السودان يحاصر عمليات غسل الأموال في سوق العقار

من خلال عدد من الإجراءات المشددة وعدم قبول الشراء النقدي

انعكس قرار قصر التعامل في شراء وبيع العقارات والسيارات على الشيكات المصرفية المعتمدة على سوق العقارات في السودان فارتفعت الأسعار 5 % («الشرق الأوسط»)
انعكس قرار قصر التعامل في شراء وبيع العقارات والسيارات على الشيكات المصرفية المعتمدة على سوق العقارات في السودان فارتفعت الأسعار 5 % («الشرق الأوسط»)
TT

السودان يحاصر عمليات غسل الأموال في سوق العقار

انعكس قرار قصر التعامل في شراء وبيع العقارات والسيارات على الشيكات المصرفية المعتمدة على سوق العقارات في السودان فارتفعت الأسعار 5 % («الشرق الأوسط»)
انعكس قرار قصر التعامل في شراء وبيع العقارات والسيارات على الشيكات المصرفية المعتمدة على سوق العقارات في السودان فارتفعت الأسعار 5 % («الشرق الأوسط»)

يعول السودان على الإجراءات الأخيرة بقصر التعامل على الشيكات المصرفية في تجارة العقارات والسيارات، في الحد من انتشار عمليات غسل الأموال في السوق العقارية بالبلاد. وقررت الهيئة القضائية السودانية الأسبوع الماضي، ألا يتم أي تعامل في شراء وبيع العقارات والسيارات، إلا بموجب شيك مصرفي معتمد، وليس نقدا كما كان يحدث في السابق.
وسرعان ما انعكس القرار على سوق العقارات في السودان؛ حيث ارتفعت الأسعار بنحو 5 في المائة، وتجاوز سعر المتر في بعض الأحياء 100 ألف جنيه (نحو 2000 دولار). وتتجاوز قضايا غسل الأموال المنظورة في السودان منذ العام الماضي 130 بلاغا، وانتشرت الظاهرة خلال العامين الماضيين بكثافة في قطاع العقارات، الذي يغيب عنه الدور الرقابي من الجهات المعنية، والتنسيق في الإجراءات بين جهات الاختصاص، لاتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب.
واعتبر الدكتور حيدر عباس أبو شام، مدير وحدة المعلومات المالية في اللجنة السودانية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أمس، أن قرار السلطة القضائية الأخير، بقصر التعامل على الشيكات المصرفية في تجارة العقارات، تخدم إجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وقال حيدر إن هذه القواعد من شأنها المساهمة في مكافحة غسل الأموال، من خلال عدم استغلال هذا القطاع في هذا النشاط المحرم؛ حيث يعزز القرار ويقوي الدور الرقابي للدولة، من خلال التعرف على هوية المتعاملين بيعا وشراء، وكذلك المستفيد الحقيقي.
وأضاف أن القرار يشكل حماية للاقتصاد الوطني من تهديدات غسل الأموال؛ حيث يتيح حماية النظام المالي والأعمال المهنية غير المالية، من خلال تنسيق الإجراءات بين كافة الجهات، كما يعزز الشفافية في التعاملات المصرفية، وينشر ثقافة التعامل مع البنوك، ويقلل التعامل بالنقد الأجنبي والمحلي.
وأوضح العميد حيدر أبو شام، أنه رغم التنظيم والرقابة المشددة على البنوك في السودان، فإنه يتم استخدامها في عمليات غسل الأموال، كما يحدث في كل دول العالم، مبيناً أن أكثر القطاعات خطورة في غسل الأموال في البلاد، هي العقارات، تليها تجارتا الذهب والعربات، بجانب قطاعات تجارية أخرى، معددا أسباب ذلك إلى عدم وجود جهة تنظيمية ورقابية عليها، وما يتوفر من أجهزة رقابية في تنظيمات الذهب والعقارات، يعتبر ضعيفا وغير فعال، بجانب أن حجم النشاط والقيمة في هذه القطاعات وكذلك عدد المتعاملين، غير معروف.
وأعلنت الغرفة القومية للعقارات والشقق المفروشة في السودان، أول من أمس، عن وضع ضوابط تنظيمية لتنفيذ قرار السلطة القضائية، بأن تكون جميع المعاملات المالية العقارية عن طريق الشيكات المصرفية.
وعممت الغرفة العقارية، وفقا لرئيسها خالد ياسين شرف الدين، أمس، منشورا على جميع منسوبيها بالمكاتب العقارية والشقق المفروشة في السودان، تلزمهم باتباع الضوابط التنظيمية والرقابية الجديدة، كاشفاً عن تشكيل لجان للإشراف والمتابعة لإنفاذ الضوابط المشار إليها بالخرطوم والولايات.
وأكد شرف الدين شروعهم في اتباع نظام الشيك المصرفي في جميع المعاملات المالية، وإلغاء التعاملات النقدية، مشيرا إلى أن القرار يحد من الجرائم المتعلقة بالأموال، ويحفظ حقوق المالك والمستفيد.
وأضاف شرف الدين أن غرفة المكاتب العقارية والشقق المفروشة ستحاسب كل مكتب عقاري، لا يلتزم بهذه الضوابط عند مباشرته التوسط، سواء من جانب البائع أو المشتري، مشيرا إلى أن الغرفة ستتخذ كل ما من شأنه تطبيق قواعد التوثيقات الجديدة، ومراقبته باعتباره أمرا قضائيا واجب النفاذ.
واعتبرت الغرفة أن القرار يؤدي إلى ضبط المقابل في المعاملات العقارية، ويضمن انتقال الكتل النقدية داخل إطارها الاقتصادي السليم، كما أنه يسهم في الحد من الجرائم المتعلقة بالكتلة النقدية، وبالسيولة المتحركة خارج المصارف.
واتخذ السودان العام الماضي إجراءات احترازية لمنع استغلال تجارة العقارات في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفقا للمتطلبات الدولية، وذلك بعد تنامي العائدات المتحصلة بهذا الأسلوب، والتي بلغت ملايين الدولارات.
وتشمل تلك الإجراءات تأسيس قسم رقابي داخل الغرفة التجارية للمكاتب العقارية، لتبادل المعلومات مع السلطات المختصة، وإلزام وكلاء العقارات للاحتفاظ بالسجلات والإبلاغ عن العمليات المشبوهة، وتأسيس قاعدة بيانات لكافة أنواع العقارات في البلاد، بما في ذلك قيمة العقارات، بجانب تأسيس وحدات وأفرع لغرفة العقارات بالولايات.
وأعد السودان نظاما عمليا في مجال السمسرة؛ حيث يستوعب قطاع سوق العقارات في السودان استثمارات تفوق ملايين الدولارات، ويعتبرها كثيرون مخزنا حافظا لقيمة النقود، فالمواطن السوداني يعتبر ولوج الاستثمار العقاري أو الذهب الوسيلتين الآمنتين لحفظ الثروة من التآكل، مما يجعل هذا القطاع مقصدا لجرائم متعددة على رأسها غسل الأموال.
وتعتبر عمليات شراء عدد من العقارات بأكبر من قيمتها الحقيقية، وإعادة بيعها بقيمة أقل بشكل سريع ومن دون مبرر، أبرز المؤشرات التي يقاس بها استغلال العقار في غسل الأموال، كذلك شراء أو بيع العقار بشكل متكرر خلال فترة قصيرة، والشراء بأسماء آخرين، إضافة إلى قيام أجانب بشراء عقارات داخل الدولة، وبيعها بشكل سريع وتحويل الأموال إلى الخارج، مع تكرار هذه العملية أكثر من مرة.
ويعد عدم حصول بعض المتعاملين في القطاع العقاري على التراخيص الرسمية لمزاولة المهنة، وقيام البعض بإجراء عمليات بيع بشكل مباشر بين البائع والمشتري من دون وسيط، من أكبر أسباب عمليات غسل الأموال؛ حيث يصعب التعرف على المستفيد وإثبات الملكية ومتابعتها.
وأنعشت خطوة السماح باستخدام وسائل الدفع الإلكتروني في معاملات العقارات، بعد أن كشفت تقارير عن أن أزمة السيولة النقدية في السودان، الممتدة منذ ستة أشهر، خدمات الدفع الإلكتروني في البلاد. وارتفعت أعداد المتعاملين مع خدمات الدفع الإلكتروني عبر الهاتف الجوال إلى 6 ملايين شخص، وزاد عدد نقاط البيع الإلكتروني، لتصل من 3500 نقطة، إلى أكثر من 10 آلاف نقطة بيع حاليا.
ويصل سعر المتر في بعض المواقع بالخرطوم، البالغ سكانها نحو 10 ملايين نسمة، إلى نحو 1500 دولار، متجاوزاً سعر المتر في أكبر العواصم العالمية مثل لندن. وتقدر حجم الفجوة السكنية في الخرطوم بنحو مليونين ونصف المليون وحدة سكنية. وتعهد الاتحاد التركي للاستثمار العقاري والتجاري «الموصياد»، ببناء 20 ألف وحدة سكنية، لتغطية جانب من هذه الفجوة، وفقاً لاتفاقية بين البلدين.



تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».