الشركات الهندية الناشئة تجتذب استثمارات عالمية بمليارات الدولارات

بعضها تحول إلى كيانات عملاقة في بضعة أشهر... وعدد اتفاقات التمويل ارتفع 250 % في عام

شباب يبحثون عن وظيفة أمام علامة لقرية رواد الأعمال والشركات الناشئة في الهند (رويترز)
شباب يبحثون عن وظيفة أمام علامة لقرية رواد الأعمال والشركات الناشئة في الهند (رويترز)
TT

الشركات الهندية الناشئة تجتذب استثمارات عالمية بمليارات الدولارات

شباب يبحثون عن وظيفة أمام علامة لقرية رواد الأعمال والشركات الناشئة في الهند (رويترز)
شباب يبحثون عن وظيفة أمام علامة لقرية رواد الأعمال والشركات الناشئة في الهند (رويترز)

تجذب الشركات الناشئة الهندية استثمارات عالمية تقدر بالمليارات، فقد ازداد الاستثمار في الشركات الناشئة الهندية بنحو 110 في المائة سنوياً، حيث ارتفع من ملياري دولار خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) حتى سبتمبر (أيلول) 2017، إلى 4.2 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2018، بحسب ما ذكره «الاتحاد الوطني لشركات البرمجيات والخدمات» (ناسكوم) في تقرير.
وقد شهد إجمالي عدد اتفاقات تمويل الشركات الناشئة، خصوصاً في المراحل المتقدمة، ارتفاعاً كبيراً يبلغ 250 في المائة تقريباً، حيث كانت تقدر قيمتها في عام 2017 بـ847 مليون دولار وأصبحت 3 مليارات دولار في 2018. ويقول ديبجاني غوش رئيس الاتحاد الوطني، إن «هذا هو الوقت المناسب لتحول الهند إلى مركز كبير للشركات الناشئة الرائدة في العالم، حيث تزخر الهند بالابتكار والأفكار الجديدة. نطلب من الحكومة فتح السوق والسماح للشركات الناشئة ببيع منتجاتها إلى الحكومة حيث يمكن لهذا أن يحدث فارقاً كبيراً».
وتشغل الهند المركز الثالث بين الدول التي تضم شركات ناشئة كثيرة بعد الولايات المتحدة والصين. وقد انضمت شركات ناشئة، منها «زوماتو»، و«سويغي»، و«بي واي جيه يوز»، و«بوليسي بازار»، و«فريشوركس»، و«أو واي أو»، و«أودان»، إلى نادي الشركات الناشئة العملاقة الأسطورية، أي التي تتجاوز قيمتها مليار دولار، في غضون بضعة أشهر. وكانت إيلين لي، ممولة الشركات الناشئة، هي من أطلقت مصطلح «الشركات العملاقة الأسطورية» على تلك الشركات في عام 2013 نظراً لندرة حدوث ذلك الأمر من الناحية الإحصائية.
وتدعو الهند كبار المستثمرين للمشاركة في اجتماع يتم عقده في نهاية العام، تمهيداً للإسهام باستثمارات أكبر في الشركات الناشئة الهندية.
- الاستثمارات الصينية
في الوقت الذي لا تزال فيه الشركات الرأسمالية الغربية تهيمن على الاستثمار في عالم التكنولوجيا بالهند، تشير الإحصاءات إلى تنامي تأثير الأموال والاستثمارات الصينية.
ويقدم تقرير بعنوان «الهند - الصين: شركات ناشئة وما هو أكثر» صادر عن شركة الاستشارات العالمية «كيه بي إم جي» وصفاً تفصيلياً لمناخ الشركات الناشئة الهندية، ويوضح لماذا تمثل الهند المكان المناسب لضخّ استثمارات في الشركات الناشئة. وجاء في التقرير: «حصلت شركات ناشئة في الهند خلال عام 2017 على ملياري روبية (28 مليون دولار) من الصين. وتشير زيادة الاستثمارات إلى توجه الصينيين نحو التوسع خارج الصين للاستفادة من مزايا القوى العاملة منخفضة الأجر، والأسواق الجديدة، ووضع أفضل من الوضع في السوق المحلية».
وقد ركّزت الشركات الصينية بشكل واضح في استثماراتها على قطاعات مثل التجارة الإلكترونية، يليها كل من قطاع النقل، والتكنولوجيا المالية، والصحة، والبيئة، وتكنولوجيا الزراعة، والسلع الاستهلاكية، والترفيه بما في ذلك الألعاب غير المسببة للإدمان، لكن تظل الاستثمارات الكبرى موجهة إلى الصفقات في قطاع التجارة الإلكترونية خصوصاً في المرحلة المتقدمة. وتقف وراء بعض الاستثمارات الكبرى في الشركات الهندية الناشئة كل من شركة «علي بابا»، و«سي تريب» و«تينسينت».
وعندما سافر مادهوسودان إكامبارام، أحد مؤسسي شركة «كريزي بي» ومقرّها بنغالور، إلى الصين من أجل الحصول على تمويل في عام 2016، كان يبدو أنه يسير في الاتجاه الخاطئ، ففي ذلك الوقت كانت رحلات العمل الرامية إلى البحث عن تمويل تتجه نحو الغرب، في حين اتجه هو شرقاً. وقال وهو يتذكر: «لقد كان ذلك القرار مفاجئاً للكثيرين». بعد مرور أقل من 3 سنوات تغير المشهد بشكل ملحوظ، حيث تمكن من الحصول على استثمارات قدرها 13 مليون دولار من الصين، ولم يعد بحاجة إلى الدفاع عن اتجاهه. ويوضح: «يدرك الجميع الآن وجود المستثمرين الصينيين، ويتزايد عدد الشركات الناشئة المتطلعة نحو الصين كل يوم، فقد أصبح ذلك هو النمط السائد».
وانضم نحو 350 صندوق رأسمال مخاطر، إضافة إلى مستثمرين داعمين، إلى ذلك المعسكر من خلال الإعلان عن استثمار 30 مليون دولار في 8 شركات ناشئة هندية. وقد أعلنت وزارة التجارة والصناعة خلال «المنتدى الهندي الثاني للاستثمار في الشركات الناشئة»، الذي انعقد في بكين، أن صناديق رأس المال المخاطر الصينية تعتزم استثمار نحو 30 مليون دولار في 8 شركات هندية ناشئة. وقد استهدفت هذه الفعالية، التي استغرقت يوماً واحداً، ونظمتها السفارة الهندية في الصين بالتعاون مع «اتحاد الشركات الناشئة الهندية»، ومؤسسة «فينشر غوروكول»، تعريف أصحاب رأس المال المخاطر والمستثمرين الصينيين على الشركات والمشروعات الناشئة الهندية الواعدة، ومساعدة تلك الشركات على الجانب الآخر في التواصل مع كبار المستثمرين الصينيين للحصول على استثمارات وتمويل لمشروعاتهم.
كذلك شاركت 12 شركة هندية ناشئة في «المنتدى الأول للاستثمارات الهندية» في المشروعات الناشئة الذي انعقد خلال العام الماضي، ونجحت 4 من تلك الشركات في الحصول على تمويل قدره 15 مليون دولار من رجال أعمال صينيين.
ويمثل هذا تناقضاً واضحاً وحاداً مع موقف «سيليكون فالي»، حيث يتم التعامل مع أصحاب رأس المال المخاطر الصينيين في أكثر الأحوال ببرود ولا مبالاة. وقد اتضح هذا التباين في المواقف خلال زيارة مجموعة من المستثمرين الصينيين إلى الهند خلال العام الماضي، حيث يقول ستيفن ليو، وهو رجل أعمال في بنغالور نظّم جولتهم: «لقد اندهشوا حقاً من حفاوة استقبالهم، في حين كان يتم إبعادهم عن المناقشة في (سيليكون فالي)، حين يتطرق الحديث إلى الاستثمار في أفضل الشركات. الوضع في الهند مختلف تماماً».
وتوجد على قائمة الشركات، التي يستثمر فيها الصينيون، كبرى الشركات التكنولوجية في الهند. وقد قبلت شركة «فليبكارت»، المنافس الرئيسي لشركة «أمازون» في البلاد، استثماراً من شركة «تينسينت» الصينية العملاقة التي تعمل في مجال مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك فعلت شركة «أولا»، النسخة الهندية من «أوبر».
ورحبت شركة «بايتم»، منصة للبيع بالتجزئة على الإنترنت ومقدمة خدمة محفظة إلكترونية رائدة في الهند، بشركة «علي بابا»، وتلقت مساهمة استثمارية قدرها 45 مليون دولار ضمن مجموعة من الاستثمارات المقدمة من شركة الإنترنت الصينية العملاقة. كذلك تمتلك شركة «علي بابا» منصة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست». وأكد الملياردير جاك ما، رئيس شركة «علي بابا»، حرصه على ضخ مزيد من الاستثمارات في الهند، مشيراً إلى أنه يستعد للتعاون مع أصحاب أعمال رائدة هنود في مجال التكنولوجيا.
ويمتلك المستثمرون الصينيون في نظر كثير من الشركات الناشئة الهندية مصدراً يمدّ أعمالهم بالحياة. يقول سانتوش باي، محامي استثمارات عابرة للحدود لدى شركة المحاماة «لينك ليغال إنديا لو سيرفيس» في نيودلهي: «إذا عرفت أي الشركات الناشئة سوف تفوز، فأنت تسأل بالأساس عن مقدار ما يملكون من مال». كذلك يقول كارثيك ريدي، شريك تنفيذي في «بلوم فينشرز» ومقرّها مومباي: «من الواضح أنه قد أصبح للمستثمرين الصينيين تأثير في تحديد من يكون الفائز الكبير في الهند وفي جعله أكبر».
- البحث عن الأسباب
ورغم أهمية التمويل، فإن المال ليس السبب الوحيد الذي يدفع إلى التعاون بين الجانبين، حيث يقول الكثيرون إنهم يقدّرون أوجه الشبه والتقارب بين الدولتين، فهما الدولتان الوحيدتان في العالم اللتان لديهما اقتصاد قوي مع تعداد سكان كبير يبلغ نحو 1.3 مليار نسمة، ومساحات شاسعة من الأراضي، ومجتمع سريع التغير والتحول.
ويقول مانديب مانوتشا، مؤسس شركة «كاشيفاي»، التي تبيع هواتف وأجهزة لوحية وأجهزة إلكترونية أخرى مستعملة: «الهند مثل الصين منذ 10 أعوام. سوف يفهم المستثمرون الصينيون مساحتنا على نحو أفضل من أصحاب رأس المال من الأميركيين». وأضاف: «عندما يكون لديك مستثمرون صينيون سوف يخبرونك كيف تستخدم الشركات في آسيا الهواتف الجوالة في القيام بأمور مختلفة منها التجارة واللعب وغيرها. لا أعتقد أنك تستطيع معرفة كثير مما يفيد الهند من الأسواق الغربية، فما سيتعلمه مؤسسو الشركات الهنود سيكون من الصين». ويتعلم إكامبارام حالياً لغة الماندرين من أجل الترحيب بشركاء العمل الصينيين في المستقبل.
- تحديات
مع ذلك لا تخلو الطريق إلى رأس المال الصيني، ولا التفاعل اليومي مع المستثمرين، من المشكلات، فهناك عائق اللغة الذي يفصل بين أصحاب الأعمال الرائدة الهنود وأصحاب رأس المال الصينيين، إلى جانب الاختلافات الثقافية. كذلك يشكو بعض العاملين في المجال من تحدث المستثمرين الصينيين بلغة الماندرين مع بعضهم بدلاً من إشراكهم في نقاش مفتوح باللغة الإنجليزية، في حين يلوم البعض الآخر المستثمرين الصينيين الذين لا يدركون مدى تعقيد النظام القانوني الهندي، ويتوقعون إنجاز الكثير خلال وقت قليل.
إلا أن تلك المشكلات لا يتوقع لها أن تدوم طويلاً، حيث يتذكر إكامبارام كيف كان من الصعب التواصل مع المستثمرين الصينيين بشأن ضرورة الالتزام بالسياسة منذ عامين، فقد كانوا ينزعجون من الأعمال الورقية التي لا تنتهي، بل وكانوا يتشككون أحياناً في الغرض من التوقيع على الوثائق. لحسن الحظ تبددت تلك المخاوف بمرور الوقت.
ويوضح: «أعتقد أن الأمور قد باتت أسهل الآن، فمع إبرام الصين مزيداً من الصفقات بدأ الصينيون يفهمون الهند بشكل أفضل عن ذي قبل».



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».