كانت لحظات من الرعب حين نادتني شقيقتي النازحة من حي الشجاعية وهي تطلب مني المجيء فورا للبحث عن أبنائها الذين ذهبوا للمتنزه الوحيد في مخيم الشاطئ الذي أسكن به، وبدا عليها الغضب الشديد والخوف والقلق بعد غارة إسرائيلية.
كنت قبلها بلحظات سمعت إطلاق الطائرات الحربية ستة صواريخ على المخيم أحدثت انفجارات عنيفة، واعتقدت حينها أنها سقطت في أرض خالية، كما حصل في أوقات سابقة، لكنني صعقت حين علمت أنها استهدفت المتنزه ومحيطه. خرجت مسرعا من المنزل أبحث عن أبناء شقيقتي، ولحسن الحظ وجدتهم وقد وصلوا إلى الزقاق الذي يطل على منزلنا، عندها تنفست الصعداء.
لحظات مرعبة مرت، جمعت الأطفال ونقلتهم إلى المنزل، وما لبثت سمعت تكبيرات الغضب الخارجة من حناجر المواطنين بعد أن قتل 10 أطفال في هذه الجريمة البشعة في أول أيام العيد، حين كانوا يلهون في هذا المتنزه الصغير الذي يُعد المتنفس الوحيد لسكان مخيم الشاطئ. تحول المخيم بأكمله إلى كتلة من لهب داخل قلوب سكان المخيم الذين هرعوا إلى أطفالهم يبحثون عنهم في كل شارع وزقاق بعد القصف الجنوني، ثم عدت وخرجت مثل أبناء مخيمي وأنا أشاهد دماء أطفال المخيم تنهمر وتسيل. صواريخ مزقت الأطفال إربا إربا. صواريخ حاقدة بترت يد حارس المتنزه المستهدف حين كان يسمح للأطفال بالدخول له وهو يداعبهم.
كل ذلك جرى في لحظات قصيرة لم يستوعبها إنسان. كل ذلك جرى والناس في العالم يحتفلون بالعيد، في حين أطفال غزة يقتلون بقنابل تزن أطنانا من المتفجرات القاتلة المدمرة.
خدعنا هنا في غزة حين مرت الليلة الماضية هادئة على القطاع وسكانه الذين كانوا ينتظرون ثبوت «هلال التهدئة» ليعودوا إلى بيوتهم التي شردوا منها وإلى أحبتهم الذين تشتتوا بعيدا عنهم، والخروج من مأساتهم التي ضربتهم في أعماق قلوبهم وتطبق عليهم وتحول حياتهم إلى جحيم.
كانت عائلتي تأمل كما بقية السكان في غزة لو أن «هلال العيد» لم يهل ولم يأت باكرا بعد كل هذا الدم، ليس كرها في العيد وجمال أيامه ولحظاته وفرحة أطفالنا وسعادتهم بهذا الاحتفال، ولكن حزنا على أطفال ونساء ومسنين قتلتهم آلة الحرب الإسرائيلية فلم تبق منهم ولم تذر، وشعورا بألم أم هذا الشهيد وذاك الجريح، وتضامنا مع أصحاب البيوت المدمرة. «عيد شهيد».. عظم الله أجركم.. الحمد لله على سلامتكم.. الحمد لله أنتم بخير وأحياء.. أكثر ما ردده سكان قطاع غزة. هذا ما سمعته من أبناء شقيقاتي وأبناء عمومتي، وسمعناه كثيرا في شوارع مخيم الشاطئ الذي لم أستطع مغادرته بعد تلك الغارة العنيفة.
فقد العيد طعمه وأصبح مظلما في حياة الغزيين. لم يعد هناك شيء يعيد الحياة لهذه العائلات المكلومة. كل شيء يتغير. جنون إسرائيلي قتل الفرحة فينا حتى جفت الدماء من عروقنا خوفا وهلعا على مصير أطفالنا وأبنائنا.
يوميا ت مراسل من غزة: عيد مضرج بدماء الأطفال
يوميا ت مراسل من غزة: عيد مضرج بدماء الأطفال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة