نازك الملائكة.. ثورة على القوانين وعودة إليها

الناقد عبد الرضا علي يتناول تجربتها النقدية

نازك الملائكة.. ثورة على القوانين وعودة إليها
TT

نازك الملائكة.. ثورة على القوانين وعودة إليها

نازك الملائكة.. ثورة على القوانين وعودة إليها

في الستينات، طرحت نازك الملائكة في كتابها المهم «قضايا الشعر المعاصر» كثيرا من القضايا المتعلقة بالشعر الحر، التي ما زالت تثير نقاشا حتى يومنا هذا، وتشغل الكثير من النقاد والأدباء والباحثين.
ومن المعروف، أن نازك الملائكة كانت رائدة في تطوير القصيدة العربية الحديثة، وكانت، كما يرى الشاعر والناقد علي جعفر العلاق، «جريئة حين واجهت جدارا صلبا من قيم السلوك الشعري والاجتماعي والثقافي، واستطاعت ومعها زميلها الشاعر الكبير بدر شاكر السياب، هز شجرة الشعر العربي هزا عنيفا بعث فيها الحياة وروح الدهشة من جديد». وكانت صاحبة فضل أساسي في انتشار الشعر الحرّ، هذه الحركة الجديدة التي ظهرت سنة ١٩٤٧.. ونجحت في مد جسر ينقلنا من القصيدة التقليدية ذات الشطرين إلى قصيدة الشعر الحر التي تطورت مع الزمن إلى ما يعرف اليوم بقصيدة النثر، ومن روادها أنسي الحاج ومحمد الماغوط.
لكن نازك وضعت (قوانين) أو أسسا للشعر الحر وكأنها أرادت أن تكبله بالقيود من جديد، أو لتكون صاحبة المرجعية الوحيدة. ورغم هذا كله لا يسعنا أن ننكر أنها ما زالت مرجعا نفتقده أشد الافتقاد في وقتنا هذا، الذي يسود فيه الاستسهال، وغياب معرفة حقيقية يستند إليها الشاعر كي يمارس التجريب الحقيقي وليس المفتعل، وكم نحن بحاجة، لا بل في أمس الحاجة، إلى مرجعيات صارمة تصون قيمة وجلالة الشعر وقدسيته.
الدكتور عبد الرضا علي أحد الذين كرسوا وقتهم في التعمق في تجربة نازك الملائكة الشعرية والنقدية جامعا أجزاء موسعة عن عالمها، متطرقا إلى تفاصيل ما يمكننا تسميته بمغامرة نازك الناقدة والشاعرة، وذلك في كتابه «نازك الملائكة الشاعرة»، الصادر حديثا، قدم - الناقد علي - طرحا شاملا وغنيا عن نازك الملائكة الناقدة ونظريتها الشعرية، لكن من دون أن يناقش نقديا النقاط الخلافية التي طرحتها الشاعرة.. وكأن كتابه أقرب إلى التأريخ منه إلى البحث الأدبي.
فعلى سبيل المثال، يستغرب الكاتب عدم اهتمام نازك بالصورة الشعرية ولكنه يكتفي بتبرير موقفها بقوله: «أغلب الظن أن ناقدتنا كانت تعيش هما نقديا يبحث عن إيجاد ضوابط أو قواعد أو قوانين تبرر وجود هذه الحركة نظريا، ويوقف سبيل التجاوز الذي شغف به بعض مريديها لما لمحوا فيها من إيحاءات الحرية؛ لذلك فإن البحث في الصورة لم يكن هما بقدر ما كان ملمحا جماليا لا يقدم للحركة مرتكزا مثلما تقدمه النظرية».
هل يمكن تقديم تبرير كهذا لإهمال شاعرتنا الصورة؟ مع أن الصورة تعتبر من أهم عناصر وأركان القصيدة الحديثة. أهملت نازك الصورة في حين أعطت الوزن حيزا كبيرا من اهتمامها، مع أن الأخير يأتي لخدمة الفكرة والصورة والمعاني وليس العكس.
وقد عرض عبد الرضا علي موقف نازك من قضية الوزن وقضية تناسبها مع المواضيع الشعرية في الفصل الثالث من كتابه تحت عنوان «الوزن» ولكنه لم يناقش هذه القضية أيضا.
ومن وجهة نظرنا، لم تترك نازك الملائكة بقوانينها المستبدة مكانا لحرية الشاعر في التعبير وحاولت تقييده بقوانين تحد من إبداعه.. فربطت كل وزن بموضوع محدد! قالت عن المتقارب: «هو، كما قررته، وزن بطيء ذو جلال وشاعرية ورقة ومحبة، وكأنه يتسلل من أعماق حلم راق، فهو يصلح للمعاني الرقيقة المرهفة ولا يناسب المواقف الرهيبة والساخرة. لكن من قال إن السخرية لا يمكن التعبير عنها بوزن بطيء، وهل يستحيل على الشاعر المبدع أن يعبر عن الفكرة نفسها مستخدما وزنا آخر؟ إن الإيقاع الداخلي هو الذي يفرض شكل الموسيقى الخارجية»، والفكرة نفسها تنطبق على كل البحور التي صنفتها الشاعرة لموضوع واحد دون سواه.
في مكان آخر من الكتاب، يذكر علي أن «نجاح القصيدة أو إخفاقها، على وفق ما نستنتجه من آراء الناقدة، ليس مرتبطا بالأسلوب الذي يتخذه الشاعر وسيلة لإيصال فكرته، وإنما بالموضوع الذي يجيده ويبدع فيه..». ووفقا لهذا الحكم الذي نراه يفتقد إلى الدقة في تصنف الشعراء، ومنهم على سبيل المثال الشاعر نزار قباني الذي تضعه في خانة شعراء قصائد الحب والعاطفة.. طبعا نزار كان، وما زال، من أبرز وأهم شعراء الحب، ويعتبره كثيرون «شاعر المرأة من دون منازع»، ولكن نعود لنقول إن الشاعر ابن التجربة التي يعيشها وتعيشه، وتأتي قصيدته لتعبر عن تلك المشاعر الدفينة التي تسكن أعماق أعماقه حيث المياه الدافئة تحركه.. قد يكون اليوم الحب هو سبب الطلق وولادة القصيدة، وغدا قد تكون قضية سياسية، ومع مرور الوقت قد يكون الموت أو الفرح أو الثورة، وإلى ما هنالك من مواضيع فكرية وفلسفية وغيرها.. وتتغير المواضيع التي يتناولها بتغير التجارب وقوتها وعمق تأثيرها وازدياد ثقافة الشاعر واطلاعه.. فالمثقف متغير أبدا. لكن، مرة أخرى، لم يتطرق الناقد إلى هذه القضايا، وإنما اكتفى باستعراض آراء نازك، وكأنها قضايا مسلم بها نقديا.
وكما قلنا، بدأت نازك الحركة الشعرية الحديثة بنية تحرير القصيدة من عبودية الشكل، ولكنها سرعان ما استعبدتها وسجنتها ضمن قوانينها، وربما جاء انعكاسا لشخصيتها؛ إذ نلمح في مواقفها شيئا من شخصية نرجسية لا تقبل التراجع عن أخطائها، وهي شخصية مترددة في معظم مواقفها، غيرت موقفها من استخدام التفعيلة الواحدة في سياق القصيدة، ولم تمانع لاحقا تنوع التفعيلات، قامت بثورة على القافية لتعود لاحقا وتهتم بها أشد اهتمام. لقد كانت ابنة واقع حافل بالتغيرات سواء في حياتها الخاصة، كانتقالها مثلا من الإلحاد إلى الإيمان، أو في مواقفها الشعرية.
ومن هنا يستغرب دعوتها إلى الثبات وتصنيف الشعراء ضمن خانات محددة، فهذا شاعر الحب، وذاك شاعر الفكرة، والآخر شاعر الحزن.. إلخ.
ومع هذا، لا يمكن لأحد أن يتجاهل فضل نازك الملائكة الناقدة والمثقفة التي قدمت لنا أفكارا نقدية نيرة كثيرة، واحدة منها، على سبيل المثال، تقسيم هيكل القصيدة في أصنافه الثلاثة وهي:
- «الهيكل المسطح» وهو الذي يخلو من الحركة والزمن.
- «الهيكل الهرمي» وهو الذي يستند إلى الحركة والزمن.
- «الهيكل الذهني» وهو الذي يشتمل على حركة لا تقترن بزمن.
تبقى نازك، وإن نجحت ببعض أفكارها النقدية أو أخفقت في أخرى، رائدة حركة أدبية فريدة في عصرها، فكما يقول الناقد فيصل دراج، فإن نازك الملائكة هي من «أبرز الوجوه في إطلاق ما يعد الآن بالشعر العربي الحديث، وسواء كانت الريادة تعود لها في قصيدتها الشهيرة (الكوليرا) أم للشاعر بدر شاكر السياب، فإنها بالتأكيد شكلت، مع السياب ونزار قباني وعبد الوهاب البياتي، الصوت الأكبر الذي استهلت به الحداثة الشعرية».



مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).