قتلى باشتباكات في ريف حماة بين موالين للنظام ومعارضين

أكبر حصيلة من نوعها منذ إعلان الاتفاق الروسي ـ التركي حول شمال سوريا

دورية أميركية - تركية في ريف منبج أمس (رويترز)
دورية أميركية - تركية في ريف منبج أمس (رويترز)
TT

قتلى باشتباكات في ريف حماة بين موالين للنظام ومعارضين

دورية أميركية - تركية في ريف منبج أمس (رويترز)
دورية أميركية - تركية في ريف منبج أمس (رويترز)

قتل 23 عنصراً من فصيل معارض ليل الخميس – الجمعة، إثر هجوم شنّته قوات النظام السوري في المنطقة التي حدّدها الاتفاق الروسي - التركي بمنزوعة السلاح في محافظة إدلب ومحيطها، آخر معاقل الفصائل المعارضة والمتطرفة في سوريا، في وقت أفيد بأن الفصائل أغلقت المعبر بين مناطقها ومناطق النظام، وبأن عناصر موالية لإيران قتلوا في المعارك.
وتُعدّ هذه الحصيلة، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، الأكبر في هذه المنطقة منذ إعلان الاتفاق الروسي - التركي بشأنها في 17 سبتمبر (أيلول)، والذي لم يُستكمل تطبيقه عملياً بعد، في وقت يؤكّد فيه الطرفان الضامنان له أنّه قيد التنفيذ.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن، لوكالة الصحافة الفرنسية: «شنّت قوات النظام ليل الخميس هجوماً ضد موقع عبارة عن مبنى لفصيل جيش العزّة، في منطقة اللطامنة في ريف حماة الشمالي، لتندلع إثره اشتباكات عنيفة استمرّت طوال الليل».
وقتل في الهجوم والاشتباكات 23 عنصراً من فصيل جيش العزّة، وأصيب 35، بينما لا تزال عمليات البحث جارية عن مفقودين.
وكان المرصد قد أفاد في وقت سابق بمقتل 22 عنصراً، إلا أن مقاتلاً توفي متأثراً بجراحه في وقت لاحق.
وأوضح عبد الرحمن أنّ «قوات النظام التي نصبت كمائن عدة طوال الليل للتعزيزات التي أرسلها (جيش العزّة)، انسحبت لاحقاً من الموقع».
ولا يزال السبب خلف هذا التصعيد غير واضح؛ لكن لا يبدو أنّه ينذر بهجوم أوسع يهدّد اتفاق المنطقة المنزوعة السلاح؛ خصوصاً أنّ قوات النظام انسحبت لاحقاً، وفق المرصد، من موقع فصيل جيش العزّة.
وينشط فصيل جيش العزّة، الذي يضمّ نحو 2500 مقاتل، في منطقة سهل الغاب واللطامنة في ريف حماة الشمالي. وكان قد أعلن سابقاً رفضه للاتفاق الروسي - التركي، إلا أنّه عاد والتزم بسحب سلاحه الثقيل من المنطقة المشمولة به، وفق «المرصد».
وتوصّلت روسيا وتركيا قبل نحو شهرين إلى اتفاق على إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب ومحيطها، بعمق يتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، بعدما لوّحت دمشق على مدى أسابيع بشنّ عملية عسكرية واسعة في المنطقة، التي تُعدّ آخر معقل للفصائل المعارضة والجهادية في سوريا.
وتقع المنطقة المنزوعة السلاح على خطوط التماس بين قوات النظام والفصائل المعارضة والجهادية، ومن المفترض أن تشمل جزءاً من محافظة إدلب، مع مناطق في ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي الشرقي. ورغم الاتفاق، تشهد المنطقة بين الحين والآخر مناوشات وقصفاً متبادلاً بين قوات النظام والفصائل المعارضة والجهادية. واستهدفت قوات النظام بالمدفعية، الجمعة، وفق «المرصد»، بلدات وقرى عدة في ريف إدلب الجنوبي.
ووثّق «المرصد السوري» منذ سبتمبر، مقتل 43 شخصاً، بينهم 18 مدنياً، في قصف لقوات النظام واشتباكات في المنطقة المنزوعة السلاح. كما قتل ثلاثة مدنيين في قصف للفصائل المعارضة.
وتُعدّ إدلب التي تؤوي مع مناطق محاذية لها نحو ثلاثة ملايين نسمة، المعقل الأخير للفصائل المعارضة والجهادية في سوريا.
وتمّ بموجب الاتفاق الروسي التركي سحب غالبية الأسلحة الثقيلة للفصائل من المنطقة المعنية.
وكان من المفترض أن ينسحب المقاتلون المتطرفون من هذه المنطقة بحلول 15 أكتوبر (تشرين الأول)؛ لكنّ إعلان روسيا وتركيا أنّ الاتفاق قيد التنفيذ، بدا بمثابة منح مهلة إضافية لتلك الفصائل، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً). ولم تحدّد الهيئة موقفاً واضحاً من الاتفاق، رغم إشادتها بمساعي أنقرة وتحذيرها من نوايا موسكو.
وتسيطر «هيئة تحرير الشام» ومجموعات جهادية أقلّ نفوذاً منها على ثلثي المنطقة المنزوعة السلاح. كما تسيطر الهيئة على الجزء الأكبر من محافظة إدلب، وتوجد فصائل أخرى أبرزها «حركة أحرار الشام» في المناطق الأخرى. وكانت قوات النظام قد سيطرت على بعض المناطق في الريف الجنوبي الشرقي، إثر هجوم شنّته بداية العام الحالي.
وأعرب وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الشهر الحالي، عن عدم رضاه إزاء تنفيذ الاتفاق. وقال، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا): «لا يزال الإرهابيون موجودين بأسلحتهم الثقيلة في هذه المنطقة، وهذا مؤشّر على عدم رغبة تركيا في تنفيذ التزاماتها».
وجاء الاتفاق الروسي - التركي بعد استعادة قوات النظام خلال الأعوام الثلاثة الماضية أكثر من ثلثي مساحة البلاد بفعل الدعم الروسي. ولا تزال هناك منطقتان كبيرتان خارجتين عن سيطرتها: إدلب ومحيطها؛ حيث النفوذ التركي، ومناطق سيطرة الأكراد المدعومين أميركياً في شمال شرقي البلاد.
ومهّد الاتفاق الطريق أمام حراك دبلوماسي تقوده روسيا وتركيا، بهدف تحريك العملية السياسية، إلا أنّ التوقّعات بأن يؤدي ذلك إلى نتيجة تبقى متدنيّة، وفق محلّلين يشكّكون في موافقة دمشق على تقديم أي تنازلات.
وأغلقت فصائل المعارضة السورية، الجمعة، معبر مورك في ريف حماة الشمالي، الذي يربط مناطق سيطرة فصائل المعارضة مع مناطق سيطرة القوات الحكومية، وإلغاء صلاة الجمعة في ريف إدلب الجنوبي.
وأكد قائد عسكري في الجبهة الوطنية للتحرير لوكالة الأنباء الألمانية: «أغلقت فصائل الجبهة الوطنية معبر مورك شمال مدينة حماة، أمام حركة السيارات التجارية والمسافرين بشكل كامل، بعد تسلل قوات تابعة لـ(حزب الله) اللبناني والدفاع الوطني للمعبر، والتسلل إلى بلدة الزلاقيات ومهاجمة نقطة لـ(جيش العزة) في (الجيش السوري الحر)».
وأكد القائد العسكري «مقتل 23 عنصراً من مقاتلي (جيش العزة) وسقوط عدد من الجرحى، كما قتل سبعة من المهاجمين وهم من مقاتلي (حزب الله) اللبناني، والحرس الثوري الإيراني، وعناصر من الدفاع الوطني».
وافتتح معبر مورك مطلع الشهر الجاري، لربط مناطق سيطرة القوات الحكومية مع مناطق المعارضة في ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي.
ومن جانبه، قال مدير المكتب الإعلامي لـ«جيش العزة» في تصريحات صحافية، الجمعة، إن قوات الحكومة نفذت عملية تسلل إلى نقطة عسكرية للفصيل في محور الزلاقيات بريف حماة الشمالي؛ ما أدى إلى مقتل 23 مقاتلاً وجرح عدد آخرين.
وأضاف المسؤول الإعلامي أن «جيش العزة تمكن بعد ساعات من تسلل قوات الأسد من استرجاع النقطة العسكرية، ونفذ عمليات تمشيط في محيط المنطقة».
وذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن «وحدة من الجيش قضت على عدد من إرهابيي ما يسمى (كتائب العزة) في كمين محكم على محور الزلاقيات بريف حماة الشمالي، وذلك رداً على اعتداءاتهم على نقطة عسكرية على المحور ذاته بالأسلحة الرشاشة الثقيلة».
وفي ريف إدلب الجنوبي، ألغت مساجد مدينة جرجناز بريف إدلب صلاة الجمعة في المساجد، بسبب القصف المدفعي والصاروخي من قبل القوات الحكومية على ريف إدلب الجنوبي الشرقي، منذ ساعات الصباح الأولى، بحسب مصدر في الدفاع المدني التابع للمعارضة في محافظة إدلب. وقال المصدر إن الأضرار اقتصرت على الماديات.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».