«الشرق الأوسط» في مهرجان قرطاج السينمائي (5): فيلمان آخران من نوع {لا مع ولا ضد}

عن تداعيات الحرب السورية

من «ولدي» التونسي
من «ولدي» التونسي
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان قرطاج السينمائي (5): فيلمان آخران من نوع {لا مع ولا ضد}

من «ولدي» التونسي
من «ولدي» التونسي

ما إن انطفأت الأضواء حتى نشب القتال.
كلمة من هنا وكلمة من هناك، وتصاعد الخلاف وساد الصراخ واشتعلت نار المواقف السياسية. حاول الجمهور إطفاءها بالتصفيق لعل المتخاصمَين يشعران ببعض الخجل، لكن هذا لم ينفع وتدخل الأمن وأخرج المتخاصمَين ثم بدأ العرض.
حدث هذا مع الفيلم اللبناني - السوري «مسافرو الحرب»، وشهدت مثيله عندما كنت صغيراً بصحبة والدَيّ وجدتي في صالة عرضت في بيروت فيلم يوسف شاهين «جميلة بوحريد»؛ إذ نشبت معركة (بالأيدي في تلك المرّة) بين من هتف للثورة الجزائرية ومن شتمها. عوض التصفيق آثر الكثير من الحضور الخروج من الصالة لئلا يكون المتشاجران مسلحين. هذا قبل أن يعود الجمهور ليتابع فيلماً لم يفهم منه هذا الناقد حينها شيئاً يذكر.
- حب وحرب
قبل عام، دخل المخرج جود سعيد المسابقة التونسية بفيلم آخر هو «مطر حمص» الذي كان أفضل من فيلمه الجديد في بعض أوجهه. حينها، وحسب مصادر مختلفة، وقفت عضوة في لجنة التحكيم ومنعت حصوله على أي من جوائز المهرجان. لم تغب المسألة عن بال المخرج، بل ذكرها خلال تقديمه في دورة هذا العام قائلاً إنه كان ينتظر الفرصة للعودة إلى هذا المهرجان بفيلم آخر وذلك «حباً بهذا الجمهور العظيم»، كما قال.
«مسافرو الحرب» آتٍ عن طريق شركة إنتاج لبنانية جديدة ترأسها نيكول كاماتو، لكنه في الواقع، ومن حيث النشأة والموضوع والجهد الفني داخل الفيلم ووراء الكاميرا، فيلم سوري كما كان حال أفلام سعيد السابقة وهي «بانتظار الخريف» و«مطر حمص» و«رجل وثلاثة أيام».
هذا الفيلم ليس أفضلها، لكنه مكمّـل لرغبة المخرج دخول عالم الحكايات المبنية على نحو رمزي وشعري ومركّـب من شخصيات متعددة من بينها شخصية محورية تتقدم وتتأخر في دورها «المحوري» ذاك حسبما يُشاء لها.
حول ذلك الإنسان البسيط بهاء الذي يتواصل مع ابنته في ألمانيا عبر الوسائط التقنية. يحكي لها حكايات ويستمع لبهجتها في بلد آمن فيسرّ قلبه. لكن معارك حلب الطاحنة تضطره إلى النزوح. يركب حافلة قديمة مع سواه وتنطلق هذه مارة في ريف متنازع عليه ليس بعيداً عن قلب المدينة الممزقة. لكن الحافلة لا تستطيع التقدم بعيداً بسبب القتال ويلجأ المسافرون إلى بلدة صغيرة مدمّرة يقوم متسلط نصب نفسه سيدها بتوزيعهم على البيوت المهجورة لقاء بدل إيجار. إنه شخصية شريرة النوايا وأنانية غالباً ما قصد بها المخرج الرمز إلى من يستغلون الحرب لمنافعهم ومصالحهم الخاصة.
لكن بهاء لا يتوقف للبكاء على الأطلال، بل يستخدم ثروته من المعرفة في سبيل استخراج ماء الشرب وتوليد الكهرباء. وما يلبث أن يصبح، وأحد رفاقه (شاب طيّـب) محط اهتمام وحب البعض؛ ما يتيح الفرصة أمام بعض الرومانسية التي تطل برأسها خجلاً.
ليس الفيلم مع النظام ولا ضد النظام، لكنه عمل لا يبدو مستقراً على نبرة واحدة: هو كوميدي بمعالجة درامية ودراما بمعالجة كوميدية. وحتى لو كان ذلك مقصوداً فإنه لا يتبلور فعلياً ككيان منضبط. كذلك الحال بالنسبة لشخصية أيمن زيدان فيه. هو الراوي والمحور الأساس، لكن الفيلم يتداوله في الكثير من الأحيان كشخصية يمكن لنا أن نجد أحداثاً تقع بمنأى عنها.
إلى ذلك، هناك مواقف مسرحية تسودها مواعظ إنسانية وتعريفات للحب وللحرب. الكلمتان تترددان عشرات المرّات، وفي كل مرّة تتركان تأثيراً أقل. ما ينقذ العمل جهد مخرجه لمواصلة منحاه الوجداني في طرح الجوانب الإنسانية في تداعيات الحرب الدائرة.
- إلى إسطنبول
سوريا، كلمة ترد أكثر من مرّة في الفيلم التونسي الجديد «ولدي» لمحمد بن عطية الذي يجوب أزمة رجل متزوج ولديه فتى في التاسعة عشرة من العمر، مصاب بصداع نصفي. الأب يعمل في المرفأ ويعيل العائلة الصغيرة ويتولى السهر على راحتها، لكن هذه العناية لا تقف حائلاً دون اختفاء الابن، بلا مقدّمات. أين اختفى ولماذا؟ يجيب الفيلم عن السؤال الأول؛ فالشاب لجأ عبر بعض المجموعات الجهادية إلى سوريا، أما السبب فلا يتضح ولا ينوي الفيلم الانشغال به.
ينطلق الأب في رحلة استرجاعه ويصل إلى مدينة إسطنبول ويحط في منزل صغير باحثاً عن طريقة لدخول سوريا. يجد، للمصادفة، أن أحد موظفي الفندق يعرف من سيقوده إلى بلدة حدودية ومنها إلى داخل سوريا لقاء 400 دولار. يوافق، ونجده قد حط الرحال في تلك البلدة، لكنه يقرر العودة إلى حيث أتى ويكذب على زوجته (كما يبدو؛ إذ إن المشهد لا يوضح تماماً إذا ما فعل أم لا)، ويقول لها إنه قابل ابنهما سامي فعلاً.
إذا ما كان فيلم «مسافرو حلب» يعاني من عدم ضبط طروحاته في معالجة موحدة الأسلوب والسياق، فإن «ولدي» للمخرج بن عطية، الذي سبق له أن حقق نجاحاً جيداً عبر فيلمه الأول «نحبك هادي»، يعاني من ثلاثة فصول لا تتلاءم زمنياً ومكانياً مع بعضها بعضاً. بالتالي، أثر ذلك على الدراما المتوالية أحداثها هنا سلبياً.
الفصل الأول هو التمهيدي الذي تقع أحداثه في تونس وتصوّر لنا وضع رب العائلة وزوجته وابنه. كل شيء يبدو هنا على ما يرام باستثناء ذلك الصداع النصفي الذي يغيب عن الذكر بعد ذلك؛ ما يدعو إلى التساؤل حول أهميته (كعنصر روائي) في المقام الأول.
الفصل الثاني هو الرحلة غير المكتملة إلى سوريا. بصرياً الفيلم هنا في أفضل حالاته. الرجل الذي كان أحيل للتقاعد قبل سفره وحيداً من دون عائلة أو أصدقاء أو رفاق عمل يسير ليلاً في تلك الشوارع المقفرة أو يلجأ إلى غرفته الباردة على الحدود بانتظار فجر اليوم التالي ليكمل مشواره.
أما الفصل الثالث فيقع مجدداً في تونس بعدما عاد وشق حياة «طبيعية» من جديد. هنا نشاهد، على شاشة الموبايل، ابنه وقد تزوّج ورزق طفلاً ولا يزال في سوريا. بعد قليل يأتي خبر موته.
الخلل هنا هو محاولة المخرج سرد كل جوانب حكاية كان يكفي لها بعض تلك الجوانب. فقط لو كان الأب يعيش وحيداً مع ابنه الذي يختفي فيجد الأب لزاماً عليه البحث عنه. وحدته في البيت التونسي تثير مخاوفه؛ إذ تجعله وحيداً وهو يسافر مصطحباً وحدته تلك ويعود معها. مع توسيع البؤرة لتحتوي على مفارقات ما بعد البحث يتعامل الفيلم مع مشاهد لا أهمية لها إلا من حيث إنها تطرح للمشاهد حكاية كاملة كما لو أن على الفيلم تلبية شروط في البال، علماً بأن الحكاية ذاتها (تقريباً) وردت في فيلم تونسي آخر قبل سنتين عنوانه «زهراء حلب» للمخرج رضا الباهي، حيث تنطلق الأم في سفرها الطويل لاسترجاع ابنها.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
TT

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

نظراً للزخم العالمي الذي يحظى به مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة، اختارت «استديوهات كتارا»، ومقرها الدوحة، أن تكشف خلاله الستار عن أول فيلم روائي قطري طويل تستعد لإنتاجه، وهو «سعود وينه؟»، وذلك في مؤتمر صحافي ضمن الدورة الرابعة من المهرجان، مبينة أن هذا العمل «يشكل فصلاً جديداً في تاريخ السينما القطرية».

ويأتي هذا الفيلم بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي، كما تدور أحداثه حول خدعة سحرية تخرج عن السيطرة عندما يحاول شقيقان إعادة تنفيذها بعد سنوات من تعلمها من والدهما، وهذا الفيلم من إخراج محمد الإبراهيم، وبطولة كل من: مشعل الدوسري، وعبد العزيز الدوراني، وسعد النعيمي.

قصة مؤسس «صخر»

كما أعلنت «استديوهات كتارا» عن أحدث مشاريعها السينمائية الأخرى، كأول عرض رسمي لأعمالها القادمة، أولها «صخر»، وهو فيلم سيرة ذاتية، يقدم قصة ملهمة عن الشخصية العربية الاستثنائية الراحل الكويتي محمد الشارخ، وهو مبتكر حواسيب «صخر» التي تركت بصمة واضحة في عالم التكنولوجيا، باعتبارها أول أجهزة تتيح استخدام اللغة العربية، وأفصح فريق الفيلم أن هذا العمل ستتم معالجته سينمائياً ليحمل كماً مكثفاً من الدراما والتشويق.

«ساري وأميرة»

والفيلم الثالث هو الروائي الطويل «ساري وأميرة»، وهو عمل فنتازي يتناول الحب والمثابرة، يتم تصويره في صحراء قطر، وتدور أحداثه حول حياة قُطّاع الطرق «ساري وأميرة» أثناء بحثهما عن كنز أسطوري في وادي «سخيمة» الخيالي، في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يواجهان الوحوش الخرافية ويتعاملان مع علاقتهما المعقدة، وهو فيلم من بطولة: العراقي أليكس علوم، والبحرينية حلا ترك، والنجم السعودي عبد المحسن النمر.

رحلة إنسانية

يضاف لذلك، الفيلم الوثائقي «Anne Everlasting» الذي يستكشف عمق الروابط الإنسانية، ويقدم رؤى حول التجارب البشرية المشتركة؛ إذ تدور قصته حول المسنّة آن لوريمور التي تقرر مع بلوغها عامها الـ89، أن تتسلق جبل كليمنجارو وتستعيد لقبها كأكبر شخص يتسلق الجبل، ويروي هذا الفيلم الوثائقي رحلة صمودها والتحديات التي واجهتها في حياتها.

وخلال المؤتمر الصحافي، أكد حسين فخري الرئيس التنفيذي التجاري والمنتج التنفيذي بـ«استديوهات كتارا»، الالتزام بتقديم محتوى ذي تأثير عالمي، قائلاً: «ملتزمون بتحفيز الإبداع العربي وتعزيز الروابط الثقافية بين الشعوب، هذه المشاريع هي خطوة مهمة نحو تقديم قصص تنبض بالحياة وتصل إلى جمهور عالمي، ونحن فخورون بعرض أعمالنا لأول مرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؛ مما يعكس رؤيتنا في تشكيل مستقبل المحتوى العربي في المنطقة».