تونس: «النداء» يتحالف مع اليسار ضد «النهضة»

بهدف محاصرتها سياسياً وإضعاف قاعدتها الانتخابية

TT

تونس: «النداء» يتحالف مع اليسار ضد «النهضة»

قبل نحو سنة من إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في تونس خلال الخريف المقبل، أطلقت قيادات حزب النداء وقيادات اليسار التونسي تصريحات تكاد تكون شبه متطابقة في محاولة لإضعاف حركة النهضة، ومحاصرتها سياسياً وإضعاف قاعدتها الانتخابية، وخصوصاً أنها عرفت كيف تحافظ على استقرارها السياسي، ولم تشهد انشقاقات سياسية واضحة طوال السنوات الماضية.
ومنذ أن أعلن الرئيس الباجي قائد السبسي انتهاء التحالف السياسي بين الحزب الذي أسسه سنة 2012، وحركة النهضة، بدأ هذا الحزب الإسلامي يواجه سلسلة من الاتهامات المتعاقبة، أهمها اتهامه بتشكيل جهاز أمن موازٍ وسري، كان المسؤول عن الاغتيالين السياسيين اللذين عرفتهما تونس سنة 2013. كما اتهمته بعض الأحزاب اليسارية، وبخاصة منها تحالف الجبهة الشعبية، بالاحتفاظ بأسرار الاغتيالين اللذين طالا شكري بلعيد ومحمد البراهمي داخل «غرفة سوداء» بوزارة الداخلية، وهو ما نفاه هشام الفراتي وزير الداخلية، حين أكد أنها ليست سوى غرفة للأرشيف تخضع للوزارة، ولا يمكن اعتبارها «غرفة سوداء».
ووجه سليم الرياحي، الأمين العام لحزب النداء، قبل أيام اتهاما لرئيس الحكومة يوسف الشاهد بمحاولة الانقلاب على رئيس الجمهورية قائد السبسي، وهو الاتهام الموجه في المقام الأول إلى قيادات حركة النهضة، على اعتبار أنها قدمت الدعم الكامل لحكومة يوسف الشاهد، وساهمت في الحفاظ عليها أمام دعوات إسقاطها وتغيير رئيس الحكومة.
وفي أحدث الاتهامات الموجهة لحركة النهضة، اتهم المحامي رضا الرداوي، عضو لجنة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، حركة النهضة بالوقوف وراء عدد من مخططات الاغتيال السياسي خلال سنة 2013، تاريخ اغتيال بلعيد والبراهمي.
وفي السياق نفسه، أكد وفد عن هيئة الدفاع المذكورة، إثر استقبالهم من طرف رئيس الجمهورية مساء الاثنين الماضي بقصر قرطاج، أن رجل الأمن الذي قام بعملية حجز الوثائق التي كانت موجودة بما عرف بـ«الغرفة السوداء» الموجودة في وزارة الداخلية، كان قد صرح لدى حاكم التحقيق الأول في 21 من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي بوجود مخطط منذ سنة 2013 لاغتيال رئيس الجمهورية الحالي قائد السبسي والرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، وزعيم سياسي تونسي، وذلك قبل أن تتم سرقة الوثيقة المتعلقة بهذا المخطط، وهي عبارة عن مقطع فيديو نشرته رئاسة الجمهورية. لكن لم تعلن أي جهة أمنية تونسية رسمية عن موقفها من الاتهام الخطير بوجود مخططات لاغتيال رئيسي تونس وفرنسا.
وأوضح الرداوي أن هيئة الدفاع طلبت من الرئيس عقد جلسة استماع لهم خلال مجلس الأمن القومي، الذي سينعقد يوم الخميس المقبل، واعدا بتقديم معلومات أخرى على علاقة بملف الاغتيالات السياسية والجهاز السري لحركة النهضة.
وردا على ما نشر من أخبار تتهمها بالضلوع في الاغتيالات السياسية وتدبير مخططات للتخلص من خصومها، عبّرت حركة النهضة عن استغرابها من نشر الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية «لاتهامات صادرة عن بعض الأطراف السياسية بنيّة الإساءة لطرف سياسي آخر، عبر توجيه اتهامات كاذبة ومُختلقة، والتهجم على قيادات سياسية وطنيّة من قصر قرطاج». واعتبرت النهضة أن هذا الأمر يعد «سابقة خطيرة تتعارض مع حيادية المرفق الرسمي، ودور الرئاسة الدستوري، الذي يمثل رمز الوحدة الوطنية وهيبة الدولة».
ونبهت الحركة إلى «خطورة إقحام مؤسسة الرئاسة بأساليب ملتوية، بنيّة ضرب استقلالية القضاء، وإقحامه في التجاذبات السياسية من طرف المُتاجرين بدم شكري بلعيد ومحمد البراهمي». مجددة «حرصها على الشراكة والتوافق مع مختلف القوى السياسية والاجتماعية في البلاد، وفي مقدمتها السيد رئيس الجمهورية».
وقال عبد الرؤوف بالي، المحلل السياسي التونسي، إن الحصار الذي ضرب على حركة النهضة «اتخذ عدة واجهات، من بينها ملف الجهاز الأمني السري، ومحاولة الانقلاب على المسار الديمقراطي، وملف المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة»، معتبراً هذه الخطوات ضريبة قطع حركة النهضة للتوافق السياسي مع حزب النداء، ودعمها ومراهنتها السياسية على يوسف الشاهد. ومؤكدا أن كل هذه الملفات موجهة بالأساس لإحراج حركة النهضة والضغط عليها قبل موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.