... وأطفالها في شوارع العاصمة يشمون «إصبع الشعلة»

TT

... وأطفالها في شوارع العاصمة يشمون «إصبع الشعلة»

بعد يوم طويل قضاه أحمد (8 سنوات) بالتسول في شوارع دمشق، لجأ عند مغيب الشمس إلى الحديقة وسط المدينة لينال قسطاً من الراحة مكافئاً نفسه بإصبع «شعلة» - مادة لاصقة ذات رائحة نفاذة ـ يفرغه بكيس «نايليون» ثم ينفخه كالبالون قبل أن يعيد دس أنفه في فتحة الكيس مستنشقاً ما بداخله من هواء مشبع برائحة المادة اللاصقة، في عملية أشبه بعملية التنفس الاصطناعي. يرفع رأسه حاسباً الشهيق، متيحاً لرئتيه التشبع بالرائحة، لتنفثها إلى خلاياه الفتية. يكرر أحمد النفخ والشم إلى أن يثقل رأسه ويستلقي على العشب مطلقاً العنان لخياله.
«شم الشعلة»، أي مادة لاصق «نيوبرين» عادي، يعد بديلاً رخيصاً عن تعاطي المخدرات وحبوب المهدئات العصبية، إذ إن سعر العلبة 130 غراماً تباع بـ350 ليرة سورية (الدولار يعادل 488 ليرة)، إلا إنها مادة سمّية، ويندرج الإدمان عليها ضمن الإدمان على المواد الكيماوية. تأثيراتها تحصل بعد الاستنشاق مباشرة، فتمنح شعوراً بالنشوة والنشاط لمدة تتراوح بين 15 ـ 45 دقيقة، بحسب مدة التعرض للاستنشاق والكمية المستنشقة، ما يدفع الطفل لتكرار العملية، ومن ثم الإدمان.
وتفيد معلومات طبية بأن الإدمان على شم المذيبات الطيارة والمواد اللاصقة له تأثيرات خطيرة جداً، فقد تؤدي مع مرور الوقت إلى إحداث ضرر دماغي وتلف خلايا عصبية. كما قد تتسبب في حدوث جلطات دماغية جراء نقص الأكسجين وانقباض الأوعية الدموية، بسبب زيادة كمية ثاني أكسيد الكربون، وذلك إضافة إلى ما تحدثه من التهابات وطفح جلدي حول الفم والتهابات في الجهاز التنفسي وتخريب للنسيج الرئوي والقصبات، واحتمال إحداث إصابة كبدية أو هضمية مستقبلية تنتهي بالتسرطن.
المفعول المخدر للمادة اللاصقة بعلامتها التجارية «الشعلة» عرفه الأطفال المشردون في سوريا منذ عقود، كما عرفه المراهقون، لكن بعد ثمان سنوات من الحرب وازدياد أعداد الأطفال المشردين في الشوارع، طفت هذه الظواهر على السطح، وانتشر «شم الشعلة» على نحو واسع نهاراً جهاراً، إذ لم يعد يثير الجزع منظر مجموعة أطفال يتكئون على سور حديقة عامة، وكل منهم يحمل كيساً بيده يعب منه أنفاساً مثقلة برائحة اللاصق ليغيبوا عن الوعي.
همام من سكان ريف دمشق حكى عن رؤيته أربعة أطفال صعدوا إلى «السرفيس» في الطريق إلى جنوب دمشق، وكل منهم يحمل كيساً يستنشق منه «الشعلة»، وبعد لحظات بدأوا بالصراخ والضجيج، أحدهم كان يتباهى بأنه كل يوم يشم عشرين إصبع «شعلة»، ويعير رفاقه بأنه ليس بإمكانهم فعل ذلك.
سلام مراهقة (14 سنة) متشردة تقود أربعة أطفال ذكور وبنتين، علّمتهم شم «الشعلة»، كما علمتهم أساليب التسول. أحد أعضاء فريقها طفل (7 سنوات) يفشي بعض الأسرار عن سلام فيقول إنها من حي الحجر الأسود قُتلت أمها أثناء هروبهم من القصف قبل خمس سنوات.
وتداول سوريون، الأسبوع الماضي، على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو يُظهر طفلاً أقل من عشر سنوات وهو يشم «الشعلة». حركاته وإجاباته المختصرة لا تنم عن طفل بعمر عشر سنوات، بل عن رجل نضج قبل أوانه بكثير، بعدما قذفته الحرب إلى الشوارع، ومنّ عليه التشرد بلسان سليط وبذيء، يعينه على جلد واقع بائس.
آمال شابة جامعية ناشطة في جمعية محلية تعنى بالطفولة، تقول إن هؤلاء الأطفال فقدوا الحماية الاجتماعية، ولا أحد يكترث لأمرهم، أكثر ما تقوم به شرطة مكافحة التسول أو الأجهزة الأمنية هو إلقاء القبض عليهم وسجنهم وضربهم ثم تحويلهم إلى القاضي، ليصار إما إلى «إطلاق سراحهم إلى الشوارع أو تحويلهم إلى سجن الأحداث التعيس».
يُشار إلى تقارير إعلامية محلية قد نقلت في وقت سابق عن وزارة الداخلية إعرابها عن عدم تمكنها من الوصول إلى جميع الأطفال الذين يشمون «الشعلة»، ولا حتى محاسبة وإغلاق المحال والأكشاك التي باتت معروفة ببيع «الشعلة» للأطفال المشردين، إذ لا يوجد ما يمنع بيع مادة مشرعة قانوناً.
منع بيع مادة «الشعلة» للأطفال حل «إجرائي» يطرحه الكثير من السوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن إياد وهو معارض من سكان دمشق يرى أنه ليس حلاً على الإطلاق، فالمشكلة ليست في الظواهر الناشئة على هامش التشرد الذي أفرزته سبع سنوات من الحرب، وإنما في «النظام وحكومته العاجزة عن تحمل المسؤوليات الاجتماعية والأخلاقية في احتواء آلاف الأطفال المشردين ومعالجة أوضاعهم بشكل جذري».
وتشير «الشبكة السورية لحقوق الإنسان»، في تقرير لها صدر الشهر الحالي، إلى أن ثلاثة ملايين طفل سوري محرومون من التعليم، حيث سجلت سوريا واحداً من أدنى معدلات الالتحاق بالمدارس على مستوى العالم. ووثق مقتل 28226 طفلاً، منهم 22444 قتلوا على يد قوات النظام، كما لفت إلى وجود 3155 طفلاً قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري في سجون النظام.



انقلابيو اليمن يتبنّون استهداف تل أبيب بمسيّرات

عناصر حوثيون في صنعاء متضامنون مع «حزب الله» اللبناني (إ.ب.أ)
عناصر حوثيون في صنعاء متضامنون مع «حزب الله» اللبناني (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يتبنّون استهداف تل أبيب بمسيّرات

عناصر حوثيون في صنعاء متضامنون مع «حزب الله» اللبناني (إ.ب.أ)
عناصر حوثيون في صنعاء متضامنون مع «حزب الله» اللبناني (إ.ب.أ)

ضمن تصعيد الجماعة الحوثية المستمر للشهر الحادي عشر تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة، وأخيراً مناصرة «حزب الله» في لبنان، تبنت إطلاق عدد من الطائرات المسيرة باتجاه تل أبيب، الخميس.

وجاء هذا الهجوم في وقت تتوعد فيه الجماعة المدعومة من إيران باستمرار هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، إذ تزعم أنها تمنع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل بغضّ النظر عن جنسيتها، إضافة إلى السفن الأميركية والبريطانية.

وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، يحيى سريع، في بيان متلفز، إن قوات جماعته نفّذت عملية عسكرية استهدفت هدفاً حيوياً في «تل أبيب» بعدد من الطائرات المسيرة من نوع «يافا».

وادّعى المتحدث الحوثي أن العملية «حقّقت أهدافها بنجاح بوصول المسيرات دون أن يرصدها العدو أو يسقطها»، حيث جاءت ضمن ما تسميه الجماعة «المرحلة الخامسة في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، واستمراراً في الانتصارِ لمظلوميةِ الشعبينِ الفلسطينيِّ واللبنانيِّ وإسناداً للمقاومتينِ الفلسطينيةِ واللبنانيةِ».

صاروخ باليستي زعم الحوثيون أنهم أطلقوه باتجاه إسرائيل (إعلام حوثي)

وإذ توعد سريع باستمرار الهجمات من قبل جماعته «حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة، وكذلك وقف العدوانِ على لبنان»، قال الجيش الإسرائيلي إنه اعترض «هدفاً جوياً مشبوهاً» قبالة وسط إسرائيل خلال الليل من دون تقديم تفاصيل، وفق ما نقلته «رويترز».

وهذه هي المرة الخامسة التي تتبنى فيها الجماعة الحوثية مهاجمة تل أبيب منذ الهجوم الأول بطائرة مسيرة في 19 يوليو (تموز) الماضي، الذي أدى إلى مقتل مدني وإصابة آخرين بعد أن أصابت الطائرة شقة سكنية.

استمرار التصعيد

أشار زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في خطبته الأسبوعية، الخميس، إلى استمرار جماعته في تصعيدها، وأفرد مساحة واسعة للحديث عن الهجمات الإيرانية الصاروخية الأخيرة على إسرائيل.

وفي حين زعم الحوثي أن مقتل حسن نصر الله لن يؤثر على «حزب الله» اللبناني، قال إن جماعته هاجمت 188 سفينة منذ بدء التصعيد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وكانت الجماعة ادّعت إطلاق 3 صواريخ مجنحة باتجاه تل أبيب، الأربعاء، دون تأكيد إسرائيلي بخصوص هذه الهجمات، وذلك غداة مهاجمة الجماعة سفينتين في البحر الأحمر.

ويوم الثلاثاء الماضي، زعمت الجماعة مهاجمة هدف عسكري في تل أبيب بطائرة مسيرة من نوع «يافا» ومهاجمة أهداف عسكرية أخرى في «إيلات» بـ4 مسيرات من نوع «صماد 4»، وهي الهجمات التي لم يشر الجيش الإسرائيلي إلى آثار ناجمة عنها.

من آثار الضربات الإسرائيلية على مدينة الحديدة اليمنية الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)

وفي 15 سبتمبر (أيلول) أطلقت الجماعة صاروخاً «فرط صوتي» من نوع «فلسطين 2» باتجاه تل أبيب، حيث أدت عملية اعتراضه إلى إشعال حرائق في أماكن مفتوحة دون تسجيل أي إصابات بشرية. كما تبنت في 27 سبتمبر الماضي إطلاق صاروخ في النوع نفسه باتجاه تل أبيب، وإطلاق مسيرة من نوع «يافا» باتجاه منطقة عسقلان.

وإزاء الهجمات التي تبنتها الجماعة الحوثية ضد إسرائيل كان أول ردّ للأخيرة في 20 يوليو الماضي حيث استهدفت مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكررت الضربات الإسرائيلية، الأحد الماضي، الموافق 29 سبتمبر الماضي، على مستودعات الوقود في ميناءي الحديدة ورأس عيسى، كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقرّ به الحوثيون.