«الجزائر تقرأ»... جائزة تعيد رسم المشهد الروائي بجهود ذاتية

تمولها دار نشر خاصة ومخصصة لكتاب «غير مكرّسين»

جانب من معرض الجزائر الدولي للكتاب 2018
جانب من معرض الجزائر الدولي للكتاب 2018
TT

«الجزائر تقرأ»... جائزة تعيد رسم المشهد الروائي بجهود ذاتية

جانب من معرض الجزائر الدولي للكتاب 2018
جانب من معرض الجزائر الدولي للكتاب 2018

تجربة جديدة من نوعها في تخصيص جائزة خاصة للرواية أطلقتها دار «الجزائر تقرأ» بنفس الاسم لتضيف للمشهد السردي الجزائري نصوصا إبداعية لأسماء غير مكرسة روائيا لكنها تشي بطفرة نوعية تضيف للميراث السردي الجزائري الذي سطره الرعيل الأول من أدباء الجزائر.
خلال حفل الإعلان المصغر عن الرواية المتوجة بجائزة «الجزائر تقرأ»، تحدّث أصحاب الفكرة وأعضاء لجنة التحكيم حول أهمية وقيمة الأعمال التي تنافست على الجائزة وذلك قبل أن يتم الاحتفاء رسميا بالفائز أحمد عبد الكريم عن روايته «كولاج»، الروايات الخمس الأخرى الفائزة وهي: «وادي الجن» لمبروك دريدي، المرتبة الثانية، وجاءت في المرتبة الثالثة «أوركسترا الموت» لآسيا رحاحلية، وفي المرتبة الرابعة، رواية «رعاة أركاديا» محمد فتيلينه، أما المرتبة الخامسة، فتقاسمتها روايتا «هالوسين» لإسماعيل مهنانة و«حرب القبور» لمحمد ساري.
ويحظى الفائز الأول بمبلغ مقداره 99 مليون سنتيم (الدولار يساوي 118 دينارا جزائريا) و(السنتيم 100 دينار)، فيما ستتم ترجمة الرواية إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية كما ستتم مسرحتها بإشراف من المسرح الجهوي بوهران عبد القادر علولة.
- تمويل ذاتي
حول فكرة جائزة «الجزائر تقرأ» للرواية، يقول الروائي الجزائري عبد الرزاق بوكبة: «نجحنا بعد جهد وتفكير طويل أن تكون الجائزة مستقلة وممولة ذاتيا وأن تكون وازنة بلجنة تحكيمها وشروطها، وقد أصر قادة زاوي، مدير دار «الجزائر تقرأ»،، بأن تكون الجائزة مستقلة وغير ممولة من أي جهة حكومية أو غير حكومية».
ويضيف الروائي الجزائري: «عرض علينا وزير الثقافة عز الدين ميهوبي دعم الجائزة، وكان صراعاً عميقاً دام أسبوعاً، خضنا المغامرة ووجدنا دعما كبيرا من القراء والوسط الثقافي الجزائري والعربي وسوف نتلافى أي قصور في النسخة القادمة التي سيتم فتح باب الترشح لها يناير (كانون الثاني) 2019. وكلنا يقين بأن هذه الجائزة ليست فقط جائزة لدعم الروائيين بل لدعم المسرح العربي أيضا».
أما قادة زاوي، صاحب دار «الجزائر تقرأ» للنشر، فيقول: «إيمانا منا بالإبداع الجزائري، خضنا هذه المغامرة وحاولنا إخراج أروع الأعمال للجمهور، فنحن يوم أعلنا عن الجائزة خرجت من أيدينا لتصبح جائزة القراء والمثقفين، ويسعدنا أننا مع لجنة التحكيم التي تعبت كثيرا قدمنا هؤلاء الفائزين. وفي ظل تراجع الدعم الحكومي للنشر، حاولنا أن ندعم نشر روايات لمبدعين غير مكرسين».
- التواصل السردي
وحول ما إذا لاحظت لجنة التحكيم وجود تواصل سردي بين كتاب الرواية الجدد في الجزائر والرواد، يقول رئيس لجنة التحكيم، الناقد والروائي دكتور السعيد بوطاجين: «وجدنا عناوين تعد استمرارية للجهد الروائي الجزائري للرواد، الطاهر وطار وبن هدوقة بالعربية، وبالفرنسية بوجدرة وميموني وهو ما وجدناه في النص المتقن لرواية «حرب القبور» لمحمد ساري. وهناك نصوص أخرى استفادت من التقنيات الغربية وحاولت أن تطرح شيئا مختلفا بتطعيم النص بمسائل فلسفية مثل النص الذي كتبه إسماعيل مهننه في روايته (هالوسين)، فخرج نصا مغايرا عن النصوص السردية والطرائق التي قدمها الأوائل.» ويضيف بوطاجين موضحا: «لا يمكننا أن نقيم مفاضلة بين ما يكتب حاليا وما كتب سابقا، ولكن هناك نوع من المجاورة تسعى لتجاوز التقنية السردية التي وجدت في السبعينيات، ومع ذلك كتاب السبعينات كان لهم اجتهاد سردي كبير جدا واستثنائيا فمع الطاهر وطار مثلا نجد تأثره بالأدب الروسي والأدب الأميركي».
ويعتقد بوطاجين أنه عقب قراءة أكثر من 200 رواية بالمسابقة، «هناك نوع من الحلقية واضحة جدا لا يمكن محوها ولا يمكن أن نقفز على بصمة وميراث الرعيل الأول من أدباء الجزائر».
وهل يرى بوطاجين، تواصلاً سرديا بين الروائيين الجزائريين والتراث الروائي العربي؟
يقول صاحب رواية «أعوذ بالله»: «هناك خصوصية مجتمعية ولسانية للجزائر، جعلت خارطة السرد في البلدان المغاربية ككل مختلفة عن البلدان العربية المشرقية، والواقع أن الرواية الجزائرية استفادت من الرواية المشرقية خاصة في الستينيات. لكن الرواية الجزائرية تنوعت في مرجعيتها، وانفتحت على الفرنسية والأميركية والإسبانية والروسية».
أما بخصوص الجائزة ذاتها والفائزين بها، فترى الناقدة المسرحية جميلة زقاي، عضوة لجنة تحكيم «الجزائر تقرأ»، وعضوة الهيئة العربية للمسرح، أن «الجائزة هي الأولى من نوعها التي ترعاها وتمولها دار للنشر، التي راهنت على اكتشاف القنوات السردية من خلال قراءة هذا الكم الهائل من الروايات. ومن ناحيتي كمحكمة، اكتشفت أن الرواية الجزائرية لا تنحصر في الأسماء المكرسة فقط، وإنما هناك جيل واعد من الشباب، رغم التعب الذي عانيناه من القراءة إلا أنه صاحبته لذة ونشوة قراءة نصوص متميزة».
وتشير زقاي إلى أن «الجائزة جاءت في وقتها، خاصة أننا نعاني في جميع الدول العربية من تراجع رهيب في دوائر التلقي. إن مثل هذه الجوائز ستساعد على شحذ وتيرة الكتابة الروائية بالجزائر ومن ناحية أخرى ستشجع على المقروئية ليس في الجزائر وحسب بل في كافة أنحاء العالم العربي».
أما عن مسرحة الرواية الفائزة، فقالت: «متعتي كانت ثنائية ومضاعفة لأنني كنت أقرأ بذاكرة صورية، وهناك من الروايات التي وضعتها جانبا؛ لأنني أراها ستكون أفلاما ومسرحيات رائعة، كما وجدنا روايات تعد الأولى سرديا وروايات أخرى يمكن مسرحتها أو تحويلها إلى أعمال سينمائية».
لكن لا تتفق زقاي مع بوطاجين حول تواصل الأجيال السردي. تقول: «رأيت قنوات سردية جديدة مختلفة عما قرأته لكتاب جزائريين من أجيال سابقة مثل كاتب ياسين وأمين زاوي وواسيني الأعرج. هؤلاء الكتاب الجدد يكتبون عن عصر الرقمنة وتشظي الأجناس الأدبية والفنية».
أما الناقد والأكاديمي الجزائري الدكتور الأمين بحري، فيقول: «في إطار هذه الجائزة اكتشفنا صيغة جديدة في الكتابة غير مشار إليها، أعتبرها واقعا سرديا غير مرصود، هذه الروايات الست الأولى هي زبدة هذه القائمة الطويلة، وأعتقد أنها ستمثل منعرجا في الكتابة السردية الجزائرية. كان في الأعمال المتنافسة خليط من أسماء مكرسة وجديدة لكنها ولدت كبيرة، أقلام واعدة، ستشكل من وجهة نظري طفرة في الكتابة السردية الجزائرية، وعلينا أن نشجع جميع الكتاب الجدد».


مقالات ذات صلة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.