«العفو الدولية» تصف بـ«الهزلية» محاكمة موظفيها الأتراك بتهمة الارتباط بـ«غولن»

فصل 7 آلاف طالب جامعي وحبس أكثر من 79 ألفاً منذ المحاولة الانقلابية

«العفو الدولية» تصف بـ«الهزلية» محاكمة موظفيها الأتراك بتهمة الارتباط بـ«غولن»
TT

«العفو الدولية» تصف بـ«الهزلية» محاكمة موظفيها الأتراك بتهمة الارتباط بـ«غولن»

«العفو الدولية» تصف بـ«الهزلية» محاكمة موظفيها الأتراك بتهمة الارتباط بـ«غولن»

انتقدت منظمة العفو الدولية محاكمة مديرة فرعها ورئيسها السابق في تركيا ووصفتها بـ«المسرحية الهزلية». وقال الأمين العام للمنظمة كومي نايدو، في بيان: «حان الوقت لإنهاء هذه المهزلة القضائية بالإفراج عن هؤلاء النساء والرجال الذين كرسوا حياتهم للدفاع عن حقوق الآخرين، لغياب أي أدلة موثوقة لتقديمها لإثبات التهم المثيرة للسخرية الموجهة إليهم».
وعلق المتحدث باسم المنظمة في تركيا أندرو غاردنر، في تغريدات على «تويتر» على قرار محكمة تركية بتأجيل محاكمة 11 ناشطا بينهم مديرة فرع المنظمة ورئيسها السابق، قائلا: «المسرحية الهزلية لا تزال مستمرة. الادعاء لم يقدم أي جديد، تحليل أجهزة الكومبيوتر، والهواتف وغيرها، التي استولت عليها الشرطة التركية منذ ما يقرب من عام ونصف العام تقريباً لم يقدم جديدا». وبين المتهمين تنار كيليتش، الذي كان رئيساً للقسم التركي في منظمة العفو الدولية، الذي ألقي القبض عليه في يونيو (حزيران) 2017 وأمضى عاماً في السجن قبل إطلاق سراحه ووضعه تحت الرقابة القضائية. وفي يوليو (تموز) 2017 اعتقل 10 متهمين آخرين في ندوة بإسطنبول، بينهم مديرة منظمة العفو الدولية في تركيا، إيديل إيسر، فضلاً عن اثنين من النشطاء الأجانب، سويدي، وألماني. ويواجه الموقوفون اتهامات بصلات مع حركة غولن، وتنظيم اجتماع من أجل وضع خطة انقلاب جديدة.
بموازاة ذلك، كشف تقرير حزبي عن أن عدد المفصولين من طلاب الجامعات التركية تجاوز 7 آلاف، بينما بلغ عدد المسجونين من الطلاب نحو 70 ألف طالب منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016.
وذكر التقرير، الذي أعدته لجنة التعليم بحزب الشعوب الديمقراطي التركي المعارض (مؤيد للأكراد)، بمناسبة الذكرى السنوية لتأسيس مجلس التعليم العالي التركي، أن خريجي الجامعات يشكلون 28 في المائة من البطالة في تركيا، وأن مجال التعليم هو الذي شهد أكبر تصفية بعد الانقلاب الفاشل عام 2016. وقال محمود توغرول، عضو اللجنة، نائب الحزب عن ولاية غازي عنتاب، أثناء عرض التقرير في مؤتمر صحافي بالبرلمان التركي، إن «مجلس التعليم العالي في تركيا بات ساحة لتعيين المحسوبين على الحزب الحام (العدالة والتنمية) شريطة أن يدينوا له بالولاء التام، لا سيما بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في 2016». وأضاف: «لقد انعكست كل هذه الأمور على حياة الطلاب الذين باتوا يعانون من ذلك، حيث فصل منهم أكثر من 7 آلاف، ويقبع 70 ألفا آخرون في السجون».
وأصدرت محكمة تركية، الثلاثاء، حكما بحبس توغرول لمدة أكثر من عامين، بتهمة دعم الإرهاب والترويج لحزب العمال الكردستاني في خطب ألقاها في تجمعات لحزبه في العام 2015، ولفت التقرير إلى أن الجامعات التركية تحولت إلى مركز تمارس فيه سياسات العنصرية، إذ تعج بدرجة كبيرة من الانحياز على أساس الجنس بفعل مشروع (جامعة لكل مدينة) الذي تنفذه حكومة العدالة والتنمية. وأضاف أن «الجامعات التي استولت عليها السلطات تحولت إلى أداة رقابية وقمعية ضد الأكاديميين والطلاب الذين يعارضون وينتقدون علاقاتها بالسلطة».
وأسفرت حملة أمنية موسعة أطلقتها السلطات التركية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، لاتزال مستمرة حتى الآن، عن خضوع 402 ألف شخص لتحقيقات جنائية، واعتقال ما يقرب من 80 ألفا، بينهم 319 صحافيا، وإغلاق 189 مؤسسة إعلامية، وفصل 172 ألفا من وظائفهم بينهم أكثر من 79 ألفا من الأكاديميين والمعلمين بالمدارس، ومصادرة 3003 جامعات ومدارس خاصة ومساكن طلابية.
في السياق ذاته، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين إن عدد الدول، التي أغلقت فيها مدارس حركة غولن بلغ 21 دولة، معتبرا ذلك نجاحا كبيرا للدبلوماسية التركية.
وتمتلك حركة الخدمة مدارس في 160 دولة في أنحاء العالم حيث نشطت في مجال التعليم والخدمات الإنسانية والعمال الإغاثية في الفترة التي كان غولن يشكل الحليف الأوثق لإردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم قبل العام 2013 عندما جرت تحقيقات الفساد والرسوة الكبرى في تركيا التي طالت وزراء وأبناءهم ورجال أعمال مقربين من الحكومة، واعتبرها إردوغان، الذي كان رئيسا للوزراء في ذلك الوقت محاولة للإطاحة بحكومته.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟