خطة الصين للحد من الاعتماد على الفحم قد تمتد لعام 2025 ليتضاعف استهلاكه

ضغوط داخلية وخارجية على بكين لوضع سقف لاستخدام الوقود الأحفوري

الصين كانت أكبر دولة في العالم ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري منذ عام 2006 عندما تخطت الولايات المتحدة
الصين كانت أكبر دولة في العالم ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري منذ عام 2006 عندما تخطت الولايات المتحدة
TT

خطة الصين للحد من الاعتماد على الفحم قد تمتد لعام 2025 ليتضاعف استهلاكه

الصين كانت أكبر دولة في العالم ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري منذ عام 2006 عندما تخطت الولايات المتحدة
الصين كانت أكبر دولة في العالم ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري منذ عام 2006 عندما تخطت الولايات المتحدة

تدرس الحكومة الصينية، تحت ضغوط من أجل الحد من انبعاثات الضباب الدخاني وغازات الاحتباس الحراري، وضع حد أقصى إلزامي على استخدام الفحم، الذي يعد المصدر الرئيس للتلوث بالكربون الصادر من الوقود الأحفوري. ولكن ربما يكون هذا السقف قابلا للتعديل، مما سيسمح لاستهلاك الفحم بالتزايد لسنوات، كما أن صانعي السياسات على خلاف حول المدة التي سترتفع فيها انبعاثات البلاد.
يناقش كبار المسؤولين هذه القضايا في الوقت الذي يقومون فيه بصياغة خطة تنمية خمسية جديدة، سيجري الانتهاء منها بحلول نهاية العام المقبل. ينبعث من الصين غاز ثاني أكسيد الكربون بقدر أكبر من أي دولة أخرى، لذا فإن ما سيقرره الرئيس شي جين بينغ ومعاونوه ستكون له عواقب بعيدة المدى على جهود احتواء تغير المناخ.
وقال وانغ يي، أستاذ في الأكاديمية الصينية للعلوم في بكين الذي يدرس السياسة البيئية، في مقابلة عبر الهاتف، بأن القادة الصينيين لم يفصلوا وجهات نظرهم بشأن الفحم أو حدود انبعاثات الكربون. ولكن هناك دعم قوي بين أوساط كبار مستشاري السياسة لوضع سقف ثابت لاستخدام الفحم بدءا من عام 2016.
وأضاف وانغ، العضو البارز في الهيئة التشريعية الصينية (المؤتمر الشعبي الوطني): «أعتقد أن هناك إجماعا واسعا حول هذا الموضوع، وأن المسألة تدور حول كيفية تنفيذ ذلك». وأوضح: «إذا كنا نستطيع أن نضع سقفا لاستخدام الفحم، فسيكون ذلك بمثابة وضع حد أقصى للكربون تقريبا، ذلك أن الفحم هو المصدر الرئيس لمثل هذا النوع من التلوث والانبعاثات».
وبيَّن وانغ وآخرون أن وضع سقف لاستخدام الفحم سيسهل من تطبيق حد أقصى على انبعاثات الكربون الصادرة من جميع أنواع الوقود الأحفوري، وهو ما اقترحه بعض الخبراء. يذكر أن الصين تمثل نصف الاستهلاك العالمي للفحم.
إن وضع سقف لاستخدام الفحم سيكون أكثر صرامة من القيود الحالية غير الإلزامية التي لا تطبق إلا بشكل فضفاض، ولكنه سيرتبط بالنمو الاقتصادي المتوقع والطلب على الطاقة، لذلك ربما يستمر استخدام الفحم في الارتفاع لسنوات.
ويظل مستشارو السياسة الصينية منقسمين حول الوتيرة التي يجب أن تسير عليها البلاد نحو خفض استهلاك الفحم. ويخشى بعض المسؤولين من أن فرض قيود أكثر صرامة قد يضر بالاقتصاد، حيث أشاروا إلى احتمالية إغلاق المناجم، مما سيؤدي إلى فقدان الوظائف ونقص في مصادر الطاقة في حال فشل توفير مصادر الطاقة البديلة، مثل الطاقة النووية، والطاقة الكهرومائية، والطاقة الشمسية، في الوقت المحدد.
وقال لين بوه تشيانغ، مدير المركز الصيني لبحوث الاقتصاد والطاقة بجامعة شيامن شرق الصين: «إن الصعوبة الرئيسة هي الوقت الذي يستغرقه وضع بدائل للفحم، وعدم اليقين الذي يكتنف توفيرهم». وأضاف: «إن الحكومة الآن أكثر تركيزا على التخلص من الضباب الدخاني، ولكن إذا تعثر الاقتصاد، فمن المحتمل أن تركز الحكومة على العودة مرة أخرى إلى النمو الاقتصادي».
وقالت الون يانغ، زميلة بارزة في معهد الموارد العالمية في واشنطن وتعمل في مجال الانبعاثات وسياسة الطاقة في الصين، إن وضع قيود صارمة من المرجح أيضا أن يواجه معارضة من قطاع صناعة الفحم القوي ومن المسؤولين المتحالفين. يذكر أن النمو في استخدام الفحم تباطأ بشكل ملحوظ في العامين الماضيين، لكن جمعية الفحم الوطنية الصينية أعلنت العام الماضي أنه من المتوقع أن تستهلك البلاد 4.8 مليار طن متري سنويا بحلول عام 2020.
وقالت السيدة يانغ: «إن النقاش الحقيقي يثار حول كيفية إشراك شركات الوقود الأحفوري الكبيرة المملوكة للدولة، وأيضا المحافظات الكبرى التي تعتمد اقتصاداتها اعتمادا كبيرا على هذه الصناعات».
وعلى الجانب الآخر، يرى بعض الاقتصاديين أن اتخاذ جهود جريئة للحد من استهلاك الفحم سيكون نعمة اقتصادية وبيئية على المدى الطويل من خلال تشجيع نمو وسائط جديدة ونظيفة.
ويعتقد بعض الخبراء أن هناك ضغوطا جديدة على الحكومة ناجمة عن ارتفاع وتيرة الغضب الداخلي بسبب الضباب الدخاني. إن حرق الفحم في محطات الطاقة والمراجل والأفران هو المصدر الرئيس للتلوث الدخاني الذي يكسو بكين وغيرها من المدن. كما أن اتخاذ بعض الخطوات الأخرى سيعمل أيضا على خفض انبعاثات الكربون.
«غيرت وضعية تلوث الهواء برمتها النقاش بشكل كبير»، وفقا للسيدة يانغ. وأوضحت أن «هناك حيزا سياسيا أرحب لمناقشة تدابير الرقابة».
وضعت بالفعل اثنتا عشرة مقاطعة ومدينة كبرى، بما فيها بكين وشنغهاي، حدودا ثابتة لاستخدام الفحم أو أهدافا للحد من استهلاكه.
وقالت باربرا فينامور، مديرة قسم آسيا بمجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية، إن التهديد الجديد الأكثر إثارة للقلق في جهود الصين الرامية لخفض انبعاثات الكربون يمكن أن يأتي من محطات تحويل الفحم إلى غاز، التي روج لها المسؤولون باعتبارها وسيلة ترمي إلى الحد من تلوث الهواء بالجزيئات.
يمكن لهذه المحطات أن تغذي مدنا كبيرة بالغاز، مما سيخفض من الطلب على الفحم في تلك المدن، ولكن إنتاج الغاز ستنبعث عنه كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون. واقترح تقرير صادر عن منظمة السلام الأخضر بشرق آسيا (غرينبيس) هذا الأسبوع على الحكومات المحلية في الصين إقامة 48 محطة من تلك المحطات، بالإضافة إلى اثنتين تعملان بالفعل.
وأضافت فينامور: «من دون وضع سقف وطني، فهناك خطر حقيقي من أن يؤدي إنتاج الفحم وتلوث الهواء إلى الانتقال إلى أجزاء أخرى من الصين».
ودعت الإدارة الوطنية للطاقة في الصين هذا العام إلى تقديم مقترحات بحثية عن «الحد الأقصى لإجمالي استهلاك الطاقة والفحم لعام 2020، ووضع مسار عملي لتنفيذ ذلك السقف على استهلاك الطاقة والفحم».
واقترحت دراسة حديثة أشرف عليها البروفسور وانغ في الأكاديمية الصينية للعلوم أن الصين تهدف إلى أن يصل أعلى قدر لاستهلاك الفحم في عام 2025 إلى نحو 4.5 مليار طن متري. ولكن يرى بعض الباحثين الصينيين، والأجانب الآخرون، إمكانية الوصول بذروة الاستهلاك إلى مستوى أدنى في وقت أقرب وهو ما يعدونه ضروريا.
وحث هان وينكي، المدير العام لمعهد الدولة لبحوث الطاقة في بكين، في مقالة بحثية، الصين على بدء خفض استهلاك الفحم بحلول عام 2020، قائلا: «إن الاستهلاك الفعلي للفحم هو بالفعل قريب جدا من أربعة مليارات طن، أي عند حدود التحمل للبيئة المحلية».
ويثور جدل مواز حول ما إذا كانت الصين يجب أن تحدد موعدا لبلوغها أعلى ذروة لانبعاثات الكربون، وإذا كان الأمر كذلك، فمتى ينبغي أن يكون ذلك التاريخ. وضغطت حكومات أخرى على الصين من أجل تحديد موعد حتى يتمكنوا من التنبؤ بالمقدار الذي سترتفع إليه مستويات غازات الاحتباس الحراري العالمية.
وحتى الآن، تكافح الحكومة الصينية من أجل القيام بذلك لأسباب من بينها الخوف من أن يصبح الموعد النهائي رهينة المطالب الدولية الشاقة. ولكن رئيس مفاوضين محادثات المناخ الصيني، شيه تشن هوا، قال هذا الشهر إن الحكومة قد «تقترح سنة ذروة انبعاثات الكربون» في النصف الأول من عام 2015، وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا).
واتفقت الحكومات التي تتفاوض حول إبرام معاهدة جديدة بشأن تغير المناخ، على اقتراح مساهمات وطنية للحد من الانبعاثات بوصفها جزءا من الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق في باريس العام المقبل. وتعثرت جهود سابقة بشكل جزئي لأن الصين والبلدان النامية الكبرى الأخرى رفضت قبول دعوات الدول الغنية تطبيق الأهداف الملزمة للحد من الانبعاثات.
وكانت الصين أكبر دولة في العالم ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري منذ عام 2006 تقريبا عندما تخطت الولايات المتحدة، وتشير معظم الأبحاث إلى أنه من المرجح أن تستمر انبعاثاتها في الارتفاع لمدة لا تقل عن عقد آخر، جراء ارتفاع وتيرة التصنيع، مما سيزيد من الثراء ونمو المدن.
إن مجرد تحديد المدة التي سيظل فيها ارتفاع نسبة الانبعاثات لهو سؤال يختلف بشأنه الخبراء، حتى أولئك المقربون من الحكومة.
وقال بان جيا هوا، خبير في الاحترار العالمي وسياسات الغازات الدفيئة في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية في بكين، في مقابلة عبر الهاتف: «هناك جدل كبير بهذا الشأن». وأضاف: «أنا شخصيا أكثر تفاؤلا، وأعتقد أن عام 2025 سيكون أعلى ذروة لانبعاثات الكربون، ولكن آخرين يعتقدون أن هذا غير واقعي ويقولون بأن علينا الانتظار حتى عام 2030 أو أبعد من ذلك».
اتفقت الحكومات، في المحادثات الدولية في كوبنهاغن عام 2009، في محاولة للإبقاء على تركيزات الغازات الدفيئة دون المستويات التي من المرجح أن تتسبب في ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية إلى 3.6 درجة فهرنهايت، أي أعلى من متوسط ما قبل الصناعة الذي سجل خلال هذا القرن.
وعمليا ليس هناك أي دولة تتصرف بالسرعة الكافية لتصبح على المسار الصحيح نحو تحقيق هذا الهدف. وقال نيكولاس هونه، مدير الطاقة وسياسة المناخ بشركة «إيكوفايز» الاستشارية: «حتى لو مضت الدول المتقدمة إلى الأمام نحو خفض انبعاثات الكربون، يجب أن تصل الصين إلى ذروة استخدامها بحلول عام 2025 تقريبا للإبقاء على أمل تحقيق أهداف كوبنهاغن». وقال هو وآخرون إن الصين يمكن أن تحقق ذلك عام 2025 حسب تقديراتهم، إذا طبقت سياسات الصناعة الصحيحة، والضرائب والاستهلاك.
وقال يانغ فو تشيانغ، باحث سابق في مجال الطاقة بالحكومة الصينية وهو الآن مستشار بارز بمجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية في بكين: «إذا كان وضع حد أقصى لاستخدام الفحم سيساعدنا على الوصول إلى أعلى مستويات استخدامه بحلول عام 2020، يمكننا الثقة بأن استخدام ثاني أكسيد الكربون سيصل إلى ذروته عام 2025».
ولكن صرح الكثير من الخبراء في المعاهد الصينية الحكومية بأن الوصول إلى الحد الأقصى للاستخدام في وقت مبكر سيكون محفوفا بمخاطر كبيرة من الناحية الاقتصادية، كما أشارت دراستان صينيتان حديثا إلى أن أي محاولة للقيام بذلك قبل عام 2030 لن يكون عمليا.
وقال وانغ الأستاذ بالأكاديمية الصينية للعلوم: «إذا كنا نريد الوصول إلى الحد الأقصى في الوقت الراهن، يمكن للصين أن تفعل ذلك عن طريق وقف النمو الاقتصادي». وأضاف: «لكن الثمن سيكون خروج الناس العاديين إلى الشوارع».



ارتفاع حاد لسندات لبنان الدولارية مع تفاؤل المستثمرين بالإصلاحات

الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
TT

ارتفاع حاد لسندات لبنان الدولارية مع تفاؤل المستثمرين بالإصلاحات

الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)

ما إن انتخب مجلس النواب اللبناني العماد جوزيف عون رئيساً جديداً للبلاد، بعد أكثر من عامين على الشغور الرئاسي، حتى عززت سندات لبنان الدولارية مكاسبها مسجلةً ارتفاعاً حاداً وسط تفاؤل بإجراء إصلاحات في بلد مزقته الحروب، وأنهكت اقتصاده الذي تناوله عون في خطابه بعد إدلائه بالقسم، حين شدّد على تمسكه الثابت بمبادئ الاقتصاد الحر.

وقد شهدت سندات لبنان الدولية بآجالها كافة، الخميس، ارتفاعاً إلى أكثر من 16 سنتاً للدولار، من حوالي 13 سنتاً يوم الأربعاء، وذلك بعدما كانت وصلت إلى أدنى مستوياتها عند 6.25 سنت في عام 2022، رغم أنها لا تزال أدنى بكثير من أسعار سندات دول أخرى تخلفت عن سداد التزاماتها في العام نفسه.

جوزيف عون يسير بعد انتخابه رئيساً للبنان في مبنى البرلمان ببيروت (رويترز)

وكان لبنان أعلن التخلف عن سداد ديونه في ربيع عام 2020 بعد أن سقط النظام المالي في البلاد في أزمة اقتصادية عميقة في 2019.

وتأتي هذه الزيادة في قيمة السندات في وقت بالغ الحساسية، حيث لا يزال الاقتصاد اللبناني يترنح تحت وطأة تداعيات الانهيار المالي المدمر الذي بدأ في 2019، إذ يواجه أزمة مصرفية ونقدية وسياسية غير مسبوقة استمرت أكثر من ثلاث سنوات، أثرت بشكل عميق على استقراره النقدي، مما جعله واحداً من أكثر البلدان عُرضة للأزمات المالية في المنطقة. ومنذ بداية هذه الأزمة، شهد الاقتصاد انكماشاً حاداً ناهز 40 في المائة، مما أدى إلى تدهور ملحوظ في جميع القطاعات الاقتصادية. كما فقدت الليرة اللبنانية ما يقارب 98 في المائة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، مما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وزيادة معاناتهم. في الوقت نفسه، سجل التضخم معدلات غير مسبوقة، مما زاد من الأعباء المالية على الأسر. وفي الوقت ذاته، خسر المصرف المركزي اللبناني ثلثي احتياطياته من النقد الأجنبي، مما أضعف قدرته على دعم العملة المحلية وضمان استقرارها.

ويرى مراقبون أن الارتفاع القوي لسندات ما يعرف باليوروبوندز ينبع من التفاؤل بأن انتخاب عون رئيساً جديداً سيفتح الباب على تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية مطلوبة بشدة. ويعدون أن هذا من شأنه أن يمهد الطريق لإعادة هيكلة السندات الدولية في نهاية المطاف.

لكن التحدي هو في اختيار رئيس للوزراء، والإسراع في تشكيل حكومة تعمل على تمرير الإصلاحات بالتعاون مع مجلس النواب.

وقال سورين ميرش، مدير المحافظ في «دانسكي بنك» في كوبنهاغن الذي بدأ بشراء السندات اللبنانية في سبتمبر (أيلول): «إذا تمكن لبنان من انتخاب رئيس جديد، فأتوقع أن ترتفع السندات. فانتخاب رئيس يعني على الأرجح تعيين رئيس وزراء، وتشكيل حكومة فعّالة بدلاً من تلك القائمة بالوكالة»، وفق «بلومبرغ».

وتوازياً، شهدت الأسواق اللبنانية حالة من التهافت على شراء الليرة اللبنانية، حيث عدّ كثير من اللبنانيين أن انتخاب عون قد يُشكّل بداية مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي، ما قد ينعكس إيجاباً على العملة المحلية. ومع الآمال التي علّقها البعض على تحسن الوضع الاقتصادي، يتوقع كثيرون أن تشهد الليرة تحسناً مقابل الدولار في ظل التفاؤل الذي صاحب هذه الخطوة السياسية المهمة.

الاقتصاد في خطاب عون

في خطابه الأول بعد انتخابه رئيساً، شدّد عون على تمسكه الثابت بمبادئ الاقتصاد الحر، مؤكداً على أهمية بناء قطاع مصرفي يتمتع بالاستقلالية التامة، بحيث لا يكون الحاكم فيه سوى القوانين. كما بعث برسالة واضحة ومباشرة إلى المواطنين والمودعين، مؤكداً أن حماية أموالهم ستظل على رأس أولوياته، معلناً أنه لن يتهاون في هذا الملف الذي يمثل تحدياً كبيراً.

أعضاء من الجيش اللبناني يقفون خارج فرع «بنك بلوم» في بيروت (رويترز)

وأكد عزمه على بناء علاقات قوية مع الدول العربية، التي تُعد شريكاً رئيساً في إعادة الإعمار، ودعم لبنان اقتصادياً، لا سيما وأن تعزيز هذه العلاقات سيسهم في الحصول على الدعم المالي العربي، وتحفيز النمو من خلال جذب الاستثمارات، وفتح قنوات التعاون مع دول دعمت لبنان في فترات سابقة.

تحديات

إلا أن تحديات كبيرة تواجه الرئيس. فهل سيتمكن عون من تحقيق الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لانتشال لبنان من أزمته الراهنة وتحقيق الاستقرار المالي؟

يتصدر ملف الإصلاحات الاقتصادية أولويات الاستحقاقات الوطنية في لبنان، ويُعد البوابة الأساسية لاستعادة الاستقرار المالي والانطلاق نحو تعافي الاقتصاد المترنح. وتتجاوز أهمية هذه الإصلاحات تحسين الوضع الداخلي، فهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة إعادة الإعمار والحصول على الدعم المالي. وفي هذا السياق، يُتوقع أن يُعاد إحياء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بهدف التوصل إلى اتفاق ينص على تأمين الدعم المالي مقابل التزام الحكومة بحزمة إصلاحات هيكلية ومالية تشمل تحسين إدارة القطاع العام، ومكافحة الفساد، وتحرير الاقتصاد من القيود التي تعرقل نموه. وتُعد هذه الإصلاحات حجر الزاوية في عملية إنقاذ لبنان، حيث تشكل الأساس للحصول على الدعم الدولي بشتى أنواعه.

وفي ظل استمرار لبنان في معركته ضد الدين العام الهائل الذي بلغ نحو 140 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، سيواجه الرئيس الجديد مهمة شاقة تتمثل في إرساء الاستقرار المالي الذي من شأنه أن يعزز الثقة المتجددة في النظام الاقتصادي اللبناني، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الديْن العام، وبدء مفاوضات جادة مع الدائنين.

كذلك ستتجه الأنظار إلى آفاق جديدة في إدارة الاقتصاد اللبناني، لا سيما فيما يتعلق بإعادة استقرار سعر صرف الليرة، التي سجلت اليوم 89 ألف ليرة مقابل دولار واحد، بعد أن كانت عند 1500 ليرة في عام 2019. وتبدي الأوساط الاقتصادية أملاً كبيراً في تحسن الوضع المالي بفضل السياسات النقدية الجديدة التي سيقودها حاكم أصيل لمصرف لبنان. ومن هذا المنطلق، يعد انتخاب عون خطوة محورية نحو تحقيق بيئة سياسية أكثر استقراراً، وهو ما يسهم في تعزيز الثقة في النظام النقدي اللبناني المتأزم.

علاوة على ذلك، تقع على الحكومة المقبلة سياسات مالية تهدف إلى تقليص العجز في الموازنة العامة من خلال تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، وزيادة الإيرادات المحلية. ويُعد التركيز على مكافحة الفساد والتهرب الضريبي من بين الأولويات الرئيسة التي يجب أن تسعى الحكومة إلى تحقيقها في الفترة المقبلة، في خطوة تهدف إلى استعادة الثقة بالمؤسسات الحكومية وتحقيق الشفافية المالية، خاصة وأن مسح البنك الدولي السنوي الأخير عن الحوكمة والإدارة الرشيدة لعام 2024 صنف لبنان في المرتبة 200 عالمياً من أصل 213 دولة، والمرتبة الـ16 بين 20 دولة عربية من حيث فاعلية الحكومة.

إضافة إلى هذه التحديات الاقتصادية العميقة، يواجه عون أيضاً صعوبة في تعزيز البنية التحتية المتدهورة للبلاد، مثل قطاع الكهرباء الذي يُعد من العوامل الأساسية التي تثقل كاهل الدين العام (حوالي 45 مليار دولار من إجمالي قيمة الدين العام)، وتستهلك جزءاً كبيراً من الموارد العامة دون أن تقدم تحسينات ملموسة في الخدمات المقدمة للمواطنين.

احتفالات شعبية بعد انتخاب قائد الجيش اللبناني جوزيف عون رئيساً للبنان (رويترز)

إن لبنان اليوم يقف أمام اختبار اقتصادي بالغ الأهمية في تاريخه الحديث، حيث تأمل البلاد في التغلب على أزماتها الاقتصادية الحادة، مدعومةً بدعم عربي ودولي حيوي يسهم في تحقيق الاستقرار وإعادة البناء.