منصة «المواهب اللبنانية»... نافذة مفتوحة على عالم الرسم

ريان عيد أصغر المشاركين: أستلهم عملي من وجوه الناس اليومية

زائرة للمنصة الفنية «المواهب اللبنانية» («الشرق الأوسط»)
زائرة للمنصة الفنية «المواهب اللبنانية» («الشرق الأوسط»)
TT

منصة «المواهب اللبنانية»... نافذة مفتوحة على عالم الرسم

زائرة للمنصة الفنية «المواهب اللبنانية» («الشرق الأوسط»)
زائرة للمنصة الفنية «المواهب اللبنانية» («الشرق الأوسط»)

في القرن الحادي والعشرين، لم تعُد لمسة الإبداع في لوحات الرسامين حكراً على فئة معينة أو طبقة اجتماعية تستطيع أن تدفع الآلاف، وأحياناً عشرات الآلاف، في لوحات تنطق إبداعاً بريشة رسامين مشهورين، فقد استضافت العاصمة اللبنانية بيروت، يوم الخميس الماضي، منصةً فنيةً تهتم بأعمال رسامين معروفين وآخرين ناشئين للمرة الأولى، تحت عنوان «المواهب اللبنانية».
شباب لبناني يؤمن بأن الفن لغة يستطيع التواصل من خلالها مع الآخر. إنها محطة معارض دائمة تستقبل زوارها من عاشقي الفن طيلة أيام السنة.
«إننا نهدف من خلال هذا المركز الفني إلى أن نسهل الطريق أمام اللبنانيين لتذوق فن الرسم واقتناء لوحات بأسعار مخفضة؛ فالأعمال المعروضة في هذه المنصة الفنية بمثابة لوحات مصغرة عن أخرى كبيرة الحجم موقَّعة من أصحابها تتيح الفرصة أمام الناس غير المقتدرين لتكون بمتناول أيديهم»، يقول سيمون مهنا صاحب الفكرة الذي يدرس فنون الرسم في عدد من الجامعات في لبنان. ويضيف في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هناك أشخاص كثر يتذوقون الفن ويحبون امتلاك مجموعات لرسامين معروفين وغيرهم، إلا أن إمكانياتهم المادية لا تخولهم القيام بذلك. من هنا وُلِدت الفكرة لدي، ورُحت مع فريق متخصص نبحث عن رسامين لبنانيين ناشئين ومحترفين يوافقوننا الرأي». وتتراوح أسعار اللوحات المعروضة ما بين 60 و500 دولار، وذلك وفقاً للأهمية التي تحملها كل منها. وبالفعل نجح مهنا، الشاب العشريني، في إقناع عدد لا يُستهان به من الرسامين المعروفين الذين سبق لهم أن شاركوا في معارض ومتاحف محلية وعالمية. بيد أن ما يميز مشروعه أنه كشف عن مواهب صاعدة تشارك لأول مرة وتمتلك قدرات إبداعية بهرت الحاضرين.
«لقد انطلقنا اليوم مع نحو 9 رسامين لبنانيين مشهورين وناشئين، واستحدثنا مساحة لا يُستهان بها للمرأة الرسامة؛ كوننا نرغب في دعمها وتشجيعها على ممارسة هوايتها هذه، من باب الاحتراف»، يعلق مهنا الذي جال معنا في أنحاء هذه المنصة يشرح الأقسام التي تتضمنها.
في اليوم الأول من المعرض استطاع ريان عيد، الفنان الشاب، على الرغم من صغر سِنّه (18 عاماً)، جذب الأضواء ولفت أنظار الحاضرين، حسب مهنا، الذي وصفه بـ«فلتة الشوط» في هذا المعرض المعاصر، قائلاً: «إنه موهبة لافتة للنظر، ويمتلك تقنية رسم خاصة به».
يقول عيد لـ«الشرق الأوسط» وابتسامة فرح تعلو وجهه: «سعيد وفخور لمشاركتي بهذا المعرض الذي يجمع الفن اللبناني، وطبعاً أشكر الفنان سيمون مهنا الذي يدعم هذا الفن، ويُسهِم في اكتشاف المواهب الجديدة ويساعدها»، لينطلق بعدها متحدثاً عن لوحاته: «أستلهم عملي من وجوه الناس اليومية؛ فقد يترك الحزن أو الفرح أو الجوع أو الفقر ملامحه على الوجوه».
وبسؤاله: «وكيف لريشة أن تتكلم عما تريد إظهاره في أعمالك؟»، قال: «ليس ضرورياً أن تعبِّر الكلمة عن المضمون، فبريشة يستطيع الفنان إظهار عمله، ومن خلال لوحة تخرج حقيقة مشاعر الناس تاركة تضاريسها على ملامح الوجه، فبالرسم يخاطب العقل القلب». ويتابع: «من خلال هذه اللوحات أحاول أن أبعث رسالة لكل إنسان تنتابه المشاعر ذاتها في مواقف قد يصادفها يومياً».
وبسؤاله: «لاقى المعرض نجاحاً وإقبالاً جيداً، ما انطباعاتك في اليوم الأول منه، وكيف تجاوب الحاضرون مع رسوماتك؟»، ردّ قائلاً: «جميل أن تشعر بتشجيع الناس لهذا الفن بطريقة رائعة. في اليوم الأول من المعرض بيعت جميع لوحاتي، فكيف لا أكون سعيداً عندما أرى كل هذا الاهتمام بعملي؟!».
«تتصل هذه المنصة اتصالاً مباشراً بغاليري (بانزي) من نوع (أون لاين). إننا نركِّز على مواهب لبنانية ومن منطقة المتوسط وأفريقيا، بحيث تكمل بمحتوياتها ما بدأناه مع منصة (المواهب اللبنانية)، ولكن بشكل أوسع»، تقول بان خاطر صاحبة الغاليري موضِّحةً التعاون ما بين الاثنين. ويؤكد سيمون مهنا أنه خاف بداية من ألا يتجاوب مع فكرته الفنانون المشهورون، إلا أنه ما لبث أن لمس حماسهم للفكرة وموافقتهم على المشاركة فيها من دون تردد. ويرى مهنا أنه في كل عام سيحاولون تجديد أسماء الفنانين المعروفين ليتعاونوا مع آخرين في كل موسم. ومن المشاركين في المنصة لبنانيون معروفون في عالم الرسم، مثل شارل خوري ومحمد عبد الله وآني كوركدجيان؛ فالأول عضو منتسب لـ«صالون الخريف» التابع لمتحف سرسق في بيروت وفي اتحاد الفنون العالمي في «يونيسكو باريس».
تميَّزت أعماله بالطابع التجريدي الانطباعي وبأشكالها المبهمة التي تربط ما بين وجوه الناس وأعماقهم. وفي مجموعة أخرى له نلحق بخياله الواسع الذي يجسد من خلاله حروب لبنان الصغيرة. ومحمد عبد الله الذي غاص بالحضور في عالم دافئ وحميم. فيما تنقل آني كوركدجيان الزوار بريشتها الانسيابة والملونة بملامح وجوه تعبق بحالات نفسية مختلفة تمثل تجارب وعلاقات الناس ببعضها.
وفي لوحات غسان عويس المنمنمة هناك محاولة لقراءة مذكراته المكتوبة بخط عربي يخرج معها عن المألوف في الرسم لتبدو وكأنها مطبوعة. ومع الرسّامة سارة شعار نلاحظ الإحساس المرهف الذي تظهره بريشتها فتنساب شخصيات لوحاتها بنعومة. هناك أيضاً الفنان إيليو شاغوري الذي يتخذ من فرش الأسرة عنواناً للوحاته، فيصورها في لقطات مختلفة ليعبر من خلالها عن مكنوناتها وأحاسيسها عندما نغادرها.
وفي وقفة تكريمية تقدمها المنصة للرسامة الراحلة لين حسيني، نلاحظ أجواء البراءة والبساطة التي تسطرها في لوحاتها، مستخدمة تقنية التلوين العفوي في لوحتي «الدكان» و«الغرفة» وغيرهما. «لقد رحلت وهي في العقد الثالث من عمرها تاركة وراءها مجموعة صغيرة من رسوماتها التي كانت تمثل لها طاقة الفرج الوحيدة». تقول خاطر التي حصلت على أعمال الرسامة الراحلة بصعوبة.
ومع سيمون مهنا نتابع لوحات زيتية صغيرة ركز فيها على تعابير وجوه أشخاص مبهمين، يعيشون في عبثية ألوان دافئة اختارها خصيصا لإظهار تقنيته بشكل نافر.
وتدرج المنصة في أقسامها ركناً خاصاً لصناديق من مادة «البليكسي» (الزجاج الشبكي) تحمل أعمال الفنانين المشاركين مع شهادة مدموغة من قبلهم تخوِّل لهواة هذا النوع من اللوحات شراءها بأسعار «متهاودة» والاحتفاظ بها أو بيعها بعد وقت في مزادات علنية للقيمة الفنية التي تحملها.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.