ضبط شاحنة حبوب مخدرة بمناطق سيطرة «حزب الله»

مصادر اعتبرت نشر الخبر رسالة إلى الحزب وإيران

TT

ضبط شاحنة حبوب مخدرة بمناطق سيطرة «حزب الله»

قالت مصادر متابعة في مدينة حمص لـ«الشرق الأوسط» إن النظام السوري اعترض شاحنة تهريب مخدرات آتية من منطقة القصير غرب حمص التي يسيطر عليها «حزب الله» اللبناني، كانت متجهة نحو اللاذقية على الساحل السوري، أول من أمس. وأضافت أن قيام النظام بهذا الأمر للمرة الأولى يكشف عن وجود خلافات بين قوات النظام و«حزب الله» اللذين يتقاسمان السيطرة على المناطق الحدودية السورية – اللبنانية.
ولفتت المصادر إلى أهمية نشر الخبر من قبل وسائل إعلام تابعة للنظام؛ سواء الرسمية (وكالة الأنباء الرسمية «سانا») أو المواقع الإخبارية الموالية التي تشرف على معظمها الأجهزة الأمنية التابعة للنظام. وأضافت أن «نشر خبر ضبط عملية التهريب لهو رسالة إلى (حزب الله) وربما إلى إيران»، لا سيما أن هذا الخبر تم تجاهله من وسائل الإعلام التابعة لـ«حزب الله» وإيران الحليفة للنظام.
وكانت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» قد نشرت تقريرا يوم السبت الماضي عن ضبط «الجهات المختصة» في سوريا كميات كبيرة من الحبوب المخدرة مخبأة داخل أبواب خشبية في شحنة بمحافظة حمص. ونقلت الوكالة عن مصدر في الجهات الأمنية المختصة قوله: «...خلال متابعتها لعمليات تهريب المواد المخدرة ونقلها، وبناء على معلومات دقيقة ومتابعة أمنية، قامت الجهات المختصة بضبط سيارة نوع (كيا 4000) تحمل لوحة حمص محملة بكميات كبيرة من حبوب الكبتاغون المخدر، على طريق حمص كانت معدة للتهريب». وتضمنت الشحنة كميات كبيرة من حبوب «الكبتاغون» المخدرة موضوعة داخل أبواب خشبية بسيارة كانت متجهة من منطقة القصير بريف حمص إلى محافظة اللاذقية.
وأضاف المصدر أن حبوب الكبتاغون المخدرة التي تم ضبطها كانت مخبأة داخل 42 بابا خشبيا تم تصنيعها حديثا وتحميلها في السيارة، حيث قامت الجهات المختصة بضبط وإفراغ حمولتها، وإلقاء القبض على جميع منفذي هذه العملية.
من جانبها، أكدت المصادر المطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن العملية لم تكن «ضبط» عمليات تهريب؛ وإنما هي «فضح تفصيل صغير على مستوى الحلقات الأدنى الناشطة في عمليات التهريب، بغرض الضغط على مشغليها، الأمر الذي يؤكد وجود خلافات أو ربما صراع على المكاسب».
وانتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يوم السبت الماضي، أظهر الشحنة التي تم ضبطها؛ حيث وضعت الحبوب المخدرة ضمن ثقوب متجاورة في الباب الواحد، وأظهر الفيديو قيام عناصر الأمن بنشر الأبواب بالمنشار من الجوانب للوصول إلى الثقوب الممتلئة بالحبوب المخدرة.
وعمد «حزب الله» اللبناني منذ بسط سيطرته عام 2013 على منطقة القصير والأراضي الزراعية التابعة لها غرب نهر العاصي والمتداخلة مع الحدود اللبنانية، إلى إحراق البساتين الزراعية وقص الأشجار المثمرة (تفاح ومشمش)، وتحويلها إلى مزارع للتبغ والحشيش، بحسب روايات محلية من سكان القصير الذين تم تهجيرهم وما زال «حزب الله» يمنع عودتهم إليها رغم أنها أولى المناطق التي أعاد النظام سيطرته عليها.
وتؤكد تقارير حكومية أميركية أن 30 في المائة من دخل «حزب الله» المالي يأتي من الاتجار بالمخدرات في مختلف أنحاء العالم، سواء بتصنيعها أو نقلها وبيعها لصالحه.
يذكر أن سوريا التي كانت تعد دولة عبور للمخدرات تضاعف فيها نشاط مهربي المخدرات وأعدادهم منذ عام 2005. وهذا ما كشف عنه في الحملة التي شنها النظام عام 2010 لمكافحة تهريب المخدرات.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.