تأهب أميركي ـ تركي لـ«ترتيبات ما بين النهرين» شمال سوريا

مسؤول في إدارة ترمب لـ«الشرق الأوسط»: ملتزمون أمن حلفائنا في «ناتو»

مقاتلون أكراد في «قوات سوريا الديمقراطية» في عين العرب (كوباني) خلال تشييع زميل لهم أول من أمس (أ.ف.ب)
مقاتلون أكراد في «قوات سوريا الديمقراطية» في عين العرب (كوباني) خلال تشييع زميل لهم أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

تأهب أميركي ـ تركي لـ«ترتيبات ما بين النهرين» شمال سوريا

مقاتلون أكراد في «قوات سوريا الديمقراطية» في عين العرب (كوباني) خلال تشييع زميل لهم أول من أمس (أ.ف.ب)
مقاتلون أكراد في «قوات سوريا الديمقراطية» في عين العرب (كوباني) خلال تشييع زميل لهم أول من أمس (أ.ف.ب)

مع زيادة الضغط العسكري التركي على منطقة ما بين نهري دجلة والفرات شمال سوريا، تسعى واشنطن إلى المواءمة بين أمرين: هزيمة «داعش» وتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة التي تشكل ثلث مساحة سوريا من جهة، والحفاظ على العلاقة مع تركيا باعتبار أن البلدين عضوان في «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) من جبهة أخرى. وقال مسؤول في الإدارة الأميركية لـ«الشرق الأوسط»، أمس: «نحن من جانبنا ملتزمون بشكل كامل بأمن حدودها. وتستحق مخاوف تركيا المتعلقة بأمن شرق الفرات عقد مناقشة تفصيلية وجادة بيننا، مثلما يليق بحليفين مقربين».
كان الجيش التركي قصف مواقع لـ«وحدات حماية الشعب» التركية في عين العرب (كوباني) شمال سوريا. وتشكل «الوحدات» المكون الرئيسي لـ«قوات سوريا الديمقراطية» حليف التحالف الدولي بقيادة أميركا لقتال «داعش».
وكان رد التحالف في أن سيّر دوريات شمال سوريا قرب حدود تركيا في محاولة لـ«ردع» أنقرة، وإرسال إشارات إلى احتمالات المرحلة المقبلة. وهذا بمثابة تكرار لما حصل بداية العام عندما سيّر التحالف، وخصوصاً القوات الفرنسية والأميركية، دوريات في منبج شمال حلب بعدما بدأ الجيش التركي بضوء أخضر روسي على عفرين ذات الغالبية الكردية.
ومع أن العلاقات بين واشنطن وأنقرة كانت متوترة وقتذاك، توصل الطرفان إلى «خريطة طريق» حول منبج في بداية يونيو (حزيران) الماضي، تضمنت تسيير دوريات مشتركة في خطوط التماس بين فصائل «درع الفرات» المدعومة من أنقرة و«قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من واشنطن، إضافة إلى إخراج «الوحدات» من منبج وتشكيل مجلس محلي مقبول من السكان المحليين والأميركيين والأتراك.
حالياً، تبدو العلاقات الأميركية - التركية أفضل من السابق، حيث جرت سلسلة خطوات في المسار الثنائي، لكن الجيش التركي بدأ في تصعيد الضغط العسكري على شمال شرقي سوريا، حيث ينتشر ألفا جندي أميركي مع مئات من قوات التحالف الدولي. كما بدأت أنقرة في حشد فصائل سورية لاحتمال القيام بعمل بري ضد «الوحدات».
المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري، الذي عمل سفيراً سابقاً في أنقرة وأحد المدافعين عن تحسين العلاقات مع تركيا، قال أول من أمس: إن لواشنطن موقفاً واضحاً من «حزب العمال الكردستاني» بزعامة عبد الله أوجلان وتعتبره تنظيماً إرهابياً وتتفهم موقف أنقرة منه، وتتفهم موقف أنقرة من «الروابط» بين «حزب العمال» و«وحدات الحماية»، لكنها لا تعتبر «وحدات حماية الشعب» الكردية تنظيماً إرهابياً.
بحسب المعلومات، فإن واشنطن قامت بسلسلة من الإجراءات لبناء الثقة تجاه أنقرة، بينها ضبط تسليم السلاح الثقيل إلى «الوحدات» وإدراج ثلاثة من قادة «حزب العمال» على قوائم الإرهاب، لكنها لم تصل إلى حد تلبية جميع المتطلبات بانتظار نتائج المفاوضات.
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس، بأن وفدين فرنسياً وأميركياً زارا منطقة عين عيسى في ريف الرقة واجتمعا بقادة «قوات سوريا الديمقراطية» لبحث مستقبل ومصير شرق الفرات. وقال: «من المرتقب أن يخرج الطرفان بتفاهمات جديدة، حول المنطقة الواقعة في الشريط الحدودي ما بين نهري دجلة والفرات».
وسألت «الشرق الأوسط» مسؤولاً أميركياً، ما إذا كانت واشنطن وأنقرة تبحثان في خريطة طريق في تل أبيض على غرار منبج، فأجاب: «تعد تركيا دولة حليفة داخل حلف ناتو وشريكاً محورياً في التحالف الدولي لهزيمة (داعش). ونحن من جانبنا ملتزمون بشكل كامل بأمن حدودها. وتعتبر خريطة طريق منبج مثالاً واحداً حول كيفية عقدنا مشاورات وتنسيقاً مع تركيا لتناول مخاوفها الأمنية. وتستحق مخاوف تركيا المتعلقة بأمن شرق الفرات عقد مناقشة تفصيلية وجادة بيننا، مثلما يليق بحليفين مقربين. وسنستمر في العمل مع تركيا لتناول مخاوفها في الوقت ذاته الذي نشدد على الحاجة إلى الاستقرار في شمال شرقي سوريا لضمان الهزيمة الكاملة لـ(داعش)».
وكانت «قوات سوريا الديمقراطية» علّقت الهجوم على الجيب الأخير لـ«داعش» في ريف دير الزور قرب العراق اعتراضاً على القصف التركي، وللضغط على واشنطن لحماية «وحدات الحماية» قرب الحدود، خصوصاً أن عائلات المقاتلين من هناك. وأوضح المسؤول الأميركي، أمس، رداً على أسئلة عبر البريد الإلكتروني: «الحملة ضد (داعش) لم تنته بعد، ولا يزال القتال صعباً للغاية. وتعمل قوات التحالف بصورة وثيقة مع (قوات سوريا الديمقراطية) التي تشنّ عمليات هجوم ضد (داعش) في قلب وادي نهر الفرات. ولا تزال (قوات سوريا الديمقراطية) شريكاً ملتزماً في مواجهة (داعش)، ولا نزال من جانبنا ملتزمين بالعمل ضد (داعش)، كما أننا ملتزمون بالعمل مع (قوات سوريا الديمقراطية) لضمان هزيمة كاملة لـ(داعش)».
وربما يكون أحد الاحتمالات المتوقعة إقامة شريط أمني على طول الحدود يتم فيه إبعاد «الوحدات» وتسيير دوريات بين عرب من «قوات سوريا الديمقراطية» والتحالف الدولي لتلبية متطلبات تركيا وسط جهود غربية لردم الفجوة بين المكون العربي والأكراد في الجزيرة بعد تحريرها من «داعش»، خصوصاً بعدما ظهر توتر هناك بعد اغتيال لبشير فيصل الهويدي، شيخ عشيرة العفادلة، كبرى عشائر الرقة الجمعة الماضي.
وقال مسؤول دولي: إن حلفاء واشنطن شرق الفرات في المرحلة المقبلة تحت ضغط من اتجاهين: تركيا عبر قصف مناطق «الوحدات» من جهة والعشائر العربية التي ستتحرك ضد حلفاء واشنطن من جهة أخرى.
لكن واشنطن تضع السيطرة على هذه المنطقة ضمن استراتيجيتها للشرق الأوسط، التي تتضمن مواجهة إيران لقطع طريق الإمداد بين طهران - بغداد ودمشق - بيروت. وسئل المسؤول الأميركي، أمس، عن أن السفير جيفري، قال أول من أمس: إن «إيران جزء من المشكلة، وليست جزءاً من الحل»، وإن واشنطن ستواجه «نشاطات إيرانية» وما إذا يعتقد وجود 2000 جندي في شمال شرقي سوريا كافياً لتحقيق ذلك، وإلى أي مدى يمكن للجيش الأميركي المضي في الاستجابة لأي اختبار إيراني في مواجهة قوات أميركية في شمال شرقي سوريا؟
أجاب المسؤول: «تتمثل مهمة القوات العسكرية الأميركية في سوريا في ضمان إنزال هزيمة كاملة بتنظيم داعش. كما تعتمد الولايات المتحدة أيضاً على استغلال الكثير من عناصر القوة الوطنية لتحقيق هدفين استراتيجيين إضافيين على الدرجة ذاتها من الأهمية في سوريا: ضمان انسحاب القوات العاملة تحت قيادة إيران من كامل الأراضي السورية، وتعزيز جهود التوصل لحل سياسي سلمي للصراع القائم بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254. ويعتبر التخلص من جميع القوات الإيرانية من داخل سوريا أولوية استراتيجية تتطلب مجموعة واسعة من الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية وغيرها». وتابع: «ينصبّ جل تركيزنا على إقرار حل سياسي تصيغه وتقوده سوريا، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يجب أن يتضمن التمثيل الكامل لجميع السوريين من أجل بناء سوريا أكثر سلماً ووحدة».
بوابة الحل السياسي حالياً، هي اللجنة الدستورية وتشكيلها قبل نهاية العام. وأوضح المسؤول، أن قادة تركيا، وروسيا، وفرنسا، وألمانيا أصدروا بعد قمة إسطنبول «بياناً دعوا خلاله إلى تشكيل لجنة دستورية قبل نهاية العام. ونشعر بالتفاؤل إزاء هذا الإعلان».



«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
TT

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)

حذّرت منظمة الصحة العالمية، اليوم الخميس، من أنّ قطاع غزة، ولا سيّما شطره الشمالي، يعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والأغذية والوقود والمأوى، مطالبة إسرائيل بالسماح بدخول مزيد من المساعدات إليه، وتسهيل العمليات الإنسانية فيه.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وصفت المنظمة الأممية الوضع على الأرض بأنه «كارثي».

وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنه عندما اندلعت الحرب في غزة، قبل أكثر من عام في أعقاب الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لجأ تقريباً جميع الذين نزحوا بسبب النزاع إلى مبان عامة أو أقاموا لدى أقارب لهم.

وأضاف، في مؤتمر صحافي بمقرّ المنظمة في جنيف: «الآن، يعيش 90 في المائة منهم في خيم».

وأوضح أن «هذا الأمر يجعلهم عرضة لأمراض الجهاز التنفّسي وغيرها، في حين يتوقّع أن يؤدّي الطقس البارد والأمطار والفيضانات إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية».

وحذّر تيدروس من أن الوضع مروِّع بشكل خاص في شمال غزة، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي عملية واسعة، مطلع أكتوبر الماضي.

وكان تقريرٌ أُعِدّ بدعم من الأمم المتّحدة قد حذّر، في وقت سابق من هذا الشهر، من أن شبح المجاعة يخيّم على شمال قطاع غزة؛ حيث اشتدّ القصف والمعارك، وتوقّف وصول المساعدات الغذائية بصورة تامة تقريباً.

وقام فريق من منظمة الصحة العالمية وشركائها، هذا الأسبوع، بزيارة إلى شمال قطاع غزة استمرّت ثلاثة أيام، وجالَ خلالها على أكثر من 12 مرفقاً صحياً.

وقال تيدروس إن الفريق رأى «عدداً كبيراً من مرضى الصدمات، وعدداً متزايداً من المصابين بأمراض مزمنة الذين يحتاجون إلى العلاج». وأضاف: «هناك نقص حادّ في الأدوية الأساسية».

ولفت المدير العام إلى أن منظمته «تفعل كلّ ما في وسعها - كلّ ما تسمح لنا إسرائيل بفعله - لتقديم الخدمات الصحية والإمدادات».

من جهته، قال ريك بيبركورن، ممثّل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، للصحافيين، إنّه من أصل 22 مهمّة إلى شمال قطاع غزة، قدّمت طلبات بشأنها، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، جرى تسهيل تسع مهام فقط.

وأضاف أنّه من المقرّر أن تُجرى، السبت، مهمّة إلى المستشفيين الوحيدين، اللذين ما زالا يعملان «بالحد الأدنى» في شمال قطاع غزة؛ وهما مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة، معرباً عن أمله في ألا تحدث عرقلة لهذه المهمة.

وقال بيبركورن إنّ هذين المستشفيين «بحاجة إلى كل شيء»، ويعانيان بالخصوص نقصاً شديداً في الوقود، محذراً من أنّه «دون وقود لا توجد عمليات إنسانية على الإطلاق».

وفي الجانب الإيجابي، قال بيبركورن إنّ منظمة الصحة العالمية سهّلت، هذا الأسبوع، إخلاء 17 مريضاً من قطاع غزة إلى الأردن، يُفترض أن يتوجه 12 منهم إلى الولايات المتحدة لتلقّي العلاج.

وأوضح أن هؤلاء المرضى هم من بين نحو 300 مريض تمكنوا من مغادرة القطاع منذ أن أغلقت إسرائيل معبر رفح الحدودي الرئيسي في مطلع مايو (أيار) الماضي.

لكنّ نحو 12 ألف مريض ما زالوا ينتظرون، في القطاع، إجلاءهم لأسباب طبية، وفقاً لبيبركورن الذي طالب بتوفير ممرات آمنة لإخراج المرضى من القطاع.

وقال: «إذا استمررنا على هذا المنوال، فسوف نكون مشغولين، طوال السنوات العشر المقبلة».