سعودي يحصد جائزة الإبداع الثقافي على مستوى العالم العربي

أحمد ماطر «الأميز ثقافياً» في 2018

الدكتور أحمد ماطر يتسلم جائزته («الشرق الأوسط»)
الدكتور أحمد ماطر يتسلم جائزته («الشرق الأوسط»)
TT
20

سعودي يحصد جائزة الإبداع الثقافي على مستوى العالم العربي

الدكتور أحمد ماطر يتسلم جائزته («الشرق الأوسط»)
الدكتور أحمد ماطر يتسلم جائزته («الشرق الأوسط»)

تمكن سعودي من حصد جائزة الإبداع الثقافي على مستوى العالم العربي، وذلك لأول مرة يتم اختيار مثقف وفنان سعودي، لهذه الجائزة التي تمنحها سنوياً «تكريم»، حيث أعلنت أمانة هذه المبادرة عن فوز الدكتور أحمد ماطر بهذه الجائزة المهمّة في التعريف بالمثقفين والمبدعين العرب وإنجازاتهم التي قدّمت صورة بارزة للوطن العربي لدى الآخر.
وعُرف عن هذه المبادرة أنّها تتقصّى المنجزات للفائزين بجوائزها ذات الفروع الخمسة، وذلك من حيث خدمة الفائز للمجتمع ومدى تفوق أنشطته وأعماله وما أنجزه في مسيرة الإنسان العربي ومساهماته في الوصول إلى المنصّات الدولية. وكان ماطر قد أنجز في سنوات معدودة الكثير من النشاطات والأعمال التي حققت حضوراً كبيراً. وطيلة ما يُقارب الخمسة عشر عاماً أسس الفنان السعودي طريقته الخاصة في المزاوجة بين أشكال الفن، مما حقق لتجربته الفريدة تطويع الفنون المختلفة وبتعدد جمالي حديث يمتثل لرؤاه بالفن التشكيلي وبالتصوير الفوتوغرافي، والفن الأدائي، والتسجيل المرئي. وهو الذي قد تم اختياره عام 2009 في قائمة مجموعة بيزنس العربية كأبرز الشخصيات العربية المؤثرة في العالم.
صعد اسم ماطر لمحافل عالمية احتفت بأعماله التي أصبحت علامة فارقة على مرحلة معاصرة تشهد تحولاً كبيراً داخل مساحة الفن المعاصر وقراءاته الحديثة على أرض المملكة العربية السعودية أولاً والمنطقة العربية ككلّ.
واختارت «مبادرة تكريم» ماطر لجائزة «الإبداع الثقافي» لكونه يُمثل ذلك التفوق الواضح في تحقيق الطموح وما عكسه من أدوار ناجحة لدعم الثقافة العربية وتقديم مخزونها الكبير إلى العالم والمساهمة في تنشيط دور الفنان وتوسيع آفاقه. إضافة إلى تحقيقه إنجازات في قيادة الشباب لتنمية المهارات واستقطاب إبداعاتهم وتكوين فضاء من الإلهام لهم بداية بتنظيم المعارض الدولية وفتح النوافذ أمام المبدعين الجدد وإتاحة الفرص أمامهم للحوار، حيث أسس عدّة منصّات فنية وإبداعية كان لها الانتشار الأوفر إقليمياً ودولياً، وشارك في لجان مختلفة كقيّم فني وعارض أوّل، كما ساهم في بناء مشاريع ومؤسسات كان من شأنها النهوض بالحركة الفنية ودعم الفنانين على مختلف المستويات ونقل تجاربهم في الفنون المعاصرة والتعريف بالمشهد العربي الحديث داخل الأوساط الغربية.
يذكر أن السعودي ماطر عمل مستشاراً لكبريات الشركات والمؤسسات في العالم كشركة سميثسونيان، والأمم المتحدة، والموما، ومتحف فكتوريا وآلبرت، ومتحف سينتر بومبيدو بباريس، وكان متحدثاً رئيسياً في عدد من الفعاليات الكبرى والمحاضرات المتخصصة في مراكز عالمية كجامعة جورج واشنطن الأميركية، ومنظمة اليونيسكو، ومتحف اللوفر في فرنسا، ومعهد ماساتشوستس التقني في أميركا، وكلية بيتس للعلوم الإنسانية في جامعة ماين الأميركية.
واقتنت كبريات المتاحف في أوروبا وأميركا بعض أعماله، حيث اقتنى المتحف البريطاني أحد أعماله وهو بعمر الثانية والعشرين من عمره حين شارك في معرض «الكلمة في الفن» ثم توالت المراكز الدولية في اقتناء أعماله الشهيرة، كمتحف قوقنهايم للفنون الحديثة والمعاصرة في نيويورك. كما اُختير عام 2016م، لرسم لوحة «طريق الحرير»، ليُهديها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للرئيس الصيني، لتُجسد عمق علاقة السعودية بالصين، وبما يربط «رؤية السعودية 2030» الحديثة مع المأثور الأصيل «اطلبوا العلم ولو في الصين»، وتُعيد إلى الذاكرة الرابط التاريخي بين بلاد الصين وبلدان المشرق العربي.
وله من المؤلفات «عسير من السماء»، و«مجسمات القرن العشرين وتاريخ الفضاء العام»، و«صحراء فاران... التغيرات الحضرية في العمارة الإسلامية».
ومؤخراً عُين كأول رئيس تنفيذي لمعهد مسك للفنون 2017 والذي نشأ تحت مظلّة مؤسسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (مسك الخيّرية)، وهذا المعهد يُعدُّ «مركزاً ثقافياً يُعنى بالفن والفنانين... ويسعى المعهد إلى تشجيع المواهب الفنية الشابة المحلية في المملكة والارتقاء بسمعة الفنون السعودية والعربية وتمكين التبادل والحوار الثقافي العالمي».
يُذكر أنّ مبادرة «تكريم» قد مَنحت جوائز فروعها الأخرى لعدد من السعوديين ومنهم الأمير سلطان بن سلمان (جائزة إنجازات الإعمار) والراحل الدكتور غازي القصيبي (جائزة إنجازات العمر) وللجرّاح الدكتور طارق أمين (جائزة الإبداع العلمي والتكنولوجي)، وسعاد الجفالي (جائزة الأعمال الخيرية والخدمات الإنسانية)، وخالد الخضير (جائزة المبادرين الشباب).



مبدعات فلسطينيات يحافظن على فنٍّ مهدد بالزوال

مبدعات فلسطينيات يحافظن على فنٍّ مهدد بالزوال
TT
20

مبدعات فلسطينيات يحافظن على فنٍّ مهدد بالزوال

مبدعات فلسطينيات يحافظن على فنٍّ مهدد بالزوال

إحدى ذكريات عبير بركات المبكرة كانت عن شغف والدها بالتطريز، وهو تطريز فلسطيني تقليدي يتضمن أنماطاً وزخارف يدوية على الملابس والأوشحة وأغطية الأسِرّة والوسائد. كان والدها يجمع الأثواب - فساتين فضفاضة مطرزة ترتديها النساء الفلسطينيات - ليجمع، في النهاية، مجموعةً واسعةً من قِطع التطريز التقليدية الفريدة التي صنعتها نساء فلسطين منذ عقود، كما كتبت خافيريا خالد(*).

فساتين فلسطينية - تُحف قديمة

تقول عبير بركات: «ما زلت أذكر كم كان شغوفاً به، وكيف كان يروي لنا قصصاً مختلفة عنه. كان يقتني هذه الفساتين الفلسطينية القديمة [بعضها] قِطعٌ متحفية، بصراحة؛ لأنها لم تعد موجودة».

وبعد ما يقرب من 15 عاماً من العمل في أدوار تسويقية مختلفة، قررت عبير بركات الجمع بين خبرتها وشغفها بالتطريز وبدء الحفاظ على قِطع التطريز التاريخية. وتقول: «كان تاريخاً وتراثاً غنياً للغاية لدرجة أنه كان لا بد من إعادة توظيفهما»، مضيفةً أن «عدداً من القرى التي ينحدر منها التطريز لم تعد موجودة».

«جيل» لتراث غني

لهذا السبب أسست «جيل (Jeel»، والتي ترمز إلى الجيل باللغة العربية - وهو اسم اختارته لأنه يعكس هدفها في الحفاظ على تراث غني ونقْله إلى الأجيال المقبلة. ومنذ إطلاق العلامة التجارية عام 2014، نَمَت لتصبح مشروعاً مُربحاً يبيع مجموعة من التطريزات النابضة بالحياة، حيث جمعت أكثر من 18000 متابع على «إنستغرام».

ومع تحذير وكالة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونسكو» من أن التطريز معرَّض لخطر الاندثار من الذاكرة الجماعية، تركز علامات تجارية مثل «جيل» وغيرها على الحفاظ على التراث الفلسطيني.

التطريز ونسيج الهوية الفلسطينية

تاريخياً، شكَّل التطريز أيضاً الهوية الثقافية للفلسطينيين، إذ ينسج التطريز أصول وتاريخ الفلسطينيين في أنماطه وألوانه المتنوعة. تقول بركات: «كانوا يعرفون حتى الوضع الاجتماعي للشخص، بناءً على ما يرتديه. فأغطية الرأس في الأزياء الفلسطينية تعكس ما إذا كان هذا الشخص غنياً أم لا».

وكما أسهم التطريز في بناء هوية قوية للشعب الفلسطيني قبل عقود، أسست بركات «جيل»، على أمل أن تُحدث هذه الحرفة التغيير نفسه بالنسبة لها.

امرأة فلسطينية مهددة الهوية

وعلى الرغم من نشأتها في القدس بصفتها فلسطينية مسلمة، تقول إنها كثيراً ما كانت تكافح لفهم هويتها، حيث كانت تشعر بأنها مهددة باستمرار. تقول بركات: «سيخبرك كل فلسطيني أن هناك دائماً جزءاً منا يشعر بالحاجة إلى الحفاظ على [تراثنا] لأننا نشعر بالخطر في كل مرحلة من مراحل حياتنا. نشعر دائماً بالخطر لنؤكد وجودنا؛ لأنه في كل مرحلة من مراحل وجودنا، نواجه تحدياً بشأن كوننا فلسطينيين».

تصاميم سوزي التميمي

هذه الحاجة المُلحة للحفاظ على الهوية الفلسطينية حفَّزت سوزي عدنان التميمي، مصمِّمة فلسطينية مقيمة في نيويورك، على بدء تنفيذ تصاميم تطريز خاصة بها عام 2014.

وبعد عامين من بدء المشروع، حظيت التميمي بفرصة فريدة تصفها بأنها «نقطة انطلاقها»؛ ففي عام 2016، دعتها الأمم المتحدة لتصميم نسخة معاصرة من الزي الفلسطيني التقليدي لمعرض يهدف إلى الحفاظ على الهوية الفلسطينية. وقد صممت ثوباً عصرياً من قصاصات التطريز التي اشترتها من حنان منير، وهي شخصية مشهورة تُقيِّم القِطع الفنية، وجامعة للتطريز. عُرض الثوب في مقر الأمم المتحدة لمدة شهر.

وأدت تجربتها في الأمم المتحدة إلى تعميق شغفها بإعادة ابتكار التطريز، واستكشاف طرق لتحديث هذه الحرفة، وإيصال التطريز الفلسطيني إلى جمهور عالمي أوسع.

واليوم، تضم علامة تميمي التجارية للتطريز أكثر من 29000 متابع على «إنستغرام».

في مخيمات اللاجئين بجنين

تعمل التميمي مع نساء فلسطينيات في مخيمات اللاجئين بمدينة جنين في الضفة الغربية لإعادة توظيف التطريز، ودمجه مع التصاميم العصرية. وقد مكّنها أسلوبها العصري في التطريز من جذب فئة عمرية أصغر سناً. وتقول التميمي: «بدأتُ أبتكر أفكاراً مبتكرة وجديدة وعصرية، مثل الأحذية الرياضية المطرزة، أو أحزمة الغيتار، أو البدلات الرياضية، أو القبعات ذات الحواف العريضة، إنها تُشبه، إلى حد ما، أجواء الملابس الرياضية العصرية».

تنامي الوعي في خضم الأزمة

مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، شهدت كل من بركات والتميمي نمواً في عدد متابعيهما، ما أدى إلى مشاعر متضاربة حول تنامي شهرة التطريز نتيجة استمرار قتل الفلسطينيين.

تقول: «إنه وضع محيِّر نوعاً ما، حيث تشعر بأن هذا رائج حالياً، لكنه ليس كذلك في الواقع».

تركز التميمي بشدة على الحفاظ على غرز التطريز، من خلال الابتكار، وتخطط لإبراز جمال وتاريخ فلسطين بشكل أكبر، من خلال هذا الشكل الفني.

مجموعة «مقاتل من أجل الحرية»

تُعدّ مجموعتها «مقاتل من أجل الحرية» تكريماً للصمود وتعبيراً قوياً عن صمود الفلسطينيين. تشمل الإضافات الأحدث إلى متجرها - إلى جانب التطريز المُخصص الذي تقدمه - سترات وقمصاناً وبلوزات بقلنسوة تحمل لوحة صدر من خمسينات القرن الماضي من ثوب تطريز. وعلى ظهر المنتجات كُتب «هذه الغرزات تتحدث عن الوجود».

عندما ألتقط قطعة تطريز قديمة من فلسطين، أحياناً أبكي لأنني أشعر بالطاقة الكامنة في كل قطعة، كما تقول التميمي. «أريدها أن تبقى حية، ولهذا السبب أبث فيها الحياة».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».