ليلة السابع والعشرين من رمضان الجاري لم تكن مثل كل الليالي من شهر رمضان في الأعوام السابقة في قطاع غزة، مئات الآلاف من السكان كانوا يخرجون في الليالي العشر الأخيرة وخاصة ليلة 27 من الشهر المبارك إلى المساجد بهدف الاعتكاف والقيام.
يمر رمضان هذا العام على غزة حزينا، حتى باتت المساجد يتيمة لا مصلين فيها، بعد أن مس الاحتلال بالبشر والشجر والحجر ولم يبق شيء إلا وقد أصابته الصواريخ حتى دور العبادة التي طالها القصف متعمدا فدمر عددا كبيرا منها وأحدث أضرارا بعدد أكبر.
كنت في مثل هذه الليالي المباركة أمضي بعيدا عن حياتي الاعتيادية وأعمالي اليومية، وينطبق هذا على عشرات الآلاف من سكان القطاع الذين يحبذون قضاء تلك الأيام في مزيد من العبادة والتهجد إلى الله، يجدون في المساجد ملاذا آمنا لقلوبهم التي تطمئن تحت ظلال القرآن وروح المساجد.
تمتلئ المساجد في مثل هذه الأيام عن بكرة أبيها فلا تجد مكانا تضع فيه قدميك، نعيش أجواء إيمانية لا مثيل لها، لكن كل ذلك بات من الذاكرة.
اعتدت في مثل هذه الأيام على سماع صوت الشيخ «إبراهيم» إمام المسجد القريب من بيتي وهو يؤم المصلين ويدعو بالفرج لأهل فلسطين دون أن ينسى جراحات العرب والمسلمين، وهو يبتهل إلى الله مرددا بصوته الحزين والدموع تملأ وجنتيه، بربط الصبر على قلوب أهالي الشهداء والأسرى وإيواء اليتامى والمساكين ورفع الحصار القاتل عن مرضى غزة.
كل ذلك افتقدته هذا العام كما افتقده كافة الفلسطينيين في غزة الذين باتوا عرضة للقتل بلا حساب، فلا يسلم أحدٌ خارج من بيته إلى المسجد، وإن سلم في طريقه لن يسلم من أن يغدر الاحتلال ويغير على المسجد الذي يكون بداخله. فكل ذلك ليس من مشهد يُوحي إلي بقدر ما هو صورة من مشاهد مؤلمة قد وقعت، كما حصل قبيل وبعد صلاة اليوم (أمس) الجمعة في حي الزيتون وخان يونس وغيرهما من المناطق.
بالتأكيد سأشتاق لمسجد حارتي الذي قصفت مئذنته وأغلق بفعل الخوف أن يقوم الاحتلال بتدميره كاملا، سأشتاق لرمضان المقبل كما باقي الفلسطينيين أملا في أن نحياه بأجوائه الجميلة المميزة. عاشت المساجد ليلتها ويومها في حزن ويتم لم تشهد له من قبل مثيلا.
يوميات مراسل من غزة: مساجد بلا مصلين
يوميات مراسل من غزة: مساجد بلا مصلين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة