من خلال ريشة حميمة ودافئة تترجم مكنوناتها العميقة، وعلاقتها الوطيدة بالطبيعة وبأشيائها الخاصة، تطالعنا الفنانة البولونية مالغورزاتا باسزكو في معرضها «40 عاماً من الرسم» الذي يستضيفه غاليري أليس مغبغب في بيروت.
ففي رحلة حالمة تأخذنا مالغورزاتا من خلالها في خطوات ثابتة مشت فيها ما بين الأمس واليوم، يسافر مشاهد لوحاتها إلى عالم فنون تترسخ فيه كمية كبيرة من الحقيقة والحرية والطبيعة. فهذه الأخيرة كانت مصدر وحي لها منذ أن استقرت في منطقة النورماندي الفرنسية؛ فتقربت منها إلى حد وُلد بينهما تناغم فكري وفني.
«لقد تأثرت كثيراً بالطبيعة الريفية السائدة هناك؛ فشعرت بأنها تسكنني والعكس صحيح، فكانت بمثابة نافذة مفتوحة أتطلع من خلالها إلى عالم أكتشفه لأول مرة». تقول الفنانة البولونية في حديث لـ«الشرق الأوسط». وتتابع: «المعرض هو كناية عن عودة حميمة إلى داخلي منذ بداياتي حتى اليوم استخدمت فيها الكثير من المواد والألوان التي تعبر عن مشاهداتي هذه».
تركن مالغورزاتا إلى الأبيض في كثير من لوحاتها العابقة بالأبحاث الدقيقة وبنسيج حاكته بدقة، وتعلق: «إنه من الألوان الذي يترك بصمة مبهرة على اللوحة فتبدو مشعة بشظاياه التي تلألأ لمعاناً؛ ولذلك استخدمته منذ بداياتي حتى اليوم».
انعكاسات الطبيعة على المياه وظلال الشجر الأخضر من الأفوكادو والكرز وغيرهما، تلتقطها عين المشاهد في صور غامضة لوّنتها الفنانة بريشة حرة تتنقل على كامل مساحة لوحاتها الضخمة.
تبحث الفنانة عن معاني الرسم في أعماقه وما يمكن أن يعكسه على ناظره. ومن التسعينات اختارت مجموعة لوحات من أعمالها التي تسودها رسومات غنية بعالمها الخاص. فتألقت غرفة الجلوس في منزلها بألوان دافئة صوّرت فيها وجوه أطفالها. كما قدّمت في لوحة أخرى زوجها يجلس على كرسيه مرصعة الخلفية الملونة للعمل بطبعات منمنمة تشبه إلى حد كبير تلك التي تزين ورق الجدران الأنيق. ويبرز تطور علاقة مالغورزاتا مع الكائنات الطبيعية في أعمال تسودها الحركة والفضاء الواسع، فرسمتها على مساحات زيتية كبيرة تعكس نظرتها إلى الحياة من نافذة مشغلها في النورماندي. كما تتناول فيها أشياءها الخاصة، وأدوات الرسم التي تستعملها فتوزعها ضمن قفزات حرة لريشتها وكأنها خيال غزال يركض في البرية.
ومن الألفية الثانية تختار الفنانة أعمالاً لها ينفر منها النضج وإنجاز المهمة. «هنا أستطيع القول إنني صرت أستخدم ما خزنته من نتائج أبحاث تبلورت بريشة غنية، فجاءت روحانية أكثر، مبرزة بوضوح اكتشافات ما تكتنزه الطبيعة من سحر». توضح الفنانة في سياق حديثها.
تأثرت مالغورزاتا بالفنان العالمي مونيه لتؤلف من صور الطبيعة عالمها الخاص. «لقد أحببته كثيراً كما كثيرين غيري؛ فهو عرف كيف يفجر ألوان لوحاته بريشته الغنية وزرع مواضيعه في رسومات ذابت فيها». سبق وأقامت مالغورزاتا باسزكو معارض أخرى في لبنان وغيره من البلدان الغربية. فتنقلت ما بين بروكسل وروما، حيث نالت جوائز تقديرية. وحالياً يحتضن عدد من المتاحف العالمية أعمالاً لها كمتحف بيكاسو في بلاد الأنتيب، والمكتبة الوطنية، والبنك المركزي في باريس وفي لوكسمبورغ. وفي بلدها الأم بولونيا ومدن أخرى في تلك المنطقة (سراييفو وصربيا وهيرزيغوفين) تركت أيضاً بصمتها في مواقع معروفة فيها، وكذلك في الصين.
وتحت عناوين «الطرق» و«أشكال وصور» و«أضواء وانعكاسات» و«قلب الليل ونور النهار» وغيرها قدمت أعمالها منذ عام 1999 وصولاً إلى اليوم.
«لقد أحببت اللبنانيين؛ فهم شغوفون بالفنون على أنواعها؛ ولذلك تريني أعود إليهم بين وقت وآخر بمعارض جديدة. وفي المعرض الحالي وهو السادس لي في لبنان وبمناسبة مرور 40 سنة على امتهاني الرسم، أردت تكريمهم في تحية فنية جمعت فيها بعض أعمالي القديمة والحديثة معاً». تختم مالغورزاتا باسزكو، التي يستمر معرضها في غاليري أليس مغبغب في الأشرفية لغاية 26 يناير (كانون الثاني) المقبل.
«40 عاماً من الرسم» للبولونية مالغورزاتا باسزكو في ضيافة بيروت
تبوح عن مكنوناتها بريشة حميمة ترافقها دائماً
«40 عاماً من الرسم» للبولونية مالغورزاتا باسزكو في ضيافة بيروت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة