عبد الغني الخليلي... سحر الكلمة وعشق الصداقات

عبد الغني الخليلي... سحر الكلمة  وعشق الصداقات
TT

عبد الغني الخليلي... سحر الكلمة وعشق الصداقات

عبد الغني الخليلي... سحر الكلمة  وعشق الصداقات

«عبد الغني الخليلي... سحر الكلمة وعشق الصداقات»، هو عنوان الكتاب الصادر حديثاً للكاتب والإعلامي طالب عبد الأمير.
يتناول الكتاب، كما هو واضح من عنوانه، شخصية وكتابات الأديب العراقي «المعروف بسحر كلماته ونقاوة علاقاته وعشقه للصداقات»، كما يقول الكاتب.
وجاء في الكتاب: «الأديب عبد الغني الخليلي، شخصية يمكن اعتبارها نموذجاً لشريحة اجتماعية عاش أفرادها في زمن أقل ما يوصف بالجميل، ومجتمع كان فيه التسامح خصلة عميقة الجذور، والألفة سمة لأبنائه، رغم قسوة الحياة وصحراويتها.
في كل سفره الطويل حيث ولد في عشرينات القرن الماضي، كانت النجف في قلبه، وإن بعد عنها جغرافياً فقد كان يزورها كلما هزه الشوق إليها، ولم ينقطع عن زيارتها مطلقاً، لكنه وقد أصبح خارج بلاده عنوة، باتت ليالي السويد، هذا البلد الذي يقع على الحواف الإسكندنافية، تحمله إليها، فيمر بالبيت الذي ولد وترعرع فيه، يفتش في زواياه عن بقايا ذكريات، ورائحة الطفولة وأحضان الأهل الدافئة، وعبق الألفة وصداقات الصبا. يُنزل الزمن من رفوف التاريخ، يزيل عنه غبار الأيام ليعيده إلى حيث الأماكن التي تسللت إلى مسامات تكوينه، والأشخاص الذين وشموا ذاكرته، جيراناً وأهلاً وأصدقاء، كباراً وصغاراً ظلوا في ذاكرته كما هم، كأن الزمن قد توقف على عتبات البيوت، التي ألفت لحن المآذن ونداءات الديكة عند الفجر، تحث المدينة على الاستيقاظ وتدشين يوم جديد... ليظل هذا الحنين، جذوة عشق مهما طال الزمن، متناغماً مع الأمل بأن يأتي يوم تشرع فيه بوابات الوطن، فيعود... لكن ذلك الأمل الشفاف، مزقته قسوة الزمن.
ففي مثل هذا اليوم 15 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2002، حيث كانت الطبيعة في السويد تعيش فترة نهاية الخريف وبداية الشتاء، تحققت خشية الخليلي من مجيء مثل ذلك اليوم، الذي جاء، كعادته، دون سابق إنذار.
كانت خشيته، ليس من الموت فحسب، بل من أن يُدفن في صقيع أرض لا يسمع فيها (هديل الحمام الخافت الرقيق عند الغبش، وهو يستقبل نجمة الصباح فتبتهج لمنظرها البهي المآذن).
* يقع الكتاب في 316 صفحة بالحجم المتوسط، وصدر عن دار «أوروك ميديا» في استوكهولم.



«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب
TT

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه، وخصوصية الموروث الشعبي لدى المصريين، لكن المؤلف يتوقف بشكل خاص أمام العلاقة بين الشرق والغرب، ويقدم مقاربة جديدة لتلك العلاقة الملتبسة. ويعتمد المؤلف في تلك المقاربة على التقاط مواقف إنسانية بسيطة من الحياة اليومية لمصريين يعيشون بالولايات المتحدة وسط زحام الحياة اليومية، لكنها تنطوي على مواقف عميقة الدلالة من ناحية أثر الغربة روحياً على الأفراد، وكيف يمكن أن تكون الهجرة ذات أسباب قسرية. هكذا يجد القارئ نفسه يتابع وسط أحداث متلاحقة وإيقاع سريع مأساة تاجر الأقمشة الذي وقع أسيراً لأبنائه في الخارج، كما يجد نفسه فجأة في قلب مدينة كليفلاند بين عتاة المجرمين.

اتسمت قصص المجموعة بسلاسة السرد وبساطة اللغة وإتقان الحبكة المحكمة مع حس إنساني طاغٍ في تصوير الشخصيات، والكشف عن خفاياها النفسية، واحتياجاتها الروحانية العميقة، ليكتشف القارئ في النهاية أن حاجات البشر للحنو والتواصل هى نفسها مهما اختلفت الجغرافيا أو الثقافة.

ومن أجواء المجموعة القصصية نقرأ:

«كان الجو في شوارع مدينة لكنجستون بولاية كنتاكي ممطراً بارداً تهب فيه الرياح، قوية أحياناً ولعوباً أحياناً أخرى، فتعبث بفروع الأشجار الضخمة التي تعرت من أوراقها في فصل الخريف. هذه هي طبيعة الجو في هذه البلاد بنهاية الشتاء، تسمع رعد السحب الغاضبة في السماء وترى البرق يشق ظلمة الليل بلا هوادة، حيث ينسحب هذا الفصل متلكئاً ويعيش الناس تقلبات يومية شديدة يعلن عدم رضاه بالرحيل.

يستقبل الناس الربيع بحفاوة بالغة وهو يتسلل معلناً عن نفسه عبر أزهار اللوزيات وانبثاق الأوراق الخضراء الوليدة على فروع الأشجار الخشبية التي كانت بالأمس جافة جرداء، تحتفل بقدومه أفواج من الطيور المهاجرة وهي تقفز بين الأغصان وتملأ كل صباح بألحانها الشجية. وسط هذا المهرجان السنوي بينما كنت عائداً من عملي بالجامعة حيث تكون حركة السيارات بطيئة نسبياً شاهدت هناك على الرصيف المجاور رجلاً مسناً في عمر والدي له ملامح مصرية صميمة ويرتدي حلة من الصوف الأزرق المقلم ويلف رأسه بقبعة مصرية الهوية (كلبوش) وعلى وجهه نظارة سميكة. كان الرجل يسير بخطوات بطيئة وكأنه لا يريد الوصول، واضعاً يديه خلف ظهره مستغرقاً في التفكير العميق دون أن يهتم بمن حوله. من النادر أن ترى واحداً في هذه المدينة يسير على قدميه هكذا في طريق عام بهذه الطريقة وفي هذا الجو البارد. انحرفت بسيارتي إلى اليمين نحوه وعندما اقتربت منه أبطأت السير وناديته:

- السلام عليكم، تفضل معي يا حاج وسأوصلك إلى أي مكان ترغب.

اقترب الرجل مني أكثر ليدقق في ملامحي وانثنى قليلاً وهو ينظر إليّ وقال:

- أريد الذهاب إلى مصر، تقدر توصلني أم أن المشوار طويل؟».