نظرة على هجوم «داعش» على واحة الفقهاء في ليبيا

تحول مفروض في الاستراتيجية القتالية

قوات تابعة لـ«الجيش الوطني» الموالي لحفتر تتصدى للمتطرفين في طرابلس العام الماضي (رويترز)
قوات تابعة لـ«الجيش الوطني» الموالي لحفتر تتصدى للمتطرفين في طرابلس العام الماضي (رويترز)
TT

نظرة على هجوم «داعش» على واحة الفقهاء في ليبيا

قوات تابعة لـ«الجيش الوطني» الموالي لحفتر تتصدى للمتطرفين في طرابلس العام الماضي (رويترز)
قوات تابعة لـ«الجيش الوطني» الموالي لحفتر تتصدى للمتطرفين في طرابلس العام الماضي (رويترز)

خلف الهجوم الإرهابي الذي شنه تنظيم داعش الإرهابي، نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بواحة الفقهاء، والذي أوقع 5 قتلى و10 مخطوفين، في صفوف القوات الأمنية الليبية. ومثل هذه العمليات مؤشر واضح على احتفاظ فرع ليبيا من «جماعة البغدادي»، على قدرة مهمة في زعزعة الاستقرار؛ ليس فقط بمنطقة الجفرة، وإنما في عموم الجنوب الليبي. كذلك يؤكد الهجوم المباغت، على تمتع «دواعش» ليبيا بصمود تنظيمي، واستغلال ذكي للمجال الجغرافي (الجبال والأودية)، لتأمين العناصر المجندة؛ وخلق مناطق آمنة ينطلق منها التنظيم لفرض سياسته الجديدة المعتمدة على الهجوم والاختفاء.
بالتالي يؤكد أيضا التخلي عمليا عن استراتيجية بناء الإمارة بالسيطرة المستمرة على المناطق والمدن، والتي اعتمدها التنظيم، ما بين سنة 2014 و2017؛ وانتهت بهزيمة قاسية للتنظيم وخروجه من مدينة درنة، ثم سرت الاستراتيجية في ديسمبر (كانون الأول) 2016. بعد معركة دامت ثمانية أشهر مع قوات «البنيان المرصوص»، التابعة لحكومة الوفاق الوطني.

سياق رسالة الهجوم
يأتي هذا الهجوم، في سياق مواجهات عسكرية مفتوحة بالجنوب الليبي. هذه المعركة الدائرة بين قوى المعارضة التشادية المتمركزة داخل التراب الليبي، وبين «الجيش الوطني» الموالي للمشير خليفة حفتر مسنودا بقوى قبائلية بالجنوب. كما يأتي هذا الهجوم في الوقت الذي يزداد فيه نشاط الطائرات الأميركية من دون طيار، انطلاقا من قاعدة أغاديز في النيجر؛ والذي يهم مراقبة تحركات «داعش» و«القاعدة»، وشن الهجمات عليهما، لعرقلة نشاطهما في الجنوب الليبي، والحدود التشادية.
غير أن «داعش» ليبيا، أثبت طيلة أربع سنوات من عمره القتالي، أنه تنظيم مرن ومتكيف ومستوعب لنتائج الحرب الأهلية؛ والتمزق السياسي والجغرافي بالبلد. كما أثبت فرع تنظيم أبو بكر البغدادي بليبيا، أن هزيمته في سرت سنة 2017. وفي درنة في أبريل (نيسان) 2016. لا تعنيان موت التنظيم؛ بل تعني تحولا في الاستراتيجية القتالية، واعتمادا تكتيكيا على الاستنزاف، وإرباك الوضع الأمني، وتركيزا وترتيبا جديدين على أهداف بعينها.
ويتضح فعلا أن فرع تنظيم «داعش ليبيا»، يتبنى أيضا استراتيجية تبقيه حاضرا بقوة على المشهد السياسي والأمني الليبي. ففي تبني التنظيم للهجوم على واحة الفقهاء؛ أكد في بيان أصدره عقب الحادث، أنه سيطر على البلدة لعدة ساعات، ونفذ هجوما انتحاريا بانغماسي، ضد «الجيش الوطني الليبي». كما أشار البيان إلى أن عناصر التنظيم اقتحموا «مركز شرطة البلدة وأحرقوه»، وعددا من المنازل بالمنطقة بحثا عن «مرتدين من الجيش والشرطة والصحوات والجواسيس». ويمكن القول إن هذا التحول العملياتي المركز، دشنه التنظيم بالهجوم الإرهابي على مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بتاريخ 3‏ مايو (أيار) ‏2018.
من جانب آخر، يمكن التأكيد على أن هذا التحول في السياسة الإرهابية للتنظيم خاصة بالجنوب؛ هو تكيف مع الوضع الجديد الذي فرضه السياق الدولي لمحاربة الإرهاب؛ خاصة دور القوات الخاصة على الأرض، والمراقبة والهجمات الأميركية بطائرة «درون» من دون طيار، التي تنطلق من قاعدة أغادير بالنيجر. فقد شنت وحدات «أفريكوم» الأميركية، عدة هجمات على مراكز «للقاعدة» و«داعش» بالجنوب الليبي، شملت منذ مارس (آذار) 2018 عدة مناطق، مثل مدينة أوباري. كما شنت في سبتمبر (أيلول) 2017، غارتين جويتين قضتا على 17 عنصرا من التنظيم الإرهابي «داعش» في منطقة إلى جنوب سرت، وغير بعيد عن مدينة الجفرة.
كما أن هناك قوات خاصة أميركية لمكافحة الإرهاب، حلت بالبلد منذ أغسطس (آب) 2016؛ بغية تقديم الدعم اللوجيستي للقوات التي تقاتل تنظيم داعش. وسبق لهذه القوات الخاصة الأميركية أن اعتقلت عناصر من «أنصار الشريعة» داخل الأراضي الليبية. فقد أكد الرئيس دونالد ترمب بتاريخ 31 أكتوبر 2017 أن القوات الخاصة، ألقت القبض على مصطفى الإمام بليبيا، بتهمة لضلوع في الهجوم الذي تعرضت له قنصلية بلاده في بنغازي سنة 2012؛ وأنه سيحاكم أمام القضاء الأميركي. وهكذا يلقى مصطفى، نفس مصير أبو ختالة الذي تم اعتقاله، من طرف قوات أميركية داخل ليبيا منذ نحو ثلاث سنوات.
السياق التنظيمي
نظرا لطبيعة العملية والتي تمت بانتحاري وسيطرة مؤقتة وتمشيط للمكان وخطف 10 أشخاص، يرجح أنهم من القوات الأمنية؛ يمكن القول إن وعي تنظيم داعش بمحيطه المحلي، يلعب دورا مهما في استمراره. ذلك أن اعتقال القيادي جمعة القرقعي في منطقة الفقهاء يوم 16 أكتوبر 2018. من طرف الكتيبة 128 التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي الموالية للمشير حفتر؛ زادت من إحساس التنظيم بضرورة تأمين المحيط القريب، أخذا بعين الاعتبار الولاءات القبلية والعسكرية للمنطقة.
كذلك، يمكن تفسير رد فعل «داعش» وهجومه على واحة الفقهاء؛ بالضربة القاسية التي تلقاها التنظيم بالمنطقة. فقد تمكنت القوات العسكرية الليبية من اعتقال القياديين الفيتوري والقرقعي، في منطقة غير بعيدة عن واحة الفقهاء؛ ما يشكل انتصارا آخر على التنظيم الإرهابي، وقدرة أمنية للجيش على الحد من تحركات التنظيم.
بالنسبة للتنظيم فإن القرقعي المكنى «أبو الليث» (30 سنة)، هو عنصر مهم لاستمرار التنظيم باعتباره المسؤول عن التموين والإمداد؛ وشارك أو قاد عمليات وقعت في النوفلية وكذلك بمنطقة الجفرة والفقهاء وسرت. ثم إنه قاد هجمات أيضا على عدة بوابات أمنية، وعلى الشركة التركية «أوستايل». ويُظهر فيديو نشره التنظيم سنة 2017 مكانة القرقعي البارزة؛ فقد ظهر بالتسجيل المعنون (فما وهنوا لما أصابهم)، والذي أصدرته ما يطلق عليه التنظيم «ولايه برقة» في 24 سبتمبر 2017.
ولقد سطع نجم القرقعي، باعتباره قائدا محليا بارزا منذ 2016؛ وأصبح «أبو الليث» أميرا لتنظيم داعش على بلدة النوفلية بعد مقتل الأمير السابق قعيم. وبحكم تمرسه وخبرته بالمنطقة وتشعباتها التي تعرف تداخلا مهما بين الإرهاب ومنظمات الجريمة والاتجار بالبشر والمخدرات؛ والتي تتخذ من الطرق الصحراوية مسلكا لتجارة مربحة بين أفريقيا وأوروبا، أصبح القرقعي هو الأمير المحلي الجديد.
ويشير عضو مجلس النواب الليبي عن دائرة الجفرة، إسماعيل الشريف لهذا الواقع المر حينما قال، «لقد حذرنا سابقاً من هشاشة الوضع الأمني في مناطق الهاروج التي تعد ملاذا لكل التنظيمات والعصابات التي تمارس الخطف والقتل والحرابة والاتجار بالبشر والمخدرات».
ومن الناحية التنظيمية شارك القرقعي في عمليات خطف، وقد أظهرت بعض من هذه العمليات جدوائيتها؛ إذ استثمرها التنظيم للحصول على موارد مالية وبشرية. ومن هنا يفهم خطف التنظيم لـ10 أفراد من الشرطة الأمنية، لتحويلهم إلى ضغط قوي على السلطة المسيطرة على المنطقة، وعلى القبائل الموالية لها. فالتنظيم يعتبر أن إلقاء القبض على «أبو الليث»، تم بواسطة رجال القبائل المحلية، الذين يشتغلون بالقوة الموالية للمشير حفتر؛ وبالتالي فإن خطف أبناء القبائل من شأنه، المساعدة على استرجاع أمير «داعش» بالنوفلية. كما أن عملية الخطف تدخل التنظيم في عمليات تفاوض مع وجهاء محليين؛ وأي فشل في استرجاعهم المخطوفين، بالتفاوض أو بتحريرهم، قد يبعد شباب المنطقة الجنوبية، من المشاركة في القوات المناهضة للإرهاب.
سياق تاريخي
الجدير بالذكر أن «داعش ليبيا» ظهر مباشرة بعد سقوط نظام معمر القذافي. ورغم انتشاره المحدود في الوسط الاجتماعي الليبي، فإنه أعلن بشكل علني عن نفسه في ربيع 2014. وبدأ في تنظيم صفوفه، عبر تجنيد محلي ومغاربي ومصري، ليلتحق إلى صفوفه فيما بعد شباب من جنسيات أفريقية؛ خاصة السينغالية والتشادية والسودانية، كما استقبل التنظيم أفرادا من جنسيات أخرى بالشرق.
بعد تأسيسه في درنة، انتقل التنظيم لهيكلة صفوفه ببعض المدن وخاصة بنغازي، قبل أن ينتقل لسرت، التي أعلنت إمارة إسلامية تابعة لتنظيم البغدادي؛ ورغم أن التنظيم الليبي لم يعلن ذلك إلا بعد حسم خلاف داخل التنظيم يتعلق ببيعة البغدادي، فإنه لقي حاضنة اجتماعية مهمة من هذه المدينة التي كانت معقلا لأنصار القذافي. مما حول المنطقة لبؤرة جذب للمقاتلين، وممرا نحو أوروبا استثمرته «داعش» في شن هجماتها هناك.
وكما أن تطور التنظيم الإرهابي كان سريعا ومؤثرا؛ وبلغ أوجه في سرت 2015؛ واستطاع الوصول إلى منطقة بن قردان التونسية الحدودية مع ليبيا. إلا وبسرعة أكبر، عرفت مسيرة التنظيم انهيارا وتشتتا لعناصره، ولجوءا جماعيا إلى الجبال والأودية بالجنوب الصحراوي. ولم يسترد التنظيم بعض أنفاسه إلا بعد انسحاب القوة الثالثة التابعة لمنطقة مصراتة من مدينة الجفرة. ويبدو أن هذا الانسحاب الذي تم في مايو 2017؛ يلقي بظلاله اليوم على واحة الفقهاء التي عرفت تنفيذ التنظيم هجمته الأخيرة، وسيطرة دامت لساعات.
ويذكرنا هذا بهجوم «داعش» في أغسطس (آب) 2017، على حاجز أمني على مدخل الفقهاء وقتل 11 شخصا، بينهم 9 من القوات الموالية لحفتر. كما يذكر لهجوم على واحة الفقهاء الأخير، بذلك الذي تم بحقل الظهر النفطي بمنطقة زلة شمال شرقي الجفرة، فبراير (شباط) 2018، وقتل منها 3 عسكريين من «الجيش الوطني» الليبي.
بكلمة، يمكن القول إن تغيير «داعش» لاستراتيجيته القتالية، يأتي في سياق محلي، مرتبط بانكشاف التنظيم ودعوته المرتبطة بمنظومة «الخلافة المزعومة»؛ فقد عرف التنظيم انحسارا حقيقيا في التجنيد، كما عانى من فقدانه لقياداته ذات التأثير المحلي. وهو ما ساعد على مواجهته من طرف قبائل ومجموعات مسلحة موالية للحكومة بطرابلس، وكذلك قوات مسلحة موالية للمشير حفتر.
ورغم أن التنظيم واع تماما بهذا التحول في محيطه، ولجأ لسياسة تركيز الهجمات على مؤسسات وأفراد الأمن والجيش؛ فإن تكاثف الجهود الوطنية للقبائل والمجموعات المسلحة من جهة، وازدياد وتيرة عمل القوات الخاصة والطائرات الدولية العاملة بالجنوب الليبي على محاصرة نشاط الإرهاب، كلها عوامل تلعب ضد «داعش» وفرضت عليه تغيير استراتيجيته القتالية.
*أستاذ زائر للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس - المغرب



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».