاني) 2018؛ حسب ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء، نقلاً عن مصادر أمنية لم تسمها. ويأتي ذلك في سياق المواجهات اليومية العنيفة، التي يستعمل فيها الطرفان الأسلحة المتوسطة، والثقيلة؛ كما أدت الهجمات الأخيرة، للتنظيم الإرهابي إلى مقتل أكثر من 150 من المدنيين، 56 منهم سقطوا في الأيام الأخيرة. وقد دفع هذا الوضع الأمني المتردي، مجلس الشيوخ النيجيري إلى تعليق عقد جلسته؛ خاصة بعد مصرع نحو 44 جنديا، في هجوم في ميتيل، في ولاية بورنو بشمال شرقي البلاد.
ويتمركز التنظيم الإرهابي في الولايات الشمالية النيجيرية، يوبي، وكانو، وباوتشي، وبورنو، وكادونا، ويعرف نفسه بأنه حركة «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد». وقد خلف نشاطه المتنامي منذ 2002، أزمة سياسية وإنسانية في البلاد. ووفق عدة تقارير دولية فإن العمليات الإرهابية لـ«بوكو حرام» أسفرت عن أكثر من 20 ألف قتيل، ومليونين من المشردين؛ كما أن هذه العمليات يتّمت أكثر من 52.311 طفلا، ورمّلت أكثر من 54.911 امرأة. أما الخسائر المادية، إلى حدود 2017، فقد بلغت أكثر من 9 مليارات دولار.
وتأتي عودة التنظيم بهذه القوة، لتؤكد تجاوزه للصعوبات التنظيمية التي عاشها في الفترة الممتدة بين 2015 - 2017؛ والتي أثرت بشكل كبير على نشاط التنظيم مما أدى لتراجع مهم في عدد عملياته الإرهابية. فقد كان لتدخل البغدادي دور حاسم في إقالة الزعيم السابق للتنظيم، أبو بكر شيكاو؛ مما أدى لأزمة تنظيمية بين هذا الأخير والأمير الجديد، أبو مصعب البرناوي. ورغم هذه الأزمة الداخلية، فإن التنظيم، استطاع الخروج منها بعد اقتتال داخلي، غير حاد؛ بل إن جناحي التنظيم، يتعاونان بشكل كبير على الحدود، رغم استمرار الخلاف بينهما، خاصة فيما يتعلق بالجانب الآيديولوجي المسوغ لارتكاب أعمال وحشية ضد المدنيين.
ومن المؤشرات الدالة على العودة القوية للتنظيم في النصف الثاني من سنة 2018؛ توسع عمليات الخطف والهجوم على القواعد العسكرية للجيش النيجيري.
ومن عمليات الخطف التي مست قوات الجيش النيجري؛ تلك التي وقعت في الأسبوع الأول من نوفمبر، حيث تم خطف 16 جنديا نيجيريا في هجوم شنّته بوكو حرام ضد ثكنة عسكرية في منطقة بحيرة تشاد منتصف نوفمبر الحالي، كما أسفر هذا الهجوم عن قتل 15 جنديا من قوة التدخل الإقليمية، المتعاونة مع الجيش الرسمي.
كما خطف مقاتلو «بوكو حرام»، نحو 50 من الحطابين في شمال شرقي نيجيريا بالقرب من الحدود مع الكاميرون. وقد أوضح زعماء لميليشيا محلية والسكان المدنيون لوكالة الصحافة الفرنسية، أن الرهائن هم في الغالب من النازحين بسبب العنف «الجهادي»؛ وأنهم اختطفوا من قبل مقاتلين موالين لزعيم فصيل أبو بكر شكاو، أثناء جمعهم للخشب يوم السبت 17/ 11/ 2018.
من جهة ثانية، هاجم مسلحو «بوكو حرام» قاعدة عسكرية في شمال شرقي البلاد في ولاية بورنو؛ مستعملين صواريخ مضادة للطائرات، مما أدى لمقتل جندي وجرح أربعة آخرين. وفي هذا السياق الدموي الذي فرضه التنظيم الإرهابي على الشمال النيجري. شنت جماعة «بوكو حرام» الإرهابية يوم 14 يوليو (تموز) 2018 هجوما على قاعدة عسكرية، تضم نحو 700 جندي في ولاية يوبي، القريبة من حدود النيجر، شمال شرقي البلاد؛ ورغم أن السلطات الرسمية لم تعلن أي حصيلة رسمية فإن وكالة الصحافة الفرنسية، اعتمادا على مصدر عسكري قالت إن 31 من أفراد الجيش من بينهم 3 ضباط قتلوا في الهجوم، فيما جرح 24 آخرون. كما أسفر الهجوم الإرهابي عن مقتل عنصرين من الميليشيات المحلية، المتعاونة مع الجيش.
وبعد أسبوع فقط، على العملية التي أدت إلى قتل أكثر من 31 من أفراد الجيش؛ سقط عدد كبير من القتلى، على إثر هجوم شنه مسلحون من «بوكو حرام»، على بلدة شمال شرقي نيجيريا على الجنود النيجيريين والسكان بداية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، ويقدر عدد ضحايا هذه العملية على غودومبالي في منطقة غوزامالا ولاية بورنو، بعشرات القتلى بين المدنيين والعسكريين. وقال أحد السكان المحليين لوكالة «رويترز» للأنباء، إن «كثيرا من المدنيين لقوا مصرعهم، وحتى الآن لا نعرف عدد القتلى والآلاف غادروا منازلهم» بسبب الهجوم.
من جهة أخرى، أدت سلسلة الهجمات الأخيرة لفرع تنظيم داعش بنيجيريا إلى مقتل 12 فلاحا، صباح اليوم السبت 20/ 10/ 2018، بطريقة وحشية. حيث تعرضوا للذبح بالمناجل، من طرف مقاتلي التنظيم المتطرف، الذين استعملوا شاحنات للنقل للوصول لقرية كاله؛ على بعد نحو 20 كيلومترا عن مدينة مايدوغوري، عاصمة ولاية بورنو (شمال شرقي البلاد)، التي كانت مسرحا للجريمة.
وتساعد عدة عوامل سياسية واقتصادية وعرقية، على استمرار موجات العنف الديني والعرقي بنيجيريا. ذلك أن التنوع التقليدي والصراع السياسي في نيجيريا يتخذ طابعا عرقيا وقبليا، بين الهوسا المسلمة والإيبو واليوروبا المسيحية. وهذا الصراع شهد منذ ثمانينات القرن العشرين، تحولا مهما، حيث انطلق من التنظيم داخل الجامعات وتكتلات الطلاب بالمجموعات التي أطلق عليها «الطقوس السرية»، التي تأسست سنة 1984، لينتشر في الوسط النخبوي. وبذلك يصبح العنف الديني العرقي من مظاهر الصراع المستمر حول السلطة.
و هكذا وصلت دائرة العنف هذه إلى الجيش، حيث قاد جنرالات من قبائل الهوسا، والإيبو واليوروبا، انقلابات عسكرية متبادلة لفترة زمنية طويلة، ما زالت نتائجها مؤثرة على النسيج الاجتماعي، رغم التداول السلمي للسلطة القائم حاليا. ذلك أن الصراع العنيف، وتشعبه وتداخله بما هو ديني؛ أدى لظهور حركة دينية بزعامة «محمد مروة» أو «محمد يوسف». وترفض الحركة التعليم الحديث والغربي، وأنشأت عدة مدارس قرآنية للتعليم العتيق. كما قامت بأعمال إرهابية أدت لمقتل الآلاف من النيجيريين؛ مما جعل القيادات الدينية بالبلد تقف ضدها، وتعتبرها حركة غير مسلمة، وتصنفها بكونها مجموعة إرهابية.
وعليه يمكن التأكيد على أن الأوضاع الداخلية، هي العامل الرئيسي في ظهور تنظيم محمد يوسف واكتسابه لشعبيته. كما أن تعامل الجيش القاسي مع هذه الحركة سنة 2009، وإعدامها بشكل غير قانوني لزعيم التنظيم، زاد من شعبيته وسط عرقية الهوسا؛ خاصة مع تزايد إهمال الشمال النيجيري من الحكومات المتعاقبة. وهكذا وجد الزعيم المؤسس محمد يوسف، وأبو بكر شيكاو، ومنافسه أبو مصعب البرناوي؛ منطقة الشمال ملاذا لدعوتهم الدينية والعرقية العنيفة. كما وجدوا في الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية معينا لجلب الأنصار؛ خاصة أن الشمال أكثر تأثرا بالبطالة وضعف أو انعدام التعليم، وانتشارا للفساد في الأوساط الحكومية.
وقد أشارت بعض التقارير الدولية، إلى وجود ظاهرة الأموال المموهة، التي تتعلق بالقطاع الأمني؛ غير أن مسار هذه الأموال التي توضع في «صناديق سرية»، يسهل التلاعب بها، وصرفها بشكل غير قانوني، عوض استغلالها في تحقيق الأمن والتنمية بالبلاد. وأكدت منظمة الشفافية الدولية، أن هذه الصناديق وطريقة اشتغالها، تشكل في الواقع «شكلا من الفساد التاريخي في نيجيريا»، لأنها يلفها الغموض. كما أضافت المنظمة الدولية، أن «الفساد في قطاع الدفاع والأمن الأساسي، يعود بالفائدة على الذين يزرعون بذور عدم الاستقرار والرعب».
ويبدو أن هذا الوضع العام يساعد أبو مصعب البرناوي، ويسهل من مأموريته في زعزعة الاستقرار النيجيري. وظل البرناوي متحدثا باسم تنظيم «بوكو حرام» حتى سنة 2013، حيث انشق عن التنظيم الأم ليؤسس حركة جديدة باسم «أنصارو» أي الأنصار. ويعتقد كثير من الباحثين أن الزعيم الجديد هو ابن محمد يوسف مؤسس تنظيم «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد». ويتميز الابن عن أبو بكر شيكاو، بدعوته لتجنب المواجهة المفتوحة مع المجتمع المسلم والمسيحي. حيث يتبنى البرناوي حصر المواجهة العسكرية في القوات المسلحة وقوى الأمن والميليشيات التابعة لها. وتمكن حاليا من نقل نشاطه لشمال شرقي نيجيريا. في الوقت الذي لا يزال شيكاو يعتبر المجتمع غير الموالي لتنظيمه هدفا لأعماله الإرهابية.
ورغم هذا «التقدم» في الرؤية الآيديولوجية، فإن تنظيم «أنصارو»، هو الممثل الرسمي لـ«داعش» منذ 2015؛ وهو ما يوحي بأن التنظيم يعمل على التكيف مع الظروف المحلية، وتجاوز السخط الشعبي للعمليات العشوائية التي يدفع فيها شيكاو، الأطفال والنساء للقيام بالعمليات الانتحارية، كما أن البرناوي يحرص على استعمال لغة عرقية الهاوسة، في خطبه المنبرية والإعلامية.
كما يحرص على التواصل مع بعض النخب التقليدية السياسية والاقتصادية بشمال نيجيريا؛ التي تدعو الحكومة منذ سنوات لفتح قنوات الحوار مع التنظيم. عملت الجماعة كذلك على تنويع مصادرها المالية، حيث تفرض الضرائب، في المناطق التي تسيطر عليها، وتعمل على التعامل التجاري والتشابك مع منظمات الجريمة والعنف الإجرامي؛ كما تركز جهود التنظيم على الخطف، والاستيلاء على قطعان الماشية، وفرض الضرائب في المناطق المسيطر عليها، بالإضافة إلى السطو على البنوك.
وفيما يخص الفدية، تتحدث بعض التقارير الدولية، عن حصول الجماعة على أكثر من 10 ملايين دولار من عمليات الاختطاف والفدية إلى حدود 2018.
ويبدو أن تطور حركة «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد» وميلاد جماعة «أنصارو» بنيجيريا، محكوم بعوامل داخلية معقدة، تتقاطع مع النفوذ الدولي داخل البلد. فإذا كانت الاختلافات الدينية والعرقية تربة خصبة للعنف بأفريقيا؛ فإن نيجيريا بحكم ثروتها النفطية الكبيرة، تشهد فوق ذلك، صراعا دوليا على ثروتها. الشيء الذي يعزز من نفوذ الجيش في السياسة، ويغيب العدالة المجالية، والحوكمة الرشيدة. وكلها عوامل مستنبتة للإرهاب، وأنواع مختلفة من العنف المتشابك مع الجريمة الدولية.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».