رحيل عبد الله الحقيل الناشط في «حركة التعريب» بدول الاستعمار

ودعت السعودية أمس عبد الله بن حمد الحقيل، الأديب والمؤرخ والتربوي، الأمين العام السابق لدارة الملك عبد العزيز، بعد رحلة طويلة ركض فيها في مضامير متعددة، طيلة ستة عقود، وترك سفراً خالداً من الأعمال والمؤلفات والكتابات في مجالات اللغة والأدب والرحلات، أثرت الساحة الأدبية والثقافية في بلاده، وامتدت مساهماته لتشمل "حركة التعريب" في دول عربية بعد نيلها الاستقلال من الاستعمار، كما شغل الراحل الذي صلي عليه عصر أمس في جامع الملك خالد في أم الحمام غرب العاصمة السعودية، ووري جثمانه الثرى في مقبرة العودة في الدرعية، مناصب متعددة حقق فيها التفرد والحضور والنجاح، حيث التحق بالعمل في وزارة المعارف عام 1959م، معلماً فموجهاً تربوياً، فمديراً لمدرسة اليمامة الثانوية بالرياض التي حققت شهرة واسعة وخرّجت مسؤولين ووزراء في الدولة.
كما عمل الحقيل أميناً عاماً للمجلس الأعلى لرعاية الآداب والعلوم والفنون، ثم مديراً لإدارة الكتب، ثم مديراً لإدارة التخطيط التربوي، ثم مديراً عاماً مساعداً للإدارة العامة للإحصاء والبحوث، ثم خبيراً تعليمياً، ثم مستشاراً تعليمياً. كما ندب معلماً للغة العربية وآدابها في كل من الجزائر ولبنان، وبعدها نقلت خدماته إلى دارة الملك عبد العزيز في الرياض، وتدرج فيها حتى أصبح أميناً عاماً لها ومديراً عاماً لمجلتها.
ومثل قلة من أبناء جيله شغف الراحل بالعلم والأدب وتكبد من أجل ذلك عناء السفر ومشقته، بالانتقال من وسط بلاده السعودية إلى أقصى غربها للالتحاق بركب العلم وتلقي علومه في مدارس دار التوحيد في محافظة الطائف، ليتخرج بعدها من كلية اللغة العربية عام 1958م، ثم يحمل حقائبه إلى بيروت ويحصل فيها على دبلوم في التربية المقارنة والتخطيط التربوي من معهد الأمم المتحدة عام 1962، ليبتعث بعدها إلى الولايات المتحدة الأميركية ويحصل على درجة الماجستير من جامعة أكلاهوما عام 1973، في الدراسات العليا في الإدارة التربوية.
وسجل عن الراحل حرصه على نقل العلم وإيثاره، بعد أن انتقل إلى بيروت ثم الجزائر في سبيل خدمة العلم، ونقل المعرفة والقيام بدوره الوطني ليكون من أوائل المعلمين السعوديين الذين التحقوا بالعمل في الجزائر للإسهام في حركة التعريب من خلال عمله أستاذا للغة العربية وآدابها في كلية المعلمين بوهران لمدة عامين قبل 55 عاماً، كما انتدب لتدريس اللغة العربية وآدابها في لبنان لعامين أيضاً قبل نصف قرن.
كما أسهم الحقيل من خلال مشاركاته المتعددة في مختلف وسائل الإعلام المرئية المسموعة والمقروءة وعلى مدى عدة أعوام، في خدمة الأدب واللغة، ونال على أثرها التكريم من القيادة السعودية، ومن قبل الأدباء والمؤرخين.
دخل الراحل معترك الشعر وأصدر دواوين شعرية منها "شعاع في الأفق"، كما أنجز مؤلفات عدة منها: "كلمات متناثرة، في التربية والثقافة، رحلات وذكريات، على مائدة الأدب، رمضان عبر التاريخ، صور من الغرب، من أدب الرحلات، الشذرات في اللغة والأدب والتاريخ والتربية، رحلات إلى الشرق والغرب".
واعتبر عدد من الأدباء والكتّاب والتربويين أن الحقيل يعد رحالة معاصر، وأديب رائع، وسجل حضوراً فاعلاً في أدب الثقافة، حيث وصفه الشيخ الراحل عبد الله بن خميس بأنه رحالة معاصر جاب الشرق والغرب والشمال والجنوب وترك آثاراً أدبيه في هذا المجال، كما قال عنه الشيخ الرحل عثمان الصالح: "عرفته طالباً مجداً ومن أوائل من درسوا وتعلموا وارتقوا في مجال الدراسة والتعليم والأدب والثقافة"، في حين قال الراحل محمد حسن زيدان، أن الحقيل أديب رائع في خلقه وادبه وحسن تعامله ومفكر مهتم بالثقافة، واختصر الراحل الدكتور عبد الله العسكر الحديث عن الحقيل بقوله: "تجد في كتاباته ومحاضراته الركائز الثلاثة... الوضوح والقوة والجمال"، أما الأديب عبد المقصود خوجة فققال عن الحقيل: "الشيء الذي يشدني دائماً إلى كتاباته جرأته ومصداقيته وتمسكه بالثوابت والأسس الراسخة في بنيان ونسيج هذه الأمة"، وقال عنه الكاتب حمد القاضي: "عرفته كاتباً فاعجبت بعمق طرحه ، وعرفته صديقاً فيه من الوفاء أجمل الصفات، ومن الصدق أنبل المعاني، يريحك بحديثه ويقترب منك بنقائه، إنه حقل خير ورحيق حب"، ووصفه الدكتور محمد الحارثي، بأنه "قلم رائد في مشهدنا الثقافي كان وما يزال وسيبقى حاضراً ومستمراً وفاعلاً في أدب الثقافة".