حركات مسلحة سودانية تستعدّ لتوقيع اتفاق مبدئي مع حكومة الخرطوم

TT

حركات مسلحة سودانية تستعدّ لتوقيع اتفاق مبدئي مع حكومة الخرطوم

تشهد مدينة «برلين» الألمانية في السادس من الشهر الجاري توقيع «اتفاق ما قبل بدء التفاوض» بين بعض الحركات المسلحة والحكومة السودانية، بينما يُعقد في العاصمة الإثيوبية الأسبوع القادم اجتماع تشاوري، بين تحالف «نداء السودان» المعارض، وآلية الوساطة الأفريقية رفيعة المستوى، يتعلق بقضايا الحوار الوطني، وأساسيات التفاوض المزمع بين المعارضة والحكومة السودانية.
وقال رئيس حركة «العدل والمساواة» السودانية المسلحة جبريل إبراهيم، في مؤتمر صحافي بباريس حضرته «الشرق الأوسط» أمس، إن وفداً من الحكومة السودانية سيوقّع اتفاقاً مع الحركات المسلحة في السادس من الشهر الجاري في برلين على قضايا مرحلة «ما قبل التفاوض». وكشف إبراهيم عن اجتماع بين قوى تحالف «نداء السودان» والآلية رفيعة المستوى التي تتوسط بين الفرقاء السودانيين، سيتم في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لبحث رؤيتها المتعلقة بالمشاركة في كتابة الدستور والانتخابات المزمعة باعتبارها وسيلة للتغيير.
وشهدت الأيام الماضية تحركات مكوكية بين فصائل المعارضة المسلحة والمدنية، في أكثر من عاصمة حول العالم، تهدف إلى إحياء التفاوض بين حكومة الخرطوم ومعارضيها بعد ركود استمر طويلاً، وأثمرت وفقاً لرئيس حركة «العدل والمساواة» التوصل إلى مرحلة توقيع اتفاق «ما قبل بدء التفاوض». وأوضح إبراهيم أن «كثرة الوسطاء» فرضت عليهم التعامل مع هذه العواصم، وأن المباحثات التي جرت هناك استهدفت قضايا مرحلة ما قبل التفاوض، وتتمثل في التوفيق بين الوساطات.
وحسب إبراهيم، توافقت حركتا «العدل والمساواة» و«تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي، على «وثيقة الدوحة» للسلام في دارفور استجابةً لإصرار الطرف الحكومي، وذلك لفتح الطريق إلى قضايا الحل الشامل. وقال: «هناك إصرار شديد من الطرف الحكومي عليها، وهناك أشياء تجب معالجتها قبل بدء أي مفاوضات، منها وثيقة الدوحة، على الرغم من أنها غير ملزِمة لنا قانونياً، وأن موادها بليت بفعل التقادم، وتطبيقها لم يحقق أي شيء، لكنهم مصرّون عليها».
ونفى إبراهيم بشدة أن تكون المعارضة تسعى لتحقيق ما أطلق عليه «الهبوط الناعم»، أو توقع اتفاقات ثنائية مع النظام، مؤكداً أن حركته لا تسعى إلى وظائف في الحكومة أو تحقيق مكاسب لقادتها، بل تسعى إلى حل المشكلة السودانية، باستعادة الحريات وكفالة حقوق الإنسان، وتحقيق التداول السلمي للسلطة. وأضاف: «لو كنا نريد السلطة لما خرجنا وحملنا السلاح، فقد كنا في السلطة قبل أن نخرج، والمفاوضات ليس فيها أسرار، ولن تكون هناك اتفاقات ثنائية، ولن نلقي سلاحنا ما لم تُحل المشكلة وتُرفع المظالم وتُرد الحقوق».
وانتقد إبراهيم تعدد الوسطاء والمنابر الإقليمية والدولية التي تعمل في ملف المفاوضات السودانية، داعياً إلى حسم دور المجتمع وتعريف وظائف الوسطاء قبل بدء أي مفاوضات، وفي ذات الوقت الحفاظ على وجودهم مع عدم إتاحة الفرصة لهم للاستيلاء على الملفات كاملة. وقال إبراهيم إن المباحثات المنتظرة بين المعارضة والحكومة ستبدأ بتوقيع اتفاق إطاري يحدد أجندة التفاوض للانتقال إلى المرحلة الثانية. وتابع: «من حقنا طرح كل القضايا التي نعدها أساسية للسلام في السودان ودارفور، وحال توصلنا إلى اتفاق سلام يجب أن نتفق على آليات التنفيذ المستقلة، ولن نقبل بالآليات القديمة. فقد أرضيناهم بالتزامنا بوثيقة الدوحة، لكننا أفلحنا في إدخال ما كانوا يريدون حرماننا منه، إذ كانوا يقولون لنا تحدثوا عن دارفور، فأقنعناهم بأن من حقنا الحديث عن قضايا السودان ككل».
وأوضح إبراهيم أن قضية دارفور حلها ليس في مدينة الفاشر، عاصمة الإقليم، بل في عاصمة السودان القومية، الخرطوم، مؤكداً أنها مرتبطة بالقضية الوطنية بشكل عام، وأنه «من المتوقع أن نوقّع الأسبوع القادم اتفاق ما قبل التفاوض، الذي يمهّد لتوقيع اتفاق وقف عدائيات، ثم التوصل لاتفاق إطاري، تليه مرحلة الدخول في التفاوض حول القضايا الأساسية وجذور المشكلة». ورهن إبراهيم وقف العدائيات بحل قضايا المتأثرين بالحرب والنازحين واللاجئين، قائلاً: «وقف الحرب وقضايا النازحين والمتأثرين بالحرب تختلف عن القضايا القومية، فهناك قضايا خاصة بالمناطق المتأثرة بالحرب، لذلك سنفاوض في مسارين؛ مسار الحوار الوطني وفقاً لترتيبات محددة وإيجاد معالجة سياسية شاملة لقضايا البلاد، ومسار التفاوض لوقف الحرب وتحقيق السلام».
وانتقد إبراهيم الحوار الوطني الداخلي، قائلاً إن الحزب الحاكم حوّله إلى «منولوج داخلي»، وعطّل مساره، و«نحن ندعو لأن يكون هناك حل شامل لقضايا الوطن»، مشيراً إلى دعوة وجّهتها الآلية الأفريقية إلى «تحالف نداء السودان» المعارض، للتفكر حول قضايا الحوار. ووفقاً لرؤية الآلية فإن مشاركة الجميع في كتابة الدستور، والإعداد للانتخابات يمكن أن يحدثا التغيير. وتوقع توصل اللقاء مع الآلية إلى اتفاق حول طريقة جديدة للحوار، قائلاً: «نحن نريد وقف الحرب في كل السودان، وليس في مكان دون آخر، حتى لا تنقل الحكومة الآلة العسكرية إلى المناطق الأخرى، لذلك حرصنا على التنسيق في مسألة وقف الحرب والمفاوضات، ونحن لا نتكسب من وراء البندقية لأن التضحيات التي قدمناها أكبر من أن يكون مقابلها وظيفة أو مال، فقد حملنا السلاح لإصلاح الأوضاع في البلاد من أجل الأجيال القادمة، ولتكون هذه الحرب الأهلية الأخيرة في السودان». وحذر من مخاطر الصفقات الثنائية بين النظام والمعارضة، قائلاً: «مشكلتنا لن تُحل بالصفقات الثنائية، فهناك اتفاقيات ثنائية كثيرة لم تحل أي مشكلة، لذلك لن نجرب المجرب، لكن قضايا الحرب والنزوح لن تقبل الانتظار، ولا يمكن أن تستمرّ هكذا إلى ما لا نهاية».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.