المبعوث الأميركي يواصل الحوار مع «طالبان» وكابل تتوجس من توجهات واشنطن

قصف جوي وخسائر كبيرة للمتمردين في ننجرهار

جنود أفغان يدققون في تصويب زملائهم خلال تدريبات الرماية في الأكاديمية العسكرية في كابل (أ.ب)
جنود أفغان يدققون في تصويب زملائهم خلال تدريبات الرماية في الأكاديمية العسكرية في كابل (أ.ب)
TT

المبعوث الأميركي يواصل الحوار مع «طالبان» وكابل تتوجس من توجهات واشنطن

جنود أفغان يدققون في تصويب زملائهم خلال تدريبات الرماية في الأكاديمية العسكرية في كابل (أ.ب)
جنود أفغان يدققون في تصويب زملائهم خلال تدريبات الرماية في الأكاديمية العسكرية في كابل (أ.ب)

خطوات متسارعة تتخذها الإدارة الأميركية في سبيل التوصل إلى حل سياسي للصراع في أفغانستان وتوقيع اتفاق سلام مع «طالبان» التي تقاتل من أجل إخراج القوات الأجنبية من أفغانستان وإسقاط الحكومة المدعومة من واشنطن في كابل. فقد أعلنت «طالبان» والإدارة الأميركية أن المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان زلماي خليل زاد، التقى عدداً من قيادات «طالبان» في مسعى منه للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأفغانية المقررة في أبريل (نيسان) المقبل، وقد استمرت جولات الحوار بين الطرفين على مدى ثلاثة أيام. وحضر هذه اللقاءات من جانب «طالبان» وزير داخليتها السابق خير الله خير خوا، وقائد قواتها الأسبق محمد أفضل اللذان أُطلق سراحهما من سجن غوانتانامو قبل أكثر من عامين.
وحسب مصادر إعلامية نقلت عنها وكالة «خاما بريس» الأفغانية، فإن وفد حركة «طالبان» تقدم بمقترح لإرجاء الانتخابات الرئاسية في أفغانستان وتشكيل حكومة انتقالية. وكان المبعوث الأميركي الخاص إلى كابل قد زار أفغانستان لإطلاع الرئيس أشرف غني على جهوده قبل إجراء محادثاته مع «طالبان»، حيث ذكر القصر الرئاسي في كابل في بيان له، أن خليل زاد أطلع الرئيس غني على جهوده ومساعيه من أجل إيجاد حوار أفغاني- أفغاني للسلام في أفغانستان، وعزمه زيارة عدد من الدول المعنية بهذا الخصوص.
وكان خليل زاد قد أكد أنه سيفصح عن المزيد من المعلومات المتعلقة بجهوده بعد إتمام زياراته لعدد من دول المنطقة.
من جانبه أعلن ذبيح الله مجاهد الناطق باسم حركة «طالبان»، بياناً حول محادثات خليل زاد في الدوحة مع قيادات من المكتب السياسي لحركة «طالبان» جاء فيه أن المحادثات جرت منذ الرابع عشر إلى السادس عشر من الشهر الجاري، لبحث حل سلمي للصراع في أفغانستان. وأضاف بيان ذبيح الله مجاهد أن المحادثات التي جرت تعد أولية ولم يتم التوصل إلى اتفاق على أيٍّ من النقاط التي تم بحثها حتى الآن، وأن وفد «طالبان» أكد وجوب إيجاد حل للمشكلات التي تعاني منها أفغانستان، ونفى الناطق باسم «طالبان» ذبيح الله مجاهد، في بيانه أن تكون «طالبان» قدمت طلباً لتأجيل الانتخابات الرئاسية، أو تشكيل حكومة انتقالية، وأكد أن هذا لا أساس له من الصحة وإنما هي شائعات مغرضة لا علاقة لـ«طالبان» بها، الهدف منها إثارة الشكوك والمخاوف والفوضى.
من جانبها أعلنت الحكومة الأفغانية مقتل عدد من أفراد الكتيبة الحمراء لـ«طالبان»، وهي التي تمثل القوات الخاصة في الحركة بعد قصف جوي استهدف مواقع الكتيبة في منطقة خوكياني في ولاية ننجرهار شرق أفغانستان. وأشار بيان نقلته وكالة «خاما برس» عن الجيش في جلال آباد أن عدداً من مقاتلي «طالبان» لقوا مصرعهم أو أُصيبوا جراء الغارات الجوية. وتشهد ولاية ننجرهار مواجهات شبه يومية بين القوات الحكومية وقوات حركة «طالبان» في الولاية، حيث تحاول القوات الحكومية الحد من تقدم «طالبان» وسيطرتها على الأرياف في الولاية المجاورة لباكستان.
وفي بياناتها حول العمليات العسكرية لقواتها، قالت إن قواتها تمكنت من قتل 3 عناصر من القوات الحكومية بتفجير لغم أرضي في منطقة بركي باراك في ولاية لوغر جنوب العاصمة كابل، وأن دبابة حكومية تم إعطابها بهذا التفجير. وأضاف بيان «طالبان» أن أربعة من قوات الميليشيا الحكومية في مديرية محمد أغا في ولاية لوغر قُتلوا، كما تم تدمير آليتي نقل عسكريتين للقوات الحكومية بالصواريخ في المنطقة.
واتهمت «طالبان» في بيان آخر لها القوات الحكومية باستهداف منازل سكنية بمدافع الهاون في منطقة جلريز بولاية وردك غرب كابل، حيث أصاب القصف حفل زفاف محلياً، مما أدى إلى مقتل 4 أشخاص وجرح 9 آخرين. ونشرت حركة «طالبان» على موقعها شريطاً مصوراً لاستيلاء قواتها على مقر وحدة عسكرية حكومية في منطقة سرو غواندو ولاية فراه غرب أفغانستان قبل أيام. وأدى هجوم «طالبان» على مقر الوحدة العسكرية إلى سيطرة الحركة على المقر والاستيلاء على كميات من الأسلحة والذخيرة وعدد من العربات العسكرية حسبما يشير إليه الشريط المصور. وكانت مجموعة من مقاتلي «طالبان» قد سيطرت على مقر للشرطة الأفغانية في ولاية زابل، حيث أسرت قوات «طالبان» 9 من رجال الشرطة الحكومية كانوا في المقر. وحسب بيان لـ«طالبان» فقد وقعت العملية، فجر الأحد، بعد تسلل 3 من مقاتلي الحركة بزيّ الشرطة الأفغانية إلى المقر وتمكنهم من السيطرة على مركز «دوستي كيلي» في مديرية شينكي، بعد مقتل اثنين من رجال الشرطة وأسر 9 آخرين، حسبما ذكر بيان لـ«طالبان».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟