ماي: الخيار إما المزيد من الغموض والانقسامات وإما «لا» بريكست إطلاقاً

قبل أن تتوجه إلى بروكسل من أجل لقاء حاسم مع رئيس المفوضية الأوروبية جون كلود يونكر، ردت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، المحافظة، على أسئلة أعضاء البرلمان، فأكدت لهم أن «الخيار» الوحيد المطروح على البلاد سيكون «إما المزيد من الغموض والانقسامات، وإما لا بريكست إطلاقاً».
الاتفاق الذي أُنجز الأسبوع الماضي من قبل فرق التفاوض البريطانية والأوروبية يتعلق بمشروع «اتفاق انسحاب» المملكة المتحدة، وهو نص يقضي بفك الروابط التي بُنيت خلال أربعين عاماً منذ انضمام بريطانيا إلى الاتحاد. وينظم هذا النص مسألة الأموال التي يُفترض أن تسددها لندن للاتحاد الأوروبي، ويتضمن حلاً مثيراً للجدل لتجنب عودة حدود مادية بين آيرلندا وآيرلندا الشمالية.
لكن هذا الاتفاق الذي يتعرض لانتقادات في بريطانيا حيث تُتهم ماي بتقديم تنازلات كبيرة للاتحاد الأوروبي، يُفترض أن يرافقه «إعلان سياسي» يحدد الخطوط العريضة للعلاقة المقبلة مع الاتحاد، خصوصاً على الصعيد التجاري. ولن يكون لهذه الوثيقة التي قال مصدر أوروبي إنها تقع في عشرين صفحة، أي قيمة قانونية لكن أبعادها السياسية كبيرة لتشكل إطاراً للمفاوضات التجارية التي لا يمكن أن تبدأ رسمياً إلا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، المقرر في 30 مارس (آذار) 2019، وسيكون لدى الطرفين للتفاوض فترة انتقالية من المقرر أن تنتهي في نهاية 2020، ويمكن تمديدها في حال لم تنتهِ المفاوضات.
وإذا توصلت الحكومة البريطانية والدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق حول كل جوانب الانفصال، فسيكون عليها انتظار مصادقة البرلمان الأوروبي وكذلك موافقة البرلمان البريطاني التي لا تبدو أمراً محسوماً. وأكد مكتب رئيسة الوزراء البريطانية أن تيريزا ماي ناقشت مع حكومتها إمكانية «الحلول التكنولوجية» للحفاظ على حدود آيرلندية مفتوحة. وأمس التقت ماي مع يونكر وسط تكهنات بأنها سوف تسعى للحصول على تنازلات في اللحظة الأخيرة في الاتفاق. وقال المكتب إن الخطة، التي تم الكشف عنها في السابق كوسيلة لتجنب الحدود (الصلبة) مع بنية تحتية مادية، سوف تكون جزءاً من ترتيبات بديلة يمكن استخدامها عوضاً عما يسميه الاتحاد الأوروبي «الاتفاق البديل» لضمان حدود مفتوحة. ويشمل اتفاق بريكست اتفاقاً بديلاً مؤقتاً كملاذ أخير يحدد أحكاماً منفصلة لآيرلندا الشمالية عن بقية المملكة المتحدة. وتصر ماي على أن الاتفاق البديل ليس من المحتمل أن تكون هناك حاجة إليه لأنها تعتزم الموافقة على حل دائم للحدود خلال فترة انتقالية تستمر 21 شهراً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في مارس 2019. ويُنظر إلى تركيز ماي الجديد على الحلول التكنولوجية على أنها محاولة لإرضاء المتشككين في أوروبا داخل حزبها المحافظ، الذين يهددون بالتصويت ضد اتفاق بريكست في البرلمان، ويرجع ذلك جزئياً إلى خوفهم من أن يؤدي ذلك إلى اتفاق بديل لأجل غير مسمى. لكنّ الوزيرة المسؤولة عن ملف آيرلندا الشمالية كارين برادلي، قالت للمشرعين، أمس (الأربعاء)، إنه «لا يمكن بأي حال أن نصل إلى وضع نكون فيه ملتزمين بالاتفاق البديل لأجل غير مسمى».
والاتحاد الأوروبي موافق على «التوصل إلى عدم وجود رسوم جمركية وحصص لكل السلع» مع المملكة المتحدة. لكن من غير الوارد أن تحصل بريطانيا على علاقة تجارية «بلا احتكاكات» إذا واصلت السعي للتحرر من قواعد الاتحاد الجمركي والسوق الواحدة. وأكد مصدر دبلوماسي أن «الاتحاد الجمركي هو التخلي عن اتباع سياسة تجارية مستقلة والقبول بقواعد منافسة نزيهة (مع الشركات الأوروبية)، وهذا يجب أن يكون واضحاً للبريطانيين».
وتريد دول مثل فرنسا وهولندا أيضاً تنظيم دخول الأساطيل الأوروبية إلى المياه الإقليمية للمملكة المتحدة في المستقبل، وهي قضية حساسة استُبعدت من النطاق الجمركي الموحّد الذي يعد الملاذ الأخير لتسوية قضية الحدود الآيرلندية إذا لم تسفر المفاوضات التجارية المقبلة عن حل لها. وقال مصدر أوروبي إنه «من المهم الربط بين دخول الاتحاد الأوروبي (للأسماك المصطادة في المياه البريطانية) ودخول المياه الإقليمية البريطانية» من قبل الأوروبيين.
وعلى الجانب الأوروبي، هناك عقبات مماثلة أمام المصادقة على مسودة الاتفاق من قبل دول الاتحاد الـ27 بعد تهديد مدريد باستخدام الفيتو إذا لم تتم تسوية الخلاف مع بريطانيا بخصوص الحدود بين جبل طارق وإسبانيا. وأعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أنها تعوّل على تأييد جميع الأعضاء لاتفاق «بريكست». وأعربت ميركل عن أملها في أن يتم التوصل إلى حل قبل موعد انعقاد القمة الأوروبية الخاصة بشأن بريكست يوم الأحد القادم. وأضافت: «لا يزال لدينا اعتراض في إسبانيا. ليس بمقدوري القول كيف سنحل هذه المشكلة تحديداً لكن آمل أن تُحلّ بحلول الأحد». وكانت إسبانيا قد دعت إلى أن يتم التوضيح في الاتفاقية ضرورة فصل المفاوضات بشأن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا عن المفاوضات بشأن وضعية جبل طارق. وقال رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، أول من أمس (الثلاثاء)، محذراً: «يؤسفني أن أقول: إن حكومة مؤيدة لأوروبا مثل حكومة إسبانيا ستصّوت بـ(لا) لبريكست إذا لم يحدث تغيير».
يشار إلى الإقليم الواقع في الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة الإيبيرية يخضع منذ عام 1713 للسيادة البريطانية، ولكنّ إسبانيا تطالب بأحقيتها فيه. وأكد سانشيز مؤخراً: «جبل طارق لا ينتمي إلى المملكة المتحدة، فهو يتم تمثيله من جانب المملكة، ولكنه لا ينتمي إليها».