أحيت دول عدة أمس الذكرى المئوية لاتفاق الهدنة الذي أنهى الحرب العالمية الأولى بمراسم تنوعت بين عروض ضوئية استخدمت التكنولوجيا المتقدمة وتجمعات خيّم عليها الحزن لتكريم قدامى المحاربين.
ففي الولايات المتحدة أقيمت مراسم في مختلف أنحاء البلاد حيث وضعت أكاليل الزهور على النصب التذكارية، كما قرعت الأجراس في تناغم تكريماً للسلام. وأقامت كاتدرائية واشنطن الوطنية مراسم تجمع بين الأديان المختلفة إحياء لذكرى 4.7 مليون أميركي خاضوا الحرب العالمية الأولى، وتكريماً لدور الجيش الأميركي في حفظ السلام والحرية منذ ذلك الحين.
وكان من أكثر المراسم لفتاً للأنظار عرض ضوئي ضخم في متحف الحرب في كانساس حيث غطت الأضواء نصباً تذكارية بـ5 آلاف زهرة خشخاش. وترمز تلك الزهرة إلى تذكر ضحايا الحرب بعد أن شاهدها الطبيب الكندي اللفتنانت جون ماكريه خلال الحرب العالمية الأولى وهي تزهر في ساحة إحدى المعارك في بلجيكا، ما ألهمه لكتابة القصيدة الشهيرة «في حقول الفلاندرز» (إن فلاندرز فيلدز). ويستمر العرض الضوئي 9 ليال متعاقبة حتى يوم الاحتفال بقدامى المحاربين إحياء لذكرى 9 ملايين جندي قتلوا على مستوى العالم في الحرب العالمية الأولى التي وضعت أوزارها عام 1918.
وراح ما يربو على 100 ألف أميركي ضحية الحرب العالمية الأولى بعد أن أعلنت الولايات المتحدة الحرب على ألمانيا في 6 أبريل (نيسان) 1917، ما زج بالبلاد في صراع عالمي. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة دخلت الحرب في مرحلة متأخرة، فإن كثيرا من الأميركيين اعترضوا على قرار الانضمام للحلفاء (وهم بريطانيا وفرنسا وروسيا)، إذ رأى البعض أنها معركة لا نهاية لها بين خصوم أوروبيين منذ وقت طويل.
وقال ماثيو نايلور الرئيس التنفيذي للمتحف الوطني للحرب العالمية الأولى في كانساس سيتي بولاية ميزوري، إن الدروس المستفادة من الحرب العالمية الأولى لها صلة بالأوضاع الراهنة في العالم أكثر من أي وقت مضى. وقال في بيان: «في عالم تتنامى فيه العولمة والتطرف والتوترات بين الدول... من الواضح أن دروس الحرب العالمية مستمرة إلى يومنا هذا». وتابع قائلا، في إشارة للعام الذي اندلعت فيه الحرب: «يشبه العالم اليوم ما كان عليه الحال عام 1914 أكثر من أي وقت مضى طيلة 104 أعوام، وبينما نحيي الذكرى المئوية لاتفاق الهدنة، من المهم ألا نسير دون وعي صوب الكارثة».
كذلك، أحيت دول أخرى على غرار الهند وأستراليا ونيوزيلندا أمس ذكرى انتهاء الحرب العالمية الأولى التي قتل فيها أكثر من 150 ألفاً من مواطنيهم، في معارك بالجانب الآخر من العالم. وفي مراسم احتفالية بسيطة من ويلينغتون إلى نيودلهي، أشادت حشود المشاركين بالجنود والنساء الذين ضحوا بحياتهم في الحرب العالمية الدامية التي قتل فيها 10 ملايين مقاتل وملايين الضحايا الآخرين من المدنيين. ووجّه قادة دول الكومنولث، التي انتشرت قواتها في جميع أرجاء العالم قبل 100 عام، أيضًا رسالة سلام وأمل للعالم في القرن الجديد.
وكتب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على «تويتر» أمس: «لم تكن هذه حرب تشارك فيها الهند بشكل مباشر، إلا أنّ جنودنا خاضوا الحرب في العالم من أجل قضية السلام». وقدم جندي اسكوتلندي بالزي الرسمي عرضاً في مقبرة الحرب في دلهي، حيث تتشابك القطيفة، وهي زهرة رمزية في الهند، مع نوع من القماش يتم ارتداؤه عادة لتذكر المجزرة في أوروبا وخارجها.
وتأتي الذكرى المئوية في الوقت الذي تسعى فيه الهند، التي كانت حينذاك مستعمرة بريطانية، للحصول على اعتراف أكبر بمساهمتها بـ1.3 مليون جندي في الجهود العسكرية للحلفاء، خصوصا أنّ 74 ألف جندي لم يعودوا يوما إلى ديارهم.
وفي كانبيرا، تحدث رئيس الوزراء سكوت موريسون عن التضحية الكبرى التي قدمها الأستراليون في ساحات المعارك المهولة في أماكن بعيدة مثل فروميل في شمال فرنسا. وأبلغ موريسون الآلاف من الناس الذين تجمعوا في الاحتفال باليوم الوطني للذكرى: «من أجل الغد الخاص بنا، قدموا حاضرهم. في صمت، نلزم أنفسنا بالوقوف إلى جانب أولئك الذين عادوا إلى ديارهم». ومن بين أكثر من 400 ألف من مواطني الاتحاد الأسترالي الذين جندوا في الحرب، خدم أكثر من 300 ألف في الخارج، وقتل نحو 62 ألفا منهم في الخنادق. وقتل أكثر من 10 آلاف جندي من الفيلق العسكري الأسترالي النيوزيلندي (المعروف اختصارا باسم أنزاك) خلال معركة غاليبولي في شبه جزيرة غاليبولي التركية، وهي حملة عسكرية فاشلة أسفرت عن بناء إرث من الشجاعة والصداقة الوثيقة بين البلدين الواقعين في قلب المحيط الهادئ.
وأحيا الأستراليون والنيوزيلنديون الذين قاتلوا للمرة الأولى تحت علمهم الوطني، أمس، معركة غاليبولي كواحد من الأحداث المؤسسة لبلديهم. وبدأ إحياء ذكرى الحرب في نيوزيلندا بدقيقتين من الصمت في تمام الساعة 11:00 (توقيت بدء سريان الهدنة)، وأطلقت المدافع 100 طلقة من مدافع عتيقة على مرفأ ويلينغتون البحري، فيما دوّت هتافات المشاركين مع قرع أجراس الكنائس وإطلاق خدمات الطوارئ صفارات الإنذار الخاصة بهم وإطلاق أبواق السيارات والسفن.
وحضرت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن تجمعا كنسيا في النصب التذكارية للحرب الوطنية في ويلينغتون، حيث استرجعت أنّ «موجة من الابتهاج التلقائي والأمل اجتاح نيوزيلندا حين وصلت أنباء (إبرام) الهدنة» قبل 100 عام.
وشارك أكثر من 100 ألف من مواطني نيوزيلندا (وهم يمثلون نحو 10 في المائة من سكان البلاد آنذاك)، في القتال خارج الأرخبيل أثناء الحرب. وقد قضي منهم 18300 شخص. وقالت مديرة برنامج الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى سارة دافيز لوكالة الصحافة الفرنسية: «الحرب تركت آثارها على كل أسرة ومجتمع في نيوزيلندا».
وأسفر هذا النزاع الدامي الذي استمر من يونيو (حزيران) 1914 إلى 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1918 عن مقتل 10 ملايين مقاتل وملايين الضحايا الآخرين من المدنيين، وقد غيّر خريطة أوروبا وأسقط 3 إمبراطوريات وأدى إلى الثورة السوفياتية وحمل في طياته بذور الحرب العالمية الثانية. وبعد 4 سنوات من الحرب الضروس، وقّع الألمان اتفاق الهدنة في عربة قطار. وعند الساعة 11.00 تماماً دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وانتهت الحرب العالمية الأولى.
وفي لندن، انضم الرئيس الألماني فرانك - فالتر شتاينماير إلى أفراد الأسرة المالكة البريطانية أمس لإحياء ذكرى من قتلوا أو جرحوا في الحرب العالمية الأولى، بينما وقف الملايين دقيقتي صمت في الذكرى. وقاد الأمير تشارلز بلده في يوم الذكرى ووضع إكليلاً من الزهور بدلاً من والدته الملكة إليزابيث التي شاهدت الاحتفال المقام عند قبر الجندي المجهول في لندن من شرفة وزارة الخارجية. وغاب الأمير فيليب عن المناسبة. ولأول مرة حذا شتاينماير حذو الأمير تشارلز في وضع إكليل من الزهور فيما وصفته الحكومة بأنها خطوة تاريخية للمصالحة. ووضع الأميران ويليام وهاري ورئيسة الوزراء تيريزا ماي وزعيم حزب العمال المعارض جيرمي كوربين أكاليل زهور كذلك.
دول تحيي ذكرى انتهاء الحرب بالزهور وأجراس السلام
عروض ضوئية في أميركا... واحتفالات بسيطة في نيوزيلندا والهند وأستراليا... والرئيس الألماني أحيا المناسبة رفقة العائلة المالكة البريطانية
دول تحيي ذكرى انتهاء الحرب بالزهور وأجراس السلام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة