تهدئة في غزة بعد يومين من المواجهة

اتصالات مصرية ونرويجية مكثفة أفضت إليها بعد مئات الصواريخ والغارات

ركام مبنى فضائية «الأقصى» التابعة لحركة حماس بعد قصفه جواً وتدميره (إ.ب.أ)
ركام مبنى فضائية «الأقصى» التابعة لحركة حماس بعد قصفه جواً وتدميره (إ.ب.أ)
TT

تهدئة في غزة بعد يومين من المواجهة

ركام مبنى فضائية «الأقصى» التابعة لحركة حماس بعد قصفه جواً وتدميره (إ.ب.أ)
ركام مبنى فضائية «الأقصى» التابعة لحركة حماس بعد قصفه جواً وتدميره (إ.ب.أ)

وصلت جولة التصعيد الكبيرة بين إسرائيل و«حماس» إلى نهايتها أمس، مع إعلان التوصل إلى وقف إطلاق نار رعته مصر. وأعلنت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة في بيان مقتضب، أن «جهوداً مصرية أسفرت عن تثبيت وقف إطلاق النار بين المقاومة والاحتلال، وأن المقاومة ستلتزم بهذا الإعلان ما دام التزم به الاحتلال».
وفي إسرائيل لم يعلق أي مسؤول إسرائيلي فوراً على إعلان «حماس» و«الجهاد» والفصائل الأخرى حول وقف النار، لكنّ مصدراً سياسياً إسرائيلياً رسمياً قال، لاحقاً، في بيان وزّعه مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إن «إسرائيل تحتفظ بحرية العمل. (حماس) طلبت التهدئة من 4 وسطاء مختلفين، ونحن كان ردنا أن ذلك مرتبط بالوضع الميداني».
وجاء إعلان وقف النار بعد يومين من تصعيد خطير، شهد الجولة الأعنف من القتال، منذ انتهاء حرب 2014 التي استمرت 51 يوماً.
وقبل الإعلان بقليل، أعطت «حماس» وإسرائيل مؤشرات على إمكانية وقف إطلاق النار، بعد تهديد ووعيد.
وقال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، في تصريح مقتضب أمس، إنه «في حال توقف الاحتلال عن عدوانه، يمكن العودة إلى تفاهمات وقف إطلاق النار». مضيفاً: «لقد دافعت المقاومة عن شعبها ونفسها أمام العدوان الإسرائيلي، وشعبنا الفلسطيني كعادته احتضن المقاومة بكثير من الصبر والفخر».
جاء تصريح هنية بعد قليل من إعلان المجلس الأمني والسياسي الإسرائيلي المصغر «الكابنيت»، أنه أوعز إلى الجيش بمواصلة العمليات في قطاع غزة «حسب الضرورة»، في مؤشر إلى إمكانية التراجع.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، إن محاولات مصرية حثيثة وأخرى أممية تواصلت لمدة 48 ساعة، من أجل التوصل إلى اتفاق وقف النار، وضغطت بكل الاتجاهات من أجل تجنيب القطاع حرباً جديدة.
وحسب المصادر، فإن الاتصالات كانت صعبة ومعقدة، وانتكست في أحيان كثيرة، في ذروة القصف المتبادل.
وأكدت المصادر أن الفصائل الفلسطينية وإسرائيل تجاهلوا بدايةً هذه الاتصالات، ثم تجاوبت «حماس» في قطاع غزة فيما استمرت إسرائيل في التجاهل لفترة أطول، قبل أن تعود وتستجيب.
ووافقت «حماس» منذ ظهر أمس، على منح الجهود المصرية فرصة من أجل انتزاع موافقة إسرائيلية على وقف إطلاق النار، لكنها كانت مرهونة بتصرف إسرائيل التي اشترطت، في النهاية، وقف الهجمات من غزة.
وشاركت النرويج بشكل فاعل في الوساطات وكذلك المبعوث الأممي ميلادينوف، وقطر.
وقالت مصادر إسرائيلية، إن المبعوث النرويجي للشرق الأوسط، نقل رسائل لـ«حماس»، بأنه إذا لم يجرِ وقف إطلاق الصواريخ، فإن إمدادات الوقود لمحطة الكهرباء التي تدعم النرويج جزءاً منها ستتوقف. وحسب المصادر، فإن المبعوث النرويجي تلقى رسائل من «حماس» حول رغبتها في التهدئة.
والاتفاق تم في نهاية يوم شهد قصفاً متبادلاً بين الطرفين. وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي يونتان كورنيكوس، إنه بعد يومين من القصف الشديد على غزة، دمّر الجيش أكثر من 150 هدفاً عسكرياً، تشمل «أهدافاً استراتيجية مهمة».
وركزت إسرائيل هذه المرة، على قصف أهداف قيّمة بالنسبة إلى «حماس» ولها تأثير نفسي. وشملت مباني كبيرة، بينها مبنى قناة «الأقصى» التابعة لـ«حماس»، ومقر جهاز الأمن الداخلي، ومجمع وزارات، ومبنى قالت إسرائيل إنه تابع لاستخبارات الحركة. وهدد كورنيكوس بأنه «يوجد احتمال كبير لإصابة أهداف إضافية».
وقال كورونيكس: «لقد أوصلنا لـ(حماس). لدينا المعلومات الاستخباراتية والقدرات لقصف عدة أهداف عسكرية تابعة لها».
وتسببت الغارات الإسرائيلية بقتل 7 فلسطينيين وإصابة 25 آخرين، ما يرفع عدد الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل في غضون 48 ساعة إلى 14. بينهم 7 في عملية خاصة فاشلة، قُتل فيها ضابط إسرائيلي رفيع، وكانت شرارة هذا التصعيد والتهديد الإسرائيلي بتصعيد في غزة، جاء قبل أن تعلن التهدئة، قابله تهديد فلسطيني بتوسيع دائرة النار.
وأطلقت الفصائل الفلسطينية نحو 400 صاروخ وقذيفة، خلال اليومين الماضيين، باتجاه مستوطنات وبلدات إسرائيلية قريبة من الحدود، مجبرةً عشرات آلاف الإسرائيليين في الجنوب، على البقاء بالقرب من الملاجئ.
وشكّل هذا العدد من الصواريخ، ضعف ما أُطلق منها في أي حرب سابقة.
وأدت الهجمات الفلسطينية إلى مقتل شخص واحد (عامل عربي) وإصابة 85 إسرائيلياً بجروح متفاوتة، وُصفت حالة اثنين منهم بالخطيرة. وكان من بينهم جندي أُصيب بشظايا قذيفة صاروخية استهدفت حافلة إسرائيلية.
وهدد ناطق باسم الجناح العسكري لحركة «حماس»، بإطلاق صواريخ باتجاه مناطق إسرائيلية أبعد عن القطاع، في حال استمرار القتال، مضيفاً: «سيكون نحو مليون صهيوني داخل نطاق صواريخنا، في حال قرار العدو الصهيوني متابعة عدوانه».
وقال ناطق آخر باسم الحركة، إن مدينتي «أسدود وبئر السبع هما الهدف التالي». وبعد كل هذه التهديدات نجحت مصر في إعلان تهدئة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».