منذ عام مضى، أرسلت شركة «هوليت - باكارد» واحداً من كومبيوتراتها الخارقة المخزّنة لبيانات واسعة، إلى المحطة الفضائية الدولية، لمعرفة ما إذا كانت أجهزتها الكومبيوترية المنتجة بكميات كبيرة تستطيع الصمود، كما هي دون أي تغييرات، في البيئة الفضائية القاسية في ظروف انعدام الوزن. والآن، أعلنت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) والشركة صاحبة الكومبيوتر نجاح التجربة، رغم تلف معظم الأقراص الصلبة المستخدمة فيه بعد احتراقها بفعل الأشعة الشمسية.
كومبيوتر خارق
وقد أجريت هذه التجربة لاختبار أداء كومبيوتر «سبيس بورن» Spaceborne Computer أو (الكومبيوتر المحمول فضائيا) من «هوليت - باكارد»، الذي يضمّ 32 نواة مستقلّة تعمل مجتمعة على إدارة العمليات بسرعة أكبر بـ30 إلى 100 مرّة من هاتف الآيفون أو الجهاز اللوحي. ورغم تأثير الإشعاع الكوني، استمرّ الكومبيوتر في عمله ولم تختف أي من البيانات التي كانت قيد الاختبار. وقال دايفيد هورنياك، من «ناسا»، المسؤول عن إدارة مشاريع العرض التقني على المحطة الفضائية الدولية: «تعلّم الخبراء بعض الأمور وأثبتوا فعالية هذا النظام في الفضاء. يمنح هذا النظام ناسا خيار شراء أجهزة قد نحتاجها في المستقبل بدل تطويرها بأنفسنا».
واستمرّ الكومبيوتر في عمله أيضاً رغم خسارته لاتصال التحميل والتنزيل مع «ناسا» ثماني مرات تقريباً في اليوم الواحد، لمدّة تتراوح بين ثلاث ثوانٍ و20 دقيقة. وقد يثبت هذا النوع من العمل المستقل فعالية الكومبيوتر الخارق في التعامل مع تأخّر الاتصالات مع الأرض على متن قاعدة أو بعثة قمرية محتملة إلى المريخ. ويحضّر خبراء تكنولوجيا المعلومات في «ناسا» أنفسهم لفائض محتمل في الإشارات الآتية من شبكة الوكالة لمراقبة الفضاء العميق، وهي عبارة عن نظام صحون أقمار صناعية منتشرة على امتداد الكرة الأرضية ترسل وتتلقى إشارات من مركبات فضائية كثيرة. كما يمكن لـ«سبيس بورن» أن يساعد أيضاً في تخفيف كثافة الحركة الناتجة عن المحطة الفضائية الدولية.
معالجة نتائج الأبحاث
يقول مارك فرنانديز، المشرف على المشروع من «هوليت - باكارد» في حديث لموقع «وايرد.كوم»، إنّ الفكرة من وضع كومبيوتر خارق في الفضاء كانت مساعدة رواد الفضاء على القيام بالمزيد من الأبحاث العلمية بأنفسهم. ويضيف: «هناك الكثير من الكاميرات التي تصور فيديوهات بدقة عرض 4 كيبي على المحطة الفضائية الدولية والتي تبحث عن شيء ما في حزم البيانات، أو تلاحق نوعا محدّدا من السحب، والصواعق، وتدرجات حرارة المحيط». وأضاف: «يجب علينا أن نجري ذلك النوع من معالجة الصورة على متن المركبة وحفظ اتصال النطاق العريض لأمور أخرى».يستطيع الكومبيوتر أيضاً أن يضغط البيانات الناتجة عن تجارب علمية تقام على متن المحطة ومن ثمّ إرسالها إلى كومبيوترات ناسا على الأرض. وأخيراً، قد يرغب رواد الفضاء والمستكشفون على القمر أو المريخ في وجود كومبيوتر خارق لتحديد المشاكل دون انتظار استجابة ناسا.
لحماية أجزاء الكومبيوتر الداخلية، طوّر مهندسو «هوليت - باكارد» برنامجاً إلكترونياً ليؤدي مهمّة الدرع الواقية. ولأنهم لم يستطيعوا تثبيت أجهزة رصد للأشعة داخل أجهزة الكومبيوتر، حددوا المكونات الأكثر تأثراً بالأشعة ووضعوا شروطاً لتشغيلها. فعندما ترتفع درجة حرارة أحد هذه المكونات مثلاً، يتحوّل تلقائياً إلى وضع السلامة المحمي.
قدّم برنامج «هوليت - باكارد» أداء جيداً جداً، ولكنّه لم يكن مثالياً. فمن بين الأقراص الصلبة المتينة الـ20 المستخدمة، تسعة كان مصيرها التلف، الأمر الذي اعتبره فرنانديز غير مريح على الإطلاق. كما مرّ الكومبيوتر بسبعة «توقفات طفيفة»، أي وصول أجزاء الجهاز الرقمية عشوائياً إلى وضع التصفير.
يقول فرنانديز إن الكومبيوتر تمكّن من تحديد المشكلة، وتخلّص من البيانات الفاسدة، وحصل على حزمة جديدة من المعلومات نفسها. ولكنّ في حال لم تكن هذه الأمور سبباً كافياً للقلق بالنسبة لخبراء تكنولوجيا المعلومات، مرّ الجهاز أيضاً بأربعة انقطاعات للطاقة، الناتجة عن الأشعة أو عن المشاكل الناتجة عن ألواح المحطة الشمسية، بحسب فرنانديز.
إنّ أي بعثة فضائية مستقبلية طويلة الأمد قد تحتاج إلى تحديثات للبرنامج إلى جانب بعض من تقنيات تطوير الدرع المصنوعة من الرصاص وأنواع جديدة من السيراميك أو المواد المركبة. إلّا أنّ هذا الاختبار الذي استمرّ لعام واحد، زوّد مصممي البرامج والأدوات الصلبة بكمية كبيرة من البيانات ليعملوا عليها. وقال فرنانديز: «سننظر في هذا الأمر وسنفكّر في بدائل».
إنّ أولى مهمات الكومبيوتر اليوم وبعد اكتمال هذه التجربة، ستكون اختبار بعض برامج «ناسا» للهبوط التي تتطلّب كمّاً هائلاً من الحسابات. ومن المزمع أن تبقى هذه الآلة على متن المحطة حتى الموعد المحدد لعودتها في مارس (آذار) المقبل.