«فتاة البرتقال»... رسومات فنية على هامش موسم البهجة

يعرض مشاهد حية من قرية مصرية

«فتاة البرتقال»... رسومات فنية على هامش موسم البهجة
TT

«فتاة البرتقال»... رسومات فنية على هامش موسم البهجة

«فتاة البرتقال»... رسومات فنية على هامش موسم البهجة

تفوح في أسواق مصر تلك الأيام رائحة ثمار البرتقال، تعد مُشتريها بالبهجات، وتُهنئهم بحصاد هدايا الشتاء، فالبرتقال ذلك المُلهم للصور الشعرية، وجد طريقه إلى قاعات الفن التشكيلي كثيمة للبهجة والحضور الطاغي؛ لكنه اتشح بسمة مُغايرة في المعرض الفني الذي يستضيفه جاليري الزمالك في القاهرة وعنوانه «فتاة البرتقال». صاحب المعرض الفنان التشكيلي المصري عماد إبراهيم، استلهم فكرته من مشاهدات حية له في قرية «مزغونة» أحد ضواحي محافظة الجيزة. فقد قادته إحدى جولاته الاستكشافية عن قصص تُلهم مشروعه التشكيلي، إلى سوق «الاثنين»، وهي سوق بقرية «مزغونة» موطن أحداث لوحاته، حيث تضج المنتجات الزراعية والمواشي، وتحتضن الخضرة حركة الفلاحين وحكاويهم، حتى قطعت حبل تأملاته «مشنّة» برتقال أُلقيت أمامه فغبّرت المكان بحبّاته، مُعلنة عن ظهور «فتاة البرتقال».
تتصاعد الدراما التي وجد التشكيلي إبراهيم نفسه مُسيجاً بها، بعد أن يُفاجأ بأن من ألقت «المشنة» هي فتاة بارعة الجمال الريفي، وصغيرة السن، يتم تعنيفها من قبل أهلها للعمل المتواصل في جمع المحصول وهي تقول: «مش ح أشيل»، ومن خلفها رجل بائس يمسك بعصا يضربها بقوة «شيلي يا بنت»، وهي تبكي وتصرخ. وما أدهش الفنان هو عدم اكتراث المارة وعدم تدخلهم، حتى علم بعدها أنها كانت تحمل ما هو أثقل من «مشنات» البرتقال، وهو ثقل أكبر في روحها بسبب إجبار أهلها لها على الزواج المبكر رغم أنها أقرب لعمر الطفولة، وهي تمثل بذلك حال مئات الفتيات من نفس بيئتها وعمرها وظروفها المعيشية.
تُبدد الحكاية الرابضة وراء اللوحات الانطباعات المُبكرة التي يُحيلنا إليها عنوان المعرض، بكل ما يوحيه من بهجة، لكنها بهجة تنحسر تدريجياً من المرور على وجوه «فتيات البرتقال» في اللوحات التي لا توحي أبداً بالبهجة، وإنما بالحزن والغضب، وجعلهن صاحب اللوحات في مواجهة بتعبيرات الوجه والجسد عن رفضهن للسوق الذي يضج بالبرتقال الناصع، مع حركة البيع والشراء. يقول صاحب المعرض لـ«الشرق الأوسط»، إن التقاطه مشهد «فتاة البرتقال» الذي عبر به مصادفة، دفعه إلى تقديمه عبر معرض فني، لمناقشة مشكلة حاضرة بقوة في المجتمع ويتم تجاهلها، على حد تعبيره. مضيفاً: «أنا مؤمن بأن معنى الفن هو تقديم وإلقاء الضوء على المشكلات والقضايا الاجتماعية والإنسانية بشكل رئيسي، في إطار جمالي وفني عن طريق معالجتي بأدواتي وخاماتي الفنية مثلما يفعل كاتب الروايات والقصص والشاعر عن طريق اللغة والصورة الفنية». يضم المعرض 25 لوحة بمقاسات مختلفة بعضها جداريات يصل طول أكبرها إلى مترين، يفرض لون البرتقال نفسه على أسطحها، قوياً ومُشتبكاً مع الألوان الأكريليك وأقلام الفحم وضربات الفرشاة. ومن المقرر أن يستمر حتى 10 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
ويُعلق الناقد الفني علي حامد، في كلمة سجّلها في «كتالوج» المعرض بقاعة الزمالك بقوله: «لقد أحدثت فتاة البرتقال داخل الرسام صدمة نفسية، تشكيلية وتعبيرية، وتحولت من مجرد واقعة حدثت ذات نهار حار في سوق قروية في أثناء إحدى رحلاته الريفية الاستكشافية، وهو يبحث عن أفكار وأشكال وموضوعات للرسم والتصوير، لتصير رمزاً وتعبيراً وطريقة تفكير ورؤية جديدة مُغايرة للعالم من حوله، هو صار بعدها يخزن ما يمر به من مواقف، ويستمع إلى حكايات وحوارات وشغب البشر، فيتحول كل ذلك إلى صور درامية تشكيلية تُعبر عما يدور في المجتمع، متمثلاً ومتحققاً في حالة (فتاة البرتقال)».
يأتي معرض «فتاة البرتقال» بعد عدة معارض للفنان عماد إبراهيم، آخرها معرضا «الجهنمية»، و«المولد»، ويقول إبراهيم إنهما عن طقوس شعبية مصرية، ضمن اهتمامه بمشاهد الحياة الريفية المصرية اليومية مثل، أسواق القرية، والعمل في الحقل، وألعاب الأطفال.



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».