الألقاب والجوائز لم تفِ ميسي حقه

رغم فوزه بجائزة الكرة الذهبية 5 مرات منذ مشاركته الأولى في عالم الكرة الاحترافية قبل 15 عاماً، لا يزال النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي لم يوفَّ حقه بعد.
في كتابه الجديد «لا شيء حقيقياً»، وهو عبارة عن مجموعة مقالات تغطي مسيرة مهنية ممتدة على مدار خمسة عقود، يبدأ الصحافي الشهير ديفيد هيبوورث المتخصص في تغطية مجال الموسيقى والغناء، بمقال مثير وصادم. وخلال المقال، أعرب هيبوورث عن اعتقاده أن فريق «البيتلز» لم ينالوا حقهم من التقدير.
ربما أثار هذا القول دهشتك بالنظر إلى أنه لا يكاد شهر يمر دون أن يتصدر الفريق الغنائي استطلاع للرأي هنا أو هناك، لكن هيبوورث أكد أن «ثراء الحقبة الذهبية لهذا الفريق لم يظهر لها نظير قط». وشدد الصحافي البارز على أنه: «رغم كل أكاليل الغار التي تُوجت بها جباههم»، تبقى الحقيقة أن عبقرية أفراد هذا الفريق لم تُقدَّر حق تقديرها.
واليوم، حان الوقت للاعتراف بأن القول ذاته ينطبق على الأرجنتيني ليونيل ميسي أيضاً، ذلك أنه رغم كل الأوصاف والإشادات التي تنهال على نجم برشلونة وجوائز «الكرة الذهبية» الخمس التي حصدها منذ مشاركته للمرة الأولى في كرة القدم الاحترافية منذ 15 عاماً عندما كان مراهقاً في مباراة ودية أمام «بورتو»، لا يزال ميسي مفتقداً التقدير المناسب.
في إطار فيلم وثائقي جديد رائع بعنوان «خذ الكرة... مرِّر الكرة» يتناول كيف أصبح «برشلونة» أفضل نادٍ على مستوى العالم، طرح لاعب وسط إسبانيا تشافي وجهة نظر سديدة لتفسير السبب وراء تفوق ميسي على أقرانه. وقال: «إنه يلعب أفضل من أقرانه بالقدم اليمنى وباليسرى وبالرأس. كما أنه أفضل في الدفاع والهجوم. كما أنه أسرع، ويتميز بمهارة أفضل في التحكم بالكرة وتمريرها».
ويسود صمت بعض الوقت مع فقدان تشافي لفترة وجيزة قدرته على إيجاد الكلمات المناسبة. وتدخل المحاور وسأله: «ماذا عن حراسة المرمى؟»، وأجاب تشافي: «لم نجرّبه في حراسة المرمى بعد، لكن على الجميع الحذر إذا ما حاول خوض هذه المهمة أيضاً».
من جانبه، قال صامويل إيتو (نجم الكاميرون وبرشلونة السابق) إنه حذّر نجم فرنسا السابق باتريك فييرا قبل انطلاق بطولة «كأس غوان جامبر» عام 2005 من أنه سيقف في مواجهة صبي سيغيّر تاريخ كرة القدم. وأضاف: «أخبرته أنه ذات يوم سيبدو كأن كل اللاعبين الذين أتوا قبل ميسي كانوا يلعبون رياضة مختلفة تماماً».
من يمكنه اليوم إنكار أن إيتو كان صائباً في رأيه؟ ذات يوم، كانت السمة المميزة للهداف النجم تسجيله هدف كل مباراتين. إلا أن عمر تشودهري، رئيس قسم استخبارات كرة القدم لدى مؤسسة «النادي الـ21» (21 كلوب) الاستشارية البارزة، أوضح أن متوسط الأهداف التي سجلها ميسي بلغ 1.44 هدف في المباراة، ومساعدة في هدف مقابل كل 90 دقيقة لعبها في الدوري الإسباني منذ موسم 2009 - 2010 (باستثناء ركلات الترجيح) -إسهام يكافئ قرابة 3 أهداف كل مباراتين.
ويعد البرتغالي كريستيانو رونالدو ثاني أفضل لاعب على هذا الصعيد (1.21)، وذلك بناءً على أدائه في إسبانيا وإيطاليا، ويأتي من بعده الأوروغواني لويس سواريز (1.12)، ثم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش (0.98)، والبرازيلي نيمار (0.97) في المراكز الخمسة الأولى.
المذهل أن ميسي إما أسهم في إحراز أهداف وإما سجل 46% من مجمل الأهداف التي أحرزها «برشلونة» في الدوري الإسباني الممتاز خلال العقد الماضي (باستثناء ركلات الترجيح). وتكشف هذه الأرقام عن قدرة ميسي المذهلة على تسجيل الأهداف وخلق فرص إحرازها، وكذلك قدرته على الحفاظ على تألقه ولياقته لفترة طويلة. جدير بالذكر أنه داخل بطولات الدوري الخمس الكبرى عالمياً خلال الفترة ذاتها لم يقترب لاعب من مستوى ميسي سوى الإيطالي أنطونيو دي ناتالي (45%، جميعها لصالح أودينيزي)، قبل أن تتراجع الأرقام مع سواريز ورونالدو إلى 39%.
وعليكم الانتباه إلى الفجوة بين ميسي ورونالدو. الحقيقة أنه على امتداد أكثر من عقد حالف الجماهير الحظ بمشاهدة «بيلتز» و«رولينغ ستونز» كرة القدم الحديثة في أوج تألقهما. ومع هذا، فإن هذه البيانات توحي بأنه في الوقت الذي يعد رونالدو نجماً عالمياً، يميل ميسي لأن يكون نجماً من كوكب آخر تماماً.
أيضاً، من بين مهارات ميسي التي لم توفَّ حقها تمريراته للكرة، فمنذ أن بدأت مؤسسة «أوبتا» في جمع مثل هذه البيانات عام 2008، لم يتفوق أي لاعب مهاجم في بطولات الدوري الممتاز الخمس الكبرى عالمياً ممن يحاولون تمرير الكرة باتجاه الأمام داخل الملعب، على ميسي من حيث معدل الإنجاز الناجح للتمريرات. وشرح تشودهري أنه بمعنى آخر يعني ذلك أن ميسي: «لا يحاول فحسب تنفيذ عدد أكبر من التمريرات الصعبة، وإنما كذلك ينجزها على نحو أفضل من أي لاعب آخر في مركزه».
اللافت كذلك أنه لا يهم المكان الذي تقف فيه في مواجهة ميسي، في الواقع واحد من أفضل المشاهد التي وردت في الفيلم الوثائقي سالف الذكر عندما استخدم تشافي أكواباً حمراء وبيضاء ورقائق تورتيلا في شرح كيف جرت الاستعانة بميسي على نحو زائف في مركز اللاعب صاحب القميص رقم 9 على نحو دمّر صفوف «ريال مدريد» عام 2009، وأوضح تشافي أن تلك كانت المرة الأولى التي شارك ميسي في ذلك المركز.
وقال تشافي: «من المتعذر وقف ميسي، إنه يملك موهبة طبيعية لا تمنحها السماء إلا لقلة قليلة مختارة. ربما يظهر لاعب آخر يشبهه في غضون 20 أو 30 عاماً من الآن، لكن اليوم لا يوجد سوى ميسي واحد فقط».
بطبيعة الحال، تبقى النقطة السلبية التي يتحفظ عليها الكثيرون أن ميسي عجز حتى اليوم عن قيادة الأرجنتين إلى كأس العالم. عام 2010 لعب ميسي تحت قيادة المدرب دييغو مارادونا الذي تثير فلسفته في القيادة الدهشة حتى داخل واحدة من جمهوريات الموز (يدرب أحد فرق المكسيك الآن)، بينما في عامي 2014 و2018 خسرت الأرجنتين أمام الدولة التي حصدت في النهاية البطولة. ورغم كل شيء، تبقى كرة القدم في نهاية المطاف لعبة جماعية، مهما بلغت براعة الأفراد.
وفي مقاله، يذكّرنا هيبوورث بأن «البيتلز» كانوا على درجة كافية من الذكاء لإدراك متى ينبغي لهم التوقف عن الغناء، ما يعني الحفاظ على تاريخهم من منحنى الانحسار الحتمي مع مرور الزمن. وقال: «إنك لا تندم قط على مغادرة حفل ما مبكراً، لكنك غالباً ما تندم لبقائك لفترة أطول من اللازم».
بالنسبة إلى ميسي، فإنه ربما لا يكون على ذات القدر من السرعة المبهرة التي كان عليها في وقت مضى، لكنه لا يزال قادراً على تقديم وتيرة أداء مختلفة عن أي لاعب آخر. وما دام ظل قادراً على تسجيل عدد كبير من الأهداف وخلق فرص رائعة لإحراز أخرى، فإن الإجابة عن سؤال: مَن أفضل لاعب في العالم؟ ستبقى كما كانت دوماً على مدار عقد كامل: ميسي.