انتخب البرلمان الإثيوبي يوم 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي سهلي - ورق زودي رئيسةً للدولة بغالبية ساحقة، ليجعل منها أول امرأة تتقلد المنصب الرفيع في تاريخ إثيوبيا الحديث، وذلك خلفاً للرئيس السابق مولاتو تشيومي الذي تقدم باستقالته فجأة ومن دون مقدمات. فمنذ الإمبراطورة توتا بتول، زوجة الإمبراطور الإثيوبي منليك الثاني، التي شاركت في قيادة جيوش الإمبراطورية في معركة عدوة، التي هزم فيها الاستعمار الإيطالي، لم تجلس امرأة إثيوبية على منصب بهذه الأهمية.
وعلى الرغم من أن منصب «رئيس الدولة» في إثيوبيا يعد منصباً بروتوكولياً؛ لأن الدستور الإثيوبي يعطي الصلاحيات التنفيذية الواسعة لرئيس الوزراء، فيتيح له نفوذاً سياسياً كبيراً، فإن اختيار زودي للرئاسة ينتظر أن يعطي المنصب الكثير من الديناميكية والتأثير، وأن تنفح فيه من «روح المرأة الإثيوبية»، لتحقيق المساواة بين الجنسين.
بدت الدبلوماسية سهلي - ورق زودي «مزهوّة» بتحقيق حلم والدها بأن تصبح ذات شأن، ويا له من شأن، فقد احتلت منصب السيدة الإثيوبية الأولى التي تتولي منصب رئيس الدولة.
وقالت زودي في كلمتها إلى البرلمان غداة انتخابها رئيسة للدولة بغالبية كاسحة «نحن أربع شقيقات، كان والدي يقول دائماً وبفخر إنه أب للإناث، تنبأ لنا بأن نكون أفضل من الرجال بالعلم». وأبدت امتنانها لجهود والدها التي أثمرت بنيلها المنصب الكبير، بقولها: «أنا أقف اليوم لأشكر والدي، وأقول له إنني وصلت إلى هذا المنصب وحققت رؤيتك... أقول لكل امرأة ولكل أب وأم لإناث، إننا تساوينا ولم يعد هناك فرق بين الرجال والنساء بعد اليوم».
أكدت سهلي - ورق في كلمتها للبرلمان، إنها ستركز على قضايا المرأة ودعم مواصلة الجهود الإصلاحية التي يقودها رئيس الوزراء آبي أحمد، وتابعت في تصريحات «يمكن أن يحافظ التغيير الذي تشهد إثيوبيا على زخمه، إذا كان يتزعمه الرجال والنساء بالتساوي، ويمكن أن يؤدي إلى إثيوبيا مزدهرة خالية من التمييز الديني والعرقي والجنسي؛ لذلك أؤكد أن أعمل خلال فترة ولايتي على تعزيز دور المرأة، وحفظ السلام من أجل النساء». ثم أضافت: «إذا كانت الإصلاحات التي بدأناها يقودها بنفس القدر من الرجال والنساء على حد سواء، فإن البلاد ستنسى في وقت قريب الفقر والتخلف وتتحرك نحو الازدهار... إن الإثيوبيين في حاجة إلى بناء مجتمع يرفض اضطهاد المرأة».
في الواقع، جاء اختيار زودي رئيسةً إكمالاً لحزمة إصلاحات يقودها رئيس الوزراء آبي أحمد، الذي ظل يعمل منذ انتخابه في مارس (آذار) الماضي، على سياسة جديدة وغير معهودة في البلد الذي ظل يتبع تقاليد صارمة بشأن الحكم. وهزت خطواته الجريئة أسس وتقاليد الحكم المتوارثة في «الإمبراطورية» القديمة، بتكوينه حكومة من عشرين وزيراً نصفهن من النساء، ومنحهن في تلك التشكيلة مناصب وزارية سيادية رفيعة، لم تكن متاحة للنساء من قبل.
إذ اختار رئيس الوزراء عائشة محمد وزيرة للدفاع، وباتت أول امرأة تتولّى هذا المنصب الحساس الذي كان حكراً على الرجال، ضارباً بذلك أسس المحاصصة العرقية التي ظل الحكم في إثيوبيا يقوم عليها منذ وصول التحالف الحاكم لأديس أبابا، وزيرة الدفاع من عرقية «العفر» الصغيرة المسلمة. وأكمل آبي أحمد ثورته في هزّ قيم الحكم الإثيوبي باستحداث «وزارة السلام» واختار لها الوزيرة الشابة مفريات كامل على رغم من حساسية المنصب الذي يدير قوات الشرطة والأمن وغيرها. ثم اختتم «ثورته الجندرية» بتعيينه يوم الخميس الماضي السيدة مآزا أشنافيفي في منصب رئيسة المحكمة العليا لتغدو أول سيدة تتولى المنصب هي الأخرى. وبحسب مصادر صحافية، كان آبي قد قال بعيد إعلان حكومته: «المرأة ستساعد في محاربة الفساد، لأنها أكثر كفاءة وأقل فساداً من الرجل»، بينما نقلت عنه «العربية نت» قوله «وزيراتنا سيحطمن المقولة القديمة بأن النساء لا يصلحن للقيادة».
وفي العاصمة السودانية الخرطوم، علّق رئيس البعثة الدبلوماسية الإثيوبية أمسالو هيتي لـ«الشرق الأوسط»، على انتخاب زودي قائلاً: إن «خبرات السيدة سهلي - ورق الكبيرة، المحلية والدولية، ستسهم بشكل كبير في تطور البلاد وتنميتها وترسيخ الديمقراطية والسلام والوحدة في البلاد». وأردف: «كامرأة يمكن أن تسهم بشكل كبير؛ لأن النساء هن اللاتي ينعكس عليهن تطور المجتمع سلباً وإيجاباً»، وتابع: «الرئيسة سهلي - ورق كامرأة يمكن أن تحشد النساء في اتجاه تحقيق التنمية، وفي تطور البلاد».
وإضافة إلى خبرات الرئيسة الجديدة، ولكونها امرأة يمكن أن تحشد جهود النساء من أجل التنمية، يرى الدبلوماسي الإثيوبي أن بلاده ستستفيد كثيراً من علاقات الرئيسة الدولية والإقليمية»... بل ويمكنها توظيف هذه العلاقات لخدمة إثيوبيا...أنا مقتنع بذلك، إنها ستفعل».
من جهته، يقول محمد حامد جمعة، الصحافي السوداني المتخصص في الملف الإثيوبي، إن منصب رئيس الجمهورية كان قد استحدث لخلق توازن بين القوميات الإثيوبية، وإرضاءً للمحاصصات القبلية التي كان الحكم في إثيوبيا يقوم عليها. وأوضح جمعة، أن رئيس الوزراء آبي أحمد بعد مجيئه للسلطة خالف المتعارف عليه، واعتمد طريقة جديدة في اختيار معاونيه ووزرائه، تعتمد على الكفاءة وتتجاوز العرق والإثنية والقومية، وتقوم على الكفاءة والشباب.
ورأى جمعة، أن اختيار سهلي - ورق زودي رئيسةً جاء لإكمال سلسلة حلقة ومفاهيم «جندرية»، هي «إكمال تمكين النساء الذي بدأه بإعطاء نصف الحقائب الوزارية في الحكومة الإثيوبية للنساء، وتمكينهن من وظائف مثل وزارتي الدفاع والسلام اللتين تعدان من أخطر الوزارات وأكثرها حساسية».
ويوضح جمعة، أن الرئيس الشاب اعتمد على الشباب كلياً في إدارته الجديدة، واختار المؤهلات بديلاً للمحاصصات، مستطرداً «لقد عيّن الرجل 55 وزير دولة من الشباب دون مراعاة لأي جوانب إثنية، فقط لأنهم مؤهلون». وهو يقطع بأن رئيس الوزراء يسعى لتغيير الموازنة السياسية التقليدية في إثيوبيا، معتمداً على «الجندر» والمساواة بين الرجال والنساء، والشباب للتخلي عن المحاصصات الإثنية. ثم يوضح «هو يريد خلق هذه المناسبة لتحقيق هدفين، أولها إرسال رسالة يخاطب بها العالم بأن شيئاً إيجابياً وجديداً يحدث، ورسالة للداخل تكسب النساء وتحشدهن من أجل الإصلاحات التي يقوم بها».
وعلى الرغم من مراسمية منصب رئيس الدولة في إثيوبيا ورمزيته، فإن جمعة يقطع بإمكان إحداث الرئيسة سهلي - ورق اختراقاً يتيح لرئيس الوزراء إيكال بعض الملفات لها، ويشرح «إنها سيدة مقبولة في المجتمع الدولي، وخبراتها المتراكمة تتيح لها تولي بعض ملفات رئيس الوزراء خاصة في الجانب الدبلوماسي... ولقد كانت كلمتها في احتفال جنوب السودان بتوقيع اتفاقية السلام في العاصمة جوبا، في أول مشاركة خارجية لها بعد انتخابها رئيسة، في غاية الدقة والدبلوماسية».
أيضاً يوضح جمعة، أن اختيار الرئيسة الجديدة للدولة الإثيوبية سيعزز من توجهات آبي أحمد الغربية التي قد تتجاوز دول الجوار والإقليم، ويضيف: «سهلي - ورق لم تكن طرفاً في الفساد، فأبوها كان جنرالاً كبيراً في الجيش الإثيوبي، وهي تؤمن بقيم المساواة بين الجنسين وتمكين الشباب من الحكم».
وبالتالي، يتوقع جمعة أن يحدث انتخابها، وجهود رئيس الوزراء في قيادته لتيار تجديدي على مستوى الأفكار والأشخاص والكتل التي يمثلونها، طفرة في إثيوبيا... طفرة تتجاوز المفاهيم التقليدية للسياسية الإثيوبية القديمة. ويتابع: «لم يتبع أحمد سياسية الترضيات الإثنية، ولم يجنح لترضية المعارضين العائدين للبلاد، بل اتبع سياسة الكفاءة والشباب وتمكين المرأة وتبني الأفكار الجديدة، وهي سياسة يمكن أن تلعب الرئيسة سهلي - ورق زودي دوراً مميزاً في دعمها».
من جهة ثانية، على صفحته في موقع التراسل «تويتر» قال فيستم أريغا، مدير مكتب رئيس الوزراء، معلقاً على اختيار زودي رئيسة «المجتمع الإثيوبي مجتمع بطريركي (ذكوري – أبوي) محافظ، وفي مجتمع مثيل فإن تعيين رئيسة أنثى، لن يحدد معايير المستقبل وحدها، بل يشير إلى إمكان تحويل النساء إلى صانعات أدوار في الحياة العامة في إثيوبيا».
- بطاقة هوية
أبصرت الرئيسة سهلي - ورق زودي النور يوم 21 فبراير (شباط) 1950 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وهي ابنة عائلة: «عسكرية»؛ إذ كان والدها جنرالاً كبيراً في عهد»الإمبراطور هيلي سيلاسي». وحقاً، أوردت الرئيسة في كلمتها للبرلمان غداة انتخابها رئيسة، إن والدها الجنرال زودي خلّف أربع فتيات ولم يرزق بذكور، وكان مهموماً بتربيتهن وتعليمهن على أرفع مستوى.
تعلمت زودي في مدارس بلادها حتى المرحلة الجامعية؛ إذ درست في جامعة أديس أبابا. وبعد ذلك حصلت على منحة لدراسة العلوم الطبيعية في جامعة مونبيلييه الفرنسية العريقة، وأقامت في فرنسا زهاء تسع سنوات أتقنت خلالها اللغتين الفرنسية والإنجليزية إضافة إلى جانب اللغة الأمهرية، لغتها الأم، قبل أن تعود لخدمة بلادها.
عملت زودي، بعد عودتها من فرنسا، في وزارة التربية والتعليم بقسم إدارة العلاقات العامة، ثم ترقّت لتصبح رئيسة للقسم، ثم اختيرت لتشغل وظيفة دبلوماسية في وزارة الخارجية.
وفي وزارة الخارجية تدرّجت في الوظائف الدبلوماسية، حتى تم تعيينها سفيرة مقيمة في السنغال، والوقت نفسه عيّنت سفيرة غير مقيمة في كل من مالي والرأس الأخضر وغينيا بيساو وغامبيا وغينيا، خلال الفترة بين 1989–1993. وفي أعقاب تلك الحقبة، نقلت سفيرة لبلادها في دولة جيبوتي المجاورة، وشغلت المنصب طوال الفترة 1993 – 2002، وإلى جانبه كانت تشغل منصب الممثلة الدائمة لإثيوبيا في «الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا» (إيقاد) التي تتخذ من جيبوتي مقراً لها.
من جيبوتي انتقلت زودي سفيرة لإثيوبيا لدى فرنسا، وخلال فترة شغل منصب السفير في باريس بين 2002 - 2006، شغلت أيضاً منصب الممثل الدائم لبلدها في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، وإلى جانب ذلك عملت سفيرة غير مقيمة لدى كل من المغرب وتونس.
وشغلت بعد ذلك منصب الممثل الدائم لإثيوبيا في الاتحاد الأفريقي، ثم لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية في أفريقيا (ECA)، وعملت مديرة عامة للشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية، قبل اختيارها من قبل الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون ممثلاً خاصاً له لبناء السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى عام 2011 .وفي العام ذاته، اختارها الأمين العام الحالي للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مديراً عاماً لمكتب الأمم المتحدة في العاصمة الكينية نيروبي، بمستوى وكيل الأمين العام للأمم المتحدة.
واكتملت مراحل ترقي سهلي – ورق زودي، أخيراً، بانتخابها من قبل البرلمان الإثيوبي رئيسة للدولة. وبالتالي، صارت الرئيس الرابع لإثيوبيا منذ وصول «ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية» إلى السلطة، بعد كل من نيغاسو غاديد، وقيرما ولد غيورغيس، ومولاتو تيشومي الذي استقال قبل إكمال دورته الرئاسية. وينتظر أن تعمل زودي في منصبها لفترتين مدتهما ست سنوات.