الشركات الهندية الناشئة تجتذب استثمارات عالمية بمليارات الدولارات

بعضها تحول إلى كيانات عملاقة في بضعة أشهر... وعدد اتفاقات التمويل ارتفع 250 % في عام

شباب يبحثون عن وظيفة أمام علامة لقرية رواد الأعمال والشركات الناشئة في الهند (رويترز)
شباب يبحثون عن وظيفة أمام علامة لقرية رواد الأعمال والشركات الناشئة في الهند (رويترز)
TT

الشركات الهندية الناشئة تجتذب استثمارات عالمية بمليارات الدولارات

شباب يبحثون عن وظيفة أمام علامة لقرية رواد الأعمال والشركات الناشئة في الهند (رويترز)
شباب يبحثون عن وظيفة أمام علامة لقرية رواد الأعمال والشركات الناشئة في الهند (رويترز)

تجذب الشركات الناشئة الهندية استثمارات عالمية تقدر بالمليارات، فقد ازداد الاستثمار في الشركات الناشئة الهندية بنحو 110 في المائة سنوياً، حيث ارتفع من ملياري دولار خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) حتى سبتمبر (أيلول) 2017، إلى 4.2 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2018، بحسب ما ذكره «الاتحاد الوطني لشركات البرمجيات والخدمات» (ناسكوم) في تقرير.
وقد شهد إجمالي عدد اتفاقات تمويل الشركات الناشئة، خصوصاً في المراحل المتقدمة، ارتفاعاً كبيراً يبلغ 250 في المائة تقريباً، حيث كانت تقدر قيمتها في عام 2017 بـ847 مليون دولار وأصبحت 3 مليارات دولار في 2018. ويقول ديبجاني غوش رئيس الاتحاد الوطني، إن «هذا هو الوقت المناسب لتحول الهند إلى مركز كبير للشركات الناشئة الرائدة في العالم، حيث تزخر الهند بالابتكار والأفكار الجديدة. نطلب من الحكومة فتح السوق والسماح للشركات الناشئة ببيع منتجاتها إلى الحكومة حيث يمكن لهذا أن يحدث فارقاً كبيراً».
وتشغل الهند المركز الثالث بين الدول التي تضم شركات ناشئة كثيرة بعد الولايات المتحدة والصين. وقد انضمت شركات ناشئة، منها «زوماتو»، و«سويغي»، و«بي واي جيه يوز»، و«بوليسي بازار»، و«فريشوركس»، و«أو واي أو»، و«أودان»، إلى نادي الشركات الناشئة العملاقة الأسطورية، أي التي تتجاوز قيمتها مليار دولار، في غضون بضعة أشهر. وكانت إيلين لي، ممولة الشركات الناشئة، هي من أطلقت مصطلح «الشركات العملاقة الأسطورية» على تلك الشركات في عام 2013 نظراً لندرة حدوث ذلك الأمر من الناحية الإحصائية.
وتدعو الهند كبار المستثمرين للمشاركة في اجتماع يتم عقده في نهاية العام، تمهيداً للإسهام باستثمارات أكبر في الشركات الناشئة الهندية.
- الاستثمارات الصينية
في الوقت الذي لا تزال فيه الشركات الرأسمالية الغربية تهيمن على الاستثمار في عالم التكنولوجيا بالهند، تشير الإحصاءات إلى تنامي تأثير الأموال والاستثمارات الصينية.
ويقدم تقرير بعنوان «الهند - الصين: شركات ناشئة وما هو أكثر» صادر عن شركة الاستشارات العالمية «كيه بي إم جي» وصفاً تفصيلياً لمناخ الشركات الناشئة الهندية، ويوضح لماذا تمثل الهند المكان المناسب لضخّ استثمارات في الشركات الناشئة. وجاء في التقرير: «حصلت شركات ناشئة في الهند خلال عام 2017 على ملياري روبية (28 مليون دولار) من الصين. وتشير زيادة الاستثمارات إلى توجه الصينيين نحو التوسع خارج الصين للاستفادة من مزايا القوى العاملة منخفضة الأجر، والأسواق الجديدة، ووضع أفضل من الوضع في السوق المحلية».
وقد ركّزت الشركات الصينية بشكل واضح في استثماراتها على قطاعات مثل التجارة الإلكترونية، يليها كل من قطاع النقل، والتكنولوجيا المالية، والصحة، والبيئة، وتكنولوجيا الزراعة، والسلع الاستهلاكية، والترفيه بما في ذلك الألعاب غير المسببة للإدمان، لكن تظل الاستثمارات الكبرى موجهة إلى الصفقات في قطاع التجارة الإلكترونية خصوصاً في المرحلة المتقدمة. وتقف وراء بعض الاستثمارات الكبرى في الشركات الهندية الناشئة كل من شركة «علي بابا»، و«سي تريب» و«تينسينت».
وعندما سافر مادهوسودان إكامبارام، أحد مؤسسي شركة «كريزي بي» ومقرّها بنغالور، إلى الصين من أجل الحصول على تمويل في عام 2016، كان يبدو أنه يسير في الاتجاه الخاطئ، ففي ذلك الوقت كانت رحلات العمل الرامية إلى البحث عن تمويل تتجه نحو الغرب، في حين اتجه هو شرقاً. وقال وهو يتذكر: «لقد كان ذلك القرار مفاجئاً للكثيرين». بعد مرور أقل من 3 سنوات تغير المشهد بشكل ملحوظ، حيث تمكن من الحصول على استثمارات قدرها 13 مليون دولار من الصين، ولم يعد بحاجة إلى الدفاع عن اتجاهه. ويوضح: «يدرك الجميع الآن وجود المستثمرين الصينيين، ويتزايد عدد الشركات الناشئة المتطلعة نحو الصين كل يوم، فقد أصبح ذلك هو النمط السائد».
وانضم نحو 350 صندوق رأسمال مخاطر، إضافة إلى مستثمرين داعمين، إلى ذلك المعسكر من خلال الإعلان عن استثمار 30 مليون دولار في 8 شركات ناشئة هندية. وقد أعلنت وزارة التجارة والصناعة خلال «المنتدى الهندي الثاني للاستثمار في الشركات الناشئة»، الذي انعقد في بكين، أن صناديق رأس المال المخاطر الصينية تعتزم استثمار نحو 30 مليون دولار في 8 شركات هندية ناشئة. وقد استهدفت هذه الفعالية، التي استغرقت يوماً واحداً، ونظمتها السفارة الهندية في الصين بالتعاون مع «اتحاد الشركات الناشئة الهندية»، ومؤسسة «فينشر غوروكول»، تعريف أصحاب رأس المال المخاطر والمستثمرين الصينيين على الشركات والمشروعات الناشئة الهندية الواعدة، ومساعدة تلك الشركات على الجانب الآخر في التواصل مع كبار المستثمرين الصينيين للحصول على استثمارات وتمويل لمشروعاتهم.
كذلك شاركت 12 شركة هندية ناشئة في «المنتدى الأول للاستثمارات الهندية» في المشروعات الناشئة الذي انعقد خلال العام الماضي، ونجحت 4 من تلك الشركات في الحصول على تمويل قدره 15 مليون دولار من رجال أعمال صينيين.
ويمثل هذا تناقضاً واضحاً وحاداً مع موقف «سيليكون فالي»، حيث يتم التعامل مع أصحاب رأس المال المخاطر الصينيين في أكثر الأحوال ببرود ولا مبالاة. وقد اتضح هذا التباين في المواقف خلال زيارة مجموعة من المستثمرين الصينيين إلى الهند خلال العام الماضي، حيث يقول ستيفن ليو، وهو رجل أعمال في بنغالور نظّم جولتهم: «لقد اندهشوا حقاً من حفاوة استقبالهم، في حين كان يتم إبعادهم عن المناقشة في (سيليكون فالي)، حين يتطرق الحديث إلى الاستثمار في أفضل الشركات. الوضع في الهند مختلف تماماً».
وتوجد على قائمة الشركات، التي يستثمر فيها الصينيون، كبرى الشركات التكنولوجية في الهند. وقد قبلت شركة «فليبكارت»، المنافس الرئيسي لشركة «أمازون» في البلاد، استثماراً من شركة «تينسينت» الصينية العملاقة التي تعمل في مجال مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك فعلت شركة «أولا»، النسخة الهندية من «أوبر».
ورحبت شركة «بايتم»، منصة للبيع بالتجزئة على الإنترنت ومقدمة خدمة محفظة إلكترونية رائدة في الهند، بشركة «علي بابا»، وتلقت مساهمة استثمارية قدرها 45 مليون دولار ضمن مجموعة من الاستثمارات المقدمة من شركة الإنترنت الصينية العملاقة. كذلك تمتلك شركة «علي بابا» منصة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست». وأكد الملياردير جاك ما، رئيس شركة «علي بابا»، حرصه على ضخ مزيد من الاستثمارات في الهند، مشيراً إلى أنه يستعد للتعاون مع أصحاب أعمال رائدة هنود في مجال التكنولوجيا.
ويمتلك المستثمرون الصينيون في نظر كثير من الشركات الناشئة الهندية مصدراً يمدّ أعمالهم بالحياة. يقول سانتوش باي، محامي استثمارات عابرة للحدود لدى شركة المحاماة «لينك ليغال إنديا لو سيرفيس» في نيودلهي: «إذا عرفت أي الشركات الناشئة سوف تفوز، فأنت تسأل بالأساس عن مقدار ما يملكون من مال». كذلك يقول كارثيك ريدي، شريك تنفيذي في «بلوم فينشرز» ومقرّها مومباي: «من الواضح أنه قد أصبح للمستثمرين الصينيين تأثير في تحديد من يكون الفائز الكبير في الهند وفي جعله أكبر».
- البحث عن الأسباب
ورغم أهمية التمويل، فإن المال ليس السبب الوحيد الذي يدفع إلى التعاون بين الجانبين، حيث يقول الكثيرون إنهم يقدّرون أوجه الشبه والتقارب بين الدولتين، فهما الدولتان الوحيدتان في العالم اللتان لديهما اقتصاد قوي مع تعداد سكان كبير يبلغ نحو 1.3 مليار نسمة، ومساحات شاسعة من الأراضي، ومجتمع سريع التغير والتحول.
ويقول مانديب مانوتشا، مؤسس شركة «كاشيفاي»، التي تبيع هواتف وأجهزة لوحية وأجهزة إلكترونية أخرى مستعملة: «الهند مثل الصين منذ 10 أعوام. سوف يفهم المستثمرون الصينيون مساحتنا على نحو أفضل من أصحاب رأس المال من الأميركيين». وأضاف: «عندما يكون لديك مستثمرون صينيون سوف يخبرونك كيف تستخدم الشركات في آسيا الهواتف الجوالة في القيام بأمور مختلفة منها التجارة واللعب وغيرها. لا أعتقد أنك تستطيع معرفة كثير مما يفيد الهند من الأسواق الغربية، فما سيتعلمه مؤسسو الشركات الهنود سيكون من الصين». ويتعلم إكامبارام حالياً لغة الماندرين من أجل الترحيب بشركاء العمل الصينيين في المستقبل.
- تحديات
مع ذلك لا تخلو الطريق إلى رأس المال الصيني، ولا التفاعل اليومي مع المستثمرين، من المشكلات، فهناك عائق اللغة الذي يفصل بين أصحاب الأعمال الرائدة الهنود وأصحاب رأس المال الصينيين، إلى جانب الاختلافات الثقافية. كذلك يشكو بعض العاملين في المجال من تحدث المستثمرين الصينيين بلغة الماندرين مع بعضهم بدلاً من إشراكهم في نقاش مفتوح باللغة الإنجليزية، في حين يلوم البعض الآخر المستثمرين الصينيين الذين لا يدركون مدى تعقيد النظام القانوني الهندي، ويتوقعون إنجاز الكثير خلال وقت قليل.
إلا أن تلك المشكلات لا يتوقع لها أن تدوم طويلاً، حيث يتذكر إكامبارام كيف كان من الصعب التواصل مع المستثمرين الصينيين بشأن ضرورة الالتزام بالسياسة منذ عامين، فقد كانوا ينزعجون من الأعمال الورقية التي لا تنتهي، بل وكانوا يتشككون أحياناً في الغرض من التوقيع على الوثائق. لحسن الحظ تبددت تلك المخاوف بمرور الوقت.
ويوضح: «أعتقد أن الأمور قد باتت أسهل الآن، فمع إبرام الصين مزيداً من الصفقات بدأ الصينيون يفهمون الهند بشكل أفضل عن ذي قبل».



بورصة لندن تواجه أزمة تنافسية مع أكبر موجة هجرة منذ الأزمة المالية

رجل يتجول في بهو بورصة لندن (رويترز)
رجل يتجول في بهو بورصة لندن (رويترز)
TT

بورصة لندن تواجه أزمة تنافسية مع أكبر موجة هجرة منذ الأزمة المالية

رجل يتجول في بهو بورصة لندن (رويترز)
رجل يتجول في بهو بورصة لندن (رويترز)

حذَّر الرئيس السابق لمجموعة بورصة لندن، من أنَّ بورصة لندن الرئيسية أصبحت «غير تنافسية للغاية»، وسط أكبر هجرة شهدتها منذ الأزمة المالية.

وقال كزافييه روليه، الذي ترأس مجموعة بورصة لندن بين عامَي 2009 و2017، إن التداول الضعيف في لندن يمثل «تهديداً حقيقياً» يدفع عدداً من الشركات البريطانية إلى التخلي عن إدراجها في العاصمة؛ بحثاً عن عوائد أفضل في أسواق أخرى.

وجاءت تعليقاته بعد أن أعلنت شركة تأجير المعدات «أشتيد» المدرجة في مؤشر «فوتسي 100» خططها لنقل إدراجها الرئيسي إلى الولايات المتحدة، استمراراً لاتجاه مماثل اتبعته مجموعة من الشركات الكبرى في السنوات الأخيرة.

ووفقاً لبيانات بورصة لندن، فقد ألغت أو نقلت 88 شركة إدراجها بعيداً عن السوق الرئيسية في لندن هذا العام، بينما انضمت 18 شركة فقط. وتشير هذه الأرقام، التي نشرتها صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إلى أكبر تدفق صافي من الشركات خارج السوق منذ الأزمة المالية في 2009.

كما أن عدد الإدراجات الجديدة في لندن يتجه لأن يكون الأدنى في 15 عاماً، حيث تتجنب الشركات التي تفكر في الطرح العام الأولي (IPO) التقييمات المنخفضة نسبياً مقارنة بالأسواق المالية الأخرى.

وقد تجاوزت قيمة الشركات المدرجة التي تستعد لمغادرة سوق الأسهم في لندن هذا العام، 100 مليار جنيه إسترليني (126.24 مليار دولار) سواء من خلال صفقات استحواذ غالباً ما تتضمن علاوات مرتفعة، أو من خلال شطب إدراجها.

وأضاف روليه أن انخفاض أحجام التداول في لندن في السنوات الأخيرة، مقارنة مع الارتفاع الحاد في الولايات المتحدة، دفع الشركات إلى تسعير أسهمها بأسعار أقل في المملكة المتحدة لجذب المستثمرين.

وقال في تصريح لصحيفة «التليغراف»: «الحسابات البسيطة تشير إلى أن السوق ذات السيولة المنخفضة ستتطلب خصماً كبيراً في سعر الإصدار حتى بالنسبة للطروحات العامة الأولية العادية. كما أن السيولة المنخفضة نفسها ستؤثر في تقييم الأسهم بعد الاكتتاب. بمعنى آخر، فإن تكلفة رأس المال السهمي تجعل هذه السوق غير تنافسية بشكل كامل».

ووفقاً لتقديرات «غولدمان ساكس»، يتم تداول الأسهم في لندن الآن بخصم متوسط يبلغ 52 في المائة مقارنة بنظيراتها في الولايات المتحدة.

وتستمر معاناة سوق العاصمة البريطانية في توجيه ضربة لحكومة المملكة المتحدة، التي تسعى جاهدة لتبسيط القوانين التنظيمية، وإصلاح نظام المعاشات المحلي لتشجيع مزيد من الاستثمارات.

وأشار روليه إلى أن المملكة المتحدة بحاجة إلى التخلص من الإجراءات البيروقراطية المرتبطة بالاتحاد الأوروبي التي تمنع صناديق التقاعد من امتلاك الأسهم، بالإضافة إلى ضرورة خفض الضرائب على تداول الأسهم وتوزيعات الأرباح.

وأضاف: «قلقي اليوم لا يتعلق كثيراً بالطروحات العامة لشركات التكنولوجيا، فقد فات الأوان على ذلك. التهديد الحقيقي في رأيي انتقل إلى مكان آخر. إذا استمعنا بعناية لتصريحات كبار المديرين التنفيذيين في الشركات الأوروبية الكبرى، فسنجد أنهم أثاروا احتمال الانتقال إلى الولايات المتحدة للاستفادة من انخفاض تكلفة رأس المال والطاقة، والعوائد المرتفعة، والتعريفات التفضيلية».