تركيا تتحرك للاقتراض الخارجي عبر سندات مقومة باليورو

3 آلاف شركة تتقدم بطلبات لتسوية إفلاس بسبب الأزمة الاقتصادية

تزايد عدد الشركات التركية التي تقدمت بطلبات لتسوية إفلاسها جراء الأزمة الاقتصادية (رويترز)
تزايد عدد الشركات التركية التي تقدمت بطلبات لتسوية إفلاسها جراء الأزمة الاقتصادية (رويترز)
TT

تركيا تتحرك للاقتراض الخارجي عبر سندات مقومة باليورو

تزايد عدد الشركات التركية التي تقدمت بطلبات لتسوية إفلاسها جراء الأزمة الاقتصادية (رويترز)
تزايد عدد الشركات التركية التي تقدمت بطلبات لتسوية إفلاسها جراء الأزمة الاقتصادية (رويترز)

أعلنت تركيا خطة للقيام بتحرك غير مسبوق في سوق السندات المقومة باليورو خلال العام الحالي من خلال اقتراض يحل أجل سداده في عام 2026.
وذكرت وزارة الخزانة والمالية التركية، في بيان مقتضب على موقعها الإلكتروني أمس (الأربعاء)، أنه كجزء من برنامج الاقتراض الخارجي لعام 2018 تم تكليف 3 بنوك من أجل التعامل مع إصدار السندات المقومة باليورو، هي «بي إن بي باربيا» و«إتش إس بي سي» و«آي إن جي». ولم يوضح البيان حجم صفقة الديون الجديدة التي يستحق سدادها في عام 2026.
وتُعد تركيا مقترضاً دائماً في سوق السندات المقومة بالدولار، لكن هذه الصفقة ستكون السادسة من نوعها المقومة باليورو.
وتشكل الصفقة المخطط لها مرحلة أخرى في إعادة تأهيل تركيا داخل الأسواق العالمية، وذلك بعد الهبوط الحاد في قيمة الليرة التركية خلال الفترة الماضية، حيث خسرت أكثر من 40 في المائة من قيمتها خلال العام الحالي.
وفي منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عادت تركيا إلى الأسواق من خلال إصدار سندات بقيمة ملياري دولار، وأعلنت أن الأميركيين كانوا الأكثر إقبالا عليها.
في الوقت ذاته، يتصاعد عدد الشركات التي تعلن إفلاسها أو تغلق أبوابها في تركيا بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها حاليا، وتقدمت شركة «إيسار» عملاق صناعة الأحذية في تركيا، بطلب لإعادة جدولة ديونها، لتنضم إلى الكثير من الشركات المتعثرة، في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية.
وسبق شركة إيسار مجموعة من كبريات الشركات في مجال صناعة الأحذية، ومنها «هوتتش» و«يشيل كوندورا» و«بيستا» و«سابو» و«ريكاردو كولي».
ووافقت المحكمة التجارية في إسطنبول على طلب تسوية الإفلاس، الذي تقدمت به «إيسار»، ومنحتها مهلة 3 أشهر لإعادة توفيق أوضاعها مع تعيين لجنة رقابة مالية وإدارية للإشراف عليها.
و«ريكاردو كولي» هي علامة مسجلة في الكثير من دول العالم من بينها إيطاليا وهولندا وبريطانيا، وتعتبر واحدة من أهم الشركات في قطاع الأحذية في تركيا، وتصدر منتجاتها لعدد كبير من الدول حول العالم. ويمكن للشركات في تركيا طلب تسوية إفلاس من القضاء للحماية من الإفلاس والحجز على ممتلكاتها، وتعني الخطوة إرجاء الإفلاس مؤقتاً لحين سداد الديون خلال 3 أشهر. وبفضل هذا الإجراء تصبح ممتلكات الشركة خاضعة للحماية بقرار قضائي ولا يتم اتخاذ أي إجراءات حجز عليها، لكن يتوجب على الشركات سداد نصف ديونها كي يُقبل طلبها.
في السياق ذاته، قررت شركة «ألاركو هولدنغ» التركية وقف إنتاج الكهرباء لمدة عام في محطة «التاك ألاركو» التابعة لها في مدينة كيركلار، وأرجعت القرار لأسباب اقتصادية.
وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمحطة التي تأسست في عام 2005 بطاقة 82 ميغاواط، حاليا نحو 600 ميغاواط سنويا. وذكر بيان للشركة أمس أن هذا الوضع لن يحدث تأثيرا بارزا على نتائج عملها.
وفي أكتوبر الماضي، زادت شركة الطاقة الوطنية التركية «بوتاش» أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 18.5 في المائة للمصانع، في زيادة هي الثالثة في 3 أشهر وسط تراجع في قيمة الليرة يؤجج تكاليف الوقود، ونقص السيولة.
وجاء قرار الشركة بوقف الإنتاج في محطة التاك ألاركو، رغم قرار شركة «بوتاش» بخفض سعر الغاز الطبيعي الذي تبيعه إلى منتجي الكهرباء بنحو 8.8 في المائة من أجل دعمهم للاستمرار في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
ويأتي نحو ثلث إجمالي إنتاج تركيا من الكهرباء، البالغ 293 مليار ميغاواط، من محطات تعمل بالغاز الطبيعي وفقا لإحصاءات العام 2017.
في السياق ذاته، كانت شركة «دي واي أو» للدهانات، التي تمتلك 6 منشآت داخل تركيا وخارجها، أعلنت وقف إنتاجها لمدة 5 أيام خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.
وبحسب البيان الصادر عن الشركة؛ فإن الأزمات الاقتصادية التي باتت تشل الاقتصاد التركي وتؤثر على نشاط مؤسساتها وراء قرار وقف الإنتاج خلال الشهر المقبل.
وتقوم الشركة بتصدير منتجاتها لأكثر من 40 دولة حول العالم، وتشغل أكثر من 1061 عاملا وموظفا بدرجات مختلفة. وتتبعها مصانع في كل من مصر ورومانيا وروسيا.
وتقدمت شركة «هدف يابي» التركية للإنشاءات، بطلب تسوية إفلاس؛ بسبب تعثرها ماليا. وتتولى الشركة أعمال إنشاء مسجد «تشامليجا» في إسطنبول، وهو الأكبر في تركيا، ومركز تسوق ومساكن «آك آسيا»، وفندق «هيلتون أضنة»، وجامعة «سابانجا»، وخط النفط الخام «باكو تبليسي جيهان». ودفعت الأزمة الاقتصادية التركية أكثر من 3 آلاف شركة إلى التقدم بطلبات مماثلة.



ارتفاع حاد لسندات لبنان الدولارية مع تفاؤل المستثمرين بالإصلاحات

الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
TT

ارتفاع حاد لسندات لبنان الدولارية مع تفاؤل المستثمرين بالإصلاحات

الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)

ما إن انتخب مجلس النواب اللبناني العماد جوزيف عون رئيساً جديداً للبلاد، بعد أكثر من عامين على الشغور الرئاسي، حتى عززت سندات لبنان الدولارية مكاسبها مسجلةً ارتفاعاً حاداً وسط تفاؤل بإجراء إصلاحات في بلد مزقته الحروب، وأنهكت اقتصاده الذي تناوله عون في خطابه بعد إدلائه بالقسم، حين شدّد على تمسكه الثابت بمبادئ الاقتصاد الحر.

وقد شهدت سندات لبنان الدولية بآجالها كافة، الخميس، ارتفاعاً إلى أكثر من 16 سنتاً للدولار، من حوالي 13 سنتاً يوم الأربعاء، وذلك بعدما كانت وصلت إلى أدنى مستوياتها عند 6.25 سنت في عام 2022، رغم أنها لا تزال أدنى بكثير من أسعار سندات دول أخرى تخلفت عن سداد التزاماتها في العام نفسه.

جوزيف عون يسير بعد انتخابه رئيساً للبنان في مبنى البرلمان ببيروت (رويترز)

وكان لبنان أعلن التخلف عن سداد ديونه في ربيع عام 2020 بعد أن سقط النظام المالي في البلاد في أزمة اقتصادية عميقة في 2019.

وتأتي هذه الزيادة في قيمة السندات في وقت بالغ الحساسية، حيث لا يزال الاقتصاد اللبناني يترنح تحت وطأة تداعيات الانهيار المالي المدمر الذي بدأ في 2019، إذ يواجه أزمة مصرفية ونقدية وسياسية غير مسبوقة استمرت أكثر من ثلاث سنوات، أثرت بشكل عميق على استقراره النقدي، مما جعله واحداً من أكثر البلدان عُرضة للأزمات المالية في المنطقة. ومنذ بداية هذه الأزمة، شهد الاقتصاد انكماشاً حاداً ناهز 40 في المائة، مما أدى إلى تدهور ملحوظ في جميع القطاعات الاقتصادية. كما فقدت الليرة اللبنانية ما يقارب 98 في المائة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، مما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وزيادة معاناتهم. في الوقت نفسه، سجل التضخم معدلات غير مسبوقة، مما زاد من الأعباء المالية على الأسر. وفي الوقت ذاته، خسر المصرف المركزي اللبناني ثلثي احتياطياته من النقد الأجنبي، مما أضعف قدرته على دعم العملة المحلية وضمان استقرارها.

ويرى مراقبون أن الارتفاع القوي لسندات ما يعرف باليوروبوندز ينبع من التفاؤل بأن انتخاب عون رئيساً جديداً سيفتح الباب على تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية مطلوبة بشدة. ويعدون أن هذا من شأنه أن يمهد الطريق لإعادة هيكلة السندات الدولية في نهاية المطاف.

لكن التحدي هو في اختيار رئيس للوزراء، والإسراع في تشكيل حكومة تعمل على تمرير الإصلاحات بالتعاون مع مجلس النواب.

وقال سورين ميرش، مدير المحافظ في «دانسكي بنك» في كوبنهاغن الذي بدأ بشراء السندات اللبنانية في سبتمبر (أيلول): «إذا تمكن لبنان من انتخاب رئيس جديد، فأتوقع أن ترتفع السندات. فانتخاب رئيس يعني على الأرجح تعيين رئيس وزراء، وتشكيل حكومة فعّالة بدلاً من تلك القائمة بالوكالة»، وفق «بلومبرغ».

وتوازياً، شهدت الأسواق اللبنانية حالة من التهافت على شراء الليرة اللبنانية، حيث عدّ كثير من اللبنانيين أن انتخاب عون قد يُشكّل بداية مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي، ما قد ينعكس إيجاباً على العملة المحلية. ومع الآمال التي علّقها البعض على تحسن الوضع الاقتصادي، يتوقع كثيرون أن تشهد الليرة تحسناً مقابل الدولار في ظل التفاؤل الذي صاحب هذه الخطوة السياسية المهمة.

الاقتصاد في خطاب عون

في خطابه الأول بعد انتخابه رئيساً، شدّد عون على تمسكه الثابت بمبادئ الاقتصاد الحر، مؤكداً على أهمية بناء قطاع مصرفي يتمتع بالاستقلالية التامة، بحيث لا يكون الحاكم فيه سوى القوانين. كما بعث برسالة واضحة ومباشرة إلى المواطنين والمودعين، مؤكداً أن حماية أموالهم ستظل على رأس أولوياته، معلناً أنه لن يتهاون في هذا الملف الذي يمثل تحدياً كبيراً.

أعضاء من الجيش اللبناني يقفون خارج فرع «بنك بلوم» في بيروت (رويترز)

وأكد عزمه على بناء علاقات قوية مع الدول العربية، التي تُعد شريكاً رئيساً في إعادة الإعمار، ودعم لبنان اقتصادياً، لا سيما وأن تعزيز هذه العلاقات سيسهم في الحصول على الدعم المالي العربي، وتحفيز النمو من خلال جذب الاستثمارات، وفتح قنوات التعاون مع دول دعمت لبنان في فترات سابقة.

تحديات

إلا أن تحديات كبيرة تواجه الرئيس. فهل سيتمكن عون من تحقيق الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لانتشال لبنان من أزمته الراهنة وتحقيق الاستقرار المالي؟

يتصدر ملف الإصلاحات الاقتصادية أولويات الاستحقاقات الوطنية في لبنان، ويُعد البوابة الأساسية لاستعادة الاستقرار المالي والانطلاق نحو تعافي الاقتصاد المترنح. وتتجاوز أهمية هذه الإصلاحات تحسين الوضع الداخلي، فهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة إعادة الإعمار والحصول على الدعم المالي. وفي هذا السياق، يُتوقع أن يُعاد إحياء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بهدف التوصل إلى اتفاق ينص على تأمين الدعم المالي مقابل التزام الحكومة بحزمة إصلاحات هيكلية ومالية تشمل تحسين إدارة القطاع العام، ومكافحة الفساد، وتحرير الاقتصاد من القيود التي تعرقل نموه. وتُعد هذه الإصلاحات حجر الزاوية في عملية إنقاذ لبنان، حيث تشكل الأساس للحصول على الدعم الدولي بشتى أنواعه.

وفي ظل استمرار لبنان في معركته ضد الدين العام الهائل الذي بلغ نحو 140 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، سيواجه الرئيس الجديد مهمة شاقة تتمثل في إرساء الاستقرار المالي الذي من شأنه أن يعزز الثقة المتجددة في النظام الاقتصادي اللبناني، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الديْن العام، وبدء مفاوضات جادة مع الدائنين.

كذلك ستتجه الأنظار إلى آفاق جديدة في إدارة الاقتصاد اللبناني، لا سيما فيما يتعلق بإعادة استقرار سعر صرف الليرة، التي سجلت اليوم 89 ألف ليرة مقابل دولار واحد، بعد أن كانت عند 1500 ليرة في عام 2019. وتبدي الأوساط الاقتصادية أملاً كبيراً في تحسن الوضع المالي بفضل السياسات النقدية الجديدة التي سيقودها حاكم أصيل لمصرف لبنان. ومن هذا المنطلق، يعد انتخاب عون خطوة محورية نحو تحقيق بيئة سياسية أكثر استقراراً، وهو ما يسهم في تعزيز الثقة في النظام النقدي اللبناني المتأزم.

علاوة على ذلك، تقع على الحكومة المقبلة سياسات مالية تهدف إلى تقليص العجز في الموازنة العامة من خلال تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، وزيادة الإيرادات المحلية. ويُعد التركيز على مكافحة الفساد والتهرب الضريبي من بين الأولويات الرئيسة التي يجب أن تسعى الحكومة إلى تحقيقها في الفترة المقبلة، في خطوة تهدف إلى استعادة الثقة بالمؤسسات الحكومية وتحقيق الشفافية المالية، خاصة وأن مسح البنك الدولي السنوي الأخير عن الحوكمة والإدارة الرشيدة لعام 2024 صنف لبنان في المرتبة 200 عالمياً من أصل 213 دولة، والمرتبة الـ16 بين 20 دولة عربية من حيث فاعلية الحكومة.

إضافة إلى هذه التحديات الاقتصادية العميقة، يواجه عون أيضاً صعوبة في تعزيز البنية التحتية المتدهورة للبلاد، مثل قطاع الكهرباء الذي يُعد من العوامل الأساسية التي تثقل كاهل الدين العام (حوالي 45 مليار دولار من إجمالي قيمة الدين العام)، وتستهلك جزءاً كبيراً من الموارد العامة دون أن تقدم تحسينات ملموسة في الخدمات المقدمة للمواطنين.

احتفالات شعبية بعد انتخاب قائد الجيش اللبناني جوزيف عون رئيساً للبنان (رويترز)

إن لبنان اليوم يقف أمام اختبار اقتصادي بالغ الأهمية في تاريخه الحديث، حيث تأمل البلاد في التغلب على أزماتها الاقتصادية الحادة، مدعومةً بدعم عربي ودولي حيوي يسهم في تحقيق الاستقرار وإعادة البناء.