«الدكة» العشائرية إرهاب في نظر القضاء العراقي

تتمثل بإطلاق نار تحذيري على منزل مطلوب عشائرياً

TT

«الدكة» العشائرية إرهاب في نظر القضاء العراقي

ذات يوم استيقظ طلاب مدرسة ابتدائية في أحد أحياء العاصمة العراقية بغداد صباحاً على عبارة مكتوبة بخط رديء أحمر على امتداد السياج الخارجي للمدرسة «مطلوبة عشائرياً». لم يتمكن لا التلاميذ الصغار ولا معلموهم من الدوام في تلك المدرسة حتى تتم تصفية الخلاف العشائري مع المدرسة برمتها.
هذه الظاهرة باتت تتكرر في مناطق ومحافظات مختلفة من العراق تسبقها في العادة ما تسمى بـ«الدكة العشائرية»، التي هي عبارة عن إنذار بالذخيرة الحية لمواطن لديه نزاع مع مواطن آخر سرعان ما يتحول إلى قضية بين عشيرتين. ومن أجل توجيه إنذار صارم للشخص المعني بأن عليه تهيئة نفسه وزعماء عشيرته لـ«فصل عشائري» قد يبلغ أحياناً مئات ملايين الدنانير تأتي مجموعة من الشباب ليلاً إلى منزله ويمطرونه في أماكن مختلفة من السياج بوابل من الرصاص.
وطبقاً لقواعد «الدكة العشائرية»، فإن الإطلاقات ينبغي ألا تصيب أحداً في البيت، بما في ذلك الحيوانات (إذا كان صاحب المنزل لديه في الحديقة كلاب أو طيور)، لأن إصابة تلك الحيوانات ترتب فصلاً آخر قد يكون دموياً من فصول المواجهة.
ذات ليلة في الصيف الماضي، استيقظت مع أفراد عائلتي مذعوراً على أصوات رصاص كما لو كانت تمطر منزلي. أسرعت في الخروج بعد أن وضعت الطلقات أوزارها فوجدت معظم سكان الزقاق خرجوا مذعورين لأن كل واحد منا تصور أن منزله هو الذي أمطروه بالرصاص. وفي جولة سريعة بعد منتصف الليل وجدنا آثار الرصاص على منزل مجاور لا يسكنه أحد. بعد يومين ظهر أن أصل الخلاف الذي أدى إلى إمطار هذا المنزل بالرصاص الحي خلاف على سعر سيارة!
كل ليلة لا تكاد تخلو محلة أو زقاق أو منطقة أو محافظة من «دكة عشائرية» حتى باتت تهدد السلم المجتمعي وسط ضعف واضح في تطبيق القانون. وزير الداخلية السابق قاسم الأعرجي كان أعلن من جانبه أن وزارته ستتعامل مع «الدكات العشائرية» بوصفها إرهاباً. ورغم المحاولات التي كان بذلها على هذه الطريق لكنها لم تشكل رادعاً في غياب التوصيف القانوني لها.
قبل يومين حسم القضاء العراقي الأمر، حيث أصدر رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان توجيهاً بأن تعامل «الدكة العشائرية» وفق قانون الإرهاب.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.