سخط في إيران على أصحاب النفوذ بعد العقوبات الجديدة

رغم إجراءات اتخذتها طهران قبل شهرين من الحزمة الثانية للعقوبات الأميركية، عبر إنشاء هيئة للتنسيق بين الحكومة والبرلمان والقضاء، في إطار سمي مواجهة «الحرب الاقتصادية النفسية»، فإن الشارع الإيراني يلقي باللوم على أصحاب النفوذ والمال في تدهور الأوضاع الاقتصادية.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد طالب منذ سبتمبر (أيلول) الماضي الجهات المسؤولة والمنابر الإعلامية التابعة لها بنشر التقارير الإيجابية حول الاقتصاد الإيراني، مما أدى إلى تراجع لافت في تغطيات وسائل الإعلام بشأن تطورات الوضع الاقتصادي وتأثيره على المواطنين.
وقد بررت السلطات تأكيدها على نشر الأخبار الإيجابية بمخاوف من تراجع ثقة الرأي العام الإيراني بالنظام، لا سيما عجز الحكومة في مواجهة الأزمات الداخلية والتحديات الفائقة.
وينفي روحاني أن يكون الاقتصاد الإيراني في وضع متأزم، وقال نائبه إسحاق جهانغيري إن إيران في أوضاع مالية «جيدة»، وزعم أنها من «الدول الثرية»، قبل أن يتراجع أول من أمس ويطالب بمصارحة الإيرانيين حول تأثير العقوبات، محذرا من «تبعات الكذب»، إلا إنه في الوقت نفسه قال: «يجب أن تبقى المشكلات في داخل الأجهزة المعنية والبحث عن حلول لها».
وقبل جهانغيري بيوم قال روحاني الاثنين في أول تعليق على تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية، إنها «لن تضر أحدا إلا الشعب الإيراني، ولن تتأثر أي جهة أخرى بالعقوبات».
ويتعامل الإيرانيون بحذر وشكوك مع التقارير التي تصدر من وسائل الإعلام الرسمية، ويعود ذلك للسياسات الإعلامية المعلنة من السلطات في مواجهة العقوبات. وتمتد حالة عدم الثقة إلى وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية خارج البلاد، لا سيما التي في دول أجنبية تدعم سياسات روحاني ضد التيار الأصولي والمتشددين المقربين من «الحرس الثوري» والمرشد الإيراني، وهو ما شكل مصدر غضب للإيرانيين. وتواجه اتهاماً مؤخراً بأنها تقدم صورة بعيدة عن واقع الشارع الإيراني نتيجة الصلات التي تربطها بالتيارين المعتدل والإصلاحي.
وبحسب تقرير نشرته وكالة «رويترز» أمس، يستخدم الإيرانيون مواقع التواصل الاجتماعي لتوجيه غضبهم إلى ما يعدّونه «فساد وإسراف القلة صاحبة الامتيازات التي تنفق ببذخ في حين تعاني الأغلبية من صعوبات كبيرة في اقتصاد يواجه عقوبات أميركية أكثر صرامة».
ووفقا لباحثين مستقلين، فإن قنوات التلفزيون تعاني من عدم إقبال ونزف في عدد المتابعين، مقابل الاهتمام المتنامي بشبكات التواصل ووسائل الإعلام الجديدة التي أصبحت مصدرا أساسيا للمعلومة في البلاد.
ونتيجة لذلك، فرضت السلطات حظرا خلال العام الماضي على موقع «تلغرام»، وتدرس حاليا حظر شبكة «إنستغرام» التي تعد الأكثر شعبية في البلاد نتيجة حظر تفرضه السلطات على شبكتي «تويتر» و«فيسبوك» منذ احتجاجات «الحركة الخضراء» في 2009.
وشهدت البلاد موجة احتجاجات خلال العام الأخير اتسم بعضها بالعنف، لكن مع ازدياد الضغوط الاقتصادية، يشير الناس بأصابع الاتهام بشكل مزداد إلى أصحاب المال والنفوذ؛ ومنهم رجال الدين والدبلوماسيون والمسؤولون وأسرهم.
ومن بين المنفسين عن هذا الغضب سيد مهدي صدر الساداتي، وهو رجل دين مغمور نسبيا لديه أكثر من 256 ألف متابع لحسابه على موقع «إنستغرام»، حيث يكتب منشورات لاذعة تستهدف أبناء الصفوة بحسب «رويترز».
وفي أحد منشوراته الأخيرة انتقد «حياة البزخ» التي يعيشها قائد «الحرس الثوري» وابنه الذي نشر صورة شخصية على الإنترنت وهو يقف أمام نمر مستلق في شرفة قصر.
ومجرد الانتقاد العلني لعضو شهير في «الحرس الثوري»؛ الوحدة العسكرية القوية التي لا تخضع لمساءلة أي جهة سوى المرشد الإيراني علي خامنئي، هو في حد ذاته فعل تحدّ غير معتاد.
وكتب صدر الساداتي يقول: «نمر في المنزل؟ ماذا يحدث؟» وأضاف: «وهذا كله لشاب عمره 25 عاما لا يمكنه كسب مثل هذه الثروة. الناس تواجه صعوبات كبيرة للحصول على حفاضات لأطفالهم».
وانخفض سعر العملة الإيرانية الريال إلى 149 ألف ريال للدولار في السوق السوداء المستخدمة في أغلب التعاملات، من نحو 43 ألفاً في بداية عام 2018 عندما توعد الرئيس الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي بين طهران وقوى عالمية، الذي يهدف إلى كبح برنامجها النووي.
ودفع ذلك تكلفة المعيشة للارتفاع بحدة، وقلل الواردات، في حين دفع التهديد بعقوبات مالية أميركية كثيراً من الشركات الأجنبية للخروج من إيران أو الابتعاد عنها.
وقد يزداد الأمر سوءاً بعد أن بدأ سريان عقوبات إضافية هذا الأسبوع.
قبل 3 أشهر وافق خامنئي على مقترح رئيس القضاء صادق لاريجاني لتأسيس محاكم خاصة يتركز عملها على الجرائم المالية، خوفا من تنامي السخط من الثراء النسبي لقلة من سكان البلاد البالغ عددهم 81 مليون نسمة.
وأصدرت هذه المحاكم 7 أحكام بالإعدام على الأقل منذ تشكيلها في أغسطس (آب) الماضين وبعض المحاكمات أذاعها التلفزيون على الهواء.
ومن بين المحكوم عليهم بالإعدام وحيد مظلومين، الذي أطلق عليه الإعلام المحلي لقب «سلطان العملة» وهو متعامل متهم بالتلاعب في سوق الصرف، ومن المزعوم أنه ضُبط بطنين من العملات الذهبية؛ وفقا لما ذكرته «وكالة أنباء الطلبة (إسنا)» الإيرانية.
ويواجه كل من الحكومة و«الحرس الثوري» اتهامات بشأن التلاعب بالعملة. وكانت الحكومة نفت أي دور لها بأن تكون وراء ارتفاع سعر الدولار، فيما يقول الخبراء إن الحكومة قد اتخذت هذا المسار لتعويض عجز الميزانية تحت وطأة العقوبات الأميركية. لكن العقوبات المشددة، لم تكن كافية للحد من السخط، وأصبح كبار المسؤولين ورجال الدين في مرمى نيران الانتقادات.
وقال سعيد ليلاز، المحلل الاقتصادي والسياسي المقيم في طهران: «بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، يبحث الناس عمن يلقون اللوم عليه، وبهذه الطريقة ينتقمون من الزعماء والمسؤولين في البلاد».
ومن المرجح أن ترحب واشنطن بإشارات تعرض النظام في البلاد لضغوط؛ إذ تأمل في أن تجبر طهران، من خلال الضغوط الاقتصادية، على كبح برنامجها النووي والتراجع عن خططها لمد نفوذها العسكري والسياسي في الشرق الأوسط.
ويتراكم الغضب العام بين الإيرانيين منذ مدة؛ فقد بدأت الاحتجاجات بسبب الصعوبات الاقتصادية في أواخر العام الماضي، وامتدت في أكثر من 80 مدينة وبلدة، وأسفرت عن مقتل 25 شخصا على الأقل.
وإضافة إلى إسهاماته المكتوبة، نشر صدر الساداتي فيديوهات لمناظرات بينه وبين بعض منتقديه. وفي إحدى هذه المناظرات واجه مهدي مظاهري؛ ابن محافظ سابق للبنك المركزي وكان تعرض لانتقادات على الإنترنت بعد نشر صورة له يرتدي فيها ساعة ذهبية ضخمة. وصاح صدر الساداتي وسط النقاش المحتدم قائلا: «كيف أصبحت غنيا؟ بكم من المال بدأت حياتك وكم لديك الآن؟ كم قرضاً أخذت؟»، فقال مظاهري، الذي بدا غير قادر على الرد، إنه مستعد لنشر وثائق عن أوضاعه المالية.
وتعرض أبناء أكثر من 10 مسؤولين آخرين للانتقادات على الإنترنت، وأصبح يشار إليهم كثيرا بتعبير «أغا زادة» الذي يعني حرفيا بالفارسية: «من نسل النبلاء»، لكنه تعبير ازدرائي كذلك يستخدم لوصف ما يبدو عليهم من مظاهر البذخ.
واستهدفت الانتقادات كذلك رجال دين بارزين؛ فقد قدم محمد ناجي لطفي، الذي كان يتولى منصب خطيب الجمعة بمسجد في إيلام غرب إيران استقالته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعد تعرضه لانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب صورة له تظهره خارجا من سيارة رياضية فارهة.
ووصفت منشورات على «فيسبوك» لطفي بالمنافق لإلقائه الضوء في خطبه على سبل تمكن المواطن الإيراني العادي من التغلب على الأزمة الاقتصادية. وموجة الغضب كانت عاملا رئيسيا في استقالته من منصبه الذي شغله منذ 18 عاما.
وقال لطفي لوسائل إعلام حكومية بعد استقالته: «الضجيج الذي أثير ضدي وأنا في هذا المنصب... دفعني للاستقالة، خشية أن تتضرر مكانة المرشد الإيراني وسط تشكل هذا الضجيج»، مضيفا: «مسألة السيارة... محض أكاذيب لفقوها على الإنترنت».
وهو واحد من أربعة رجال دين، على الأقل، مسؤولين عن إمامة صلاة الجمعة قدموا استقالاتهم في العام الأخير بعد اتهامهم على مواقع التواصل الاجتماعي بالسفه وبمخالفات مالية.