بولسونارو يظهر ميلاً واضحاً نحو الاعتدال في مواقفه

«المعارضة ضرورية في النظام الديمقراطي، وحرية التعبير مقدسة... البلد غارق في أزمة عميقة، وليس بوسع فرد أو حزب واحد أن يُنهِضه من أزمته... البرازيل بحاجة لمساعدة الجميع». يبدو غريبا أن يُنسَب مِثلُ هذا التصريح إلى الرئيس البرازيلي المنتخب جايير بولسونارو، الذي لأيام خلت كان يتوعّد «الأعداء الحمر بالسجن أو المنفى»، ويسخر من القضاء والقانون، ويمتدح النظام الديكتاتوري، ملوّحاً بالعودة إليه في حال فوزه. لكن هذا كان أول تصريح أدلى به بعد ساعات من إعلان فوزه بنسبة 55 في المائة من الأصوات، بفارق 11 مليوناً عن منافسه فيرناندو حدّاد.
وكان بولسونارو قد تحدّث في 4 مقابلات تلفزيونية متتالية بعيد انتخابه، وهو الذي رفض الإدلاء بأي حديث أو المشاركة في المناظرات التلفزيونية مع منافسيه إبّان الحملة الانتخابية، وأظهر ميلاً واضحاً نحو الاعتدال في مواقفه، مقارنة بالتصريحات المتطرفة التي صدرت عنه في الأشهر الأخيرة. لكن ما يتسرّب من معلومات عن البرنامج السياسي الذي بدأ بوضعه مع حلقة ضيّقة من المستشارين والتعيينات المرتقبة في حكومته التي ستباشر مهامها مطلع العام المقبل، لا توحي بأن بولسونارو قد اكتشف فضائل الاعتدال بين ليلة وضحاها. وتفيد هذه المعلومات بأن الحكومة الجديدة ستضمّ عدداً من الجنرالات في القوات المسلحة، وبأن نائبه الجنرال المتقاعد هاملتون موراو سيتمتّع بصلاحيّات واسعة في كل ما يتصّل بالشؤون الأمنية.
وكان بولسونارو قد أكد أنه يعتزم تعيين القاضي سرجيو مورو وزيراً للعدل أو عضواً في المحكمة العليا في حال شغور أحد مقاعدها. والمعروف أن القاضي مورو هو الذي كشف فضائح الفساد السياسي الضخمة التي هزّت كل الأحزاب البرازيلية، خصوصاً حزب العمّال، وأدّت إلى دخول الرئيس الأسبق زعيم حزب العمال اليساري لولا دا سيلفا إلى السجن، ثم إبطال ترشحه للرئاسة عندما كان يتقدّم في شعبيته بفارق كبير على كل منافسيه بمن فيهم بولسونارو. يضاف إلى ذلك أن المستشار الاقتصادي للرئيس المنتخب، الليبرالي باولو غيديس الذي ينتظر أن يتولّى حقيبة الاقتصاد في الحكومة الجديدة، قد أكد في الساعات الأخيرة أن إعادة هيكلة صناديق المعاشات التقاعدية وخصخصة المؤسسات العامة ستكون في طليعة أولويات العهد الجديد.
وكان المراقبون قد توقّفوا عند تصريحاته حول المنظومة الاقتصادية التي تضمّ البرازيل والأرجنتين وفنزويلا وأوروغواي وباراغواي وبوليفيا؛ إذ أعلن أن الحكومة الجديدة ستعيد النظر في مشاركة البرازيل ضمن هذه المنظومة التي يحول الانتماء إليها دون إبرام معاهدات تجارية ثنائية مع أطراف ثالثة. وقال غيديس إن فنزويلا، التي عُلِّقت عضويتها العام الماضي، يجب ألا تكون داخل المنظومة في ظل النظام الحالي.
يذكر أن الزيارات الخارجية الأولى التي سيقوم بها بولسونارو بعد تسلّمه الرئاسة، ستكون إلى تشيلي والولايات المتحدة وإسرائيل، حيث ليس مستبعداً أن يعلن عن نيتّه نقل السفارة البرازيلية من تل أبيب إلى القدس. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي اتصل ببولسونارو مهنّئاً بانتخابه قد غرّد على حسابه قائلاً: «اتفقنا على توثيق التعاون في المجالات التجارية والعسكرية... وكل شيء». وأيد بولسونارو سلسلة من مواقف السياسة الخارجية شبيهة بمواقف ترامب. وخلال حملته الانتخابية، حاول بولسونارو تشويه سمعة منافسه اليساري بالقول إن البرازيل ستصبح فنزويلا التالية تحت حكمه.
وقال أونيكس لورنزوني، الذي من المتوقع أن يعينه بولسونارو رئيسا للأركان، إنه بمجرد تعافى بولسونارو من الإصابات التي تعرض لها في هجوم بسكين في 6 سبتمبر (أيلول) الماضي، سيزور تشيلي أولا، ثم الولايات المتحدة. وقال لورنزوني لقناة «24 هوراس» التلفزيونية التشيلية إن «علاقاتنا ستكون مع دول يمكن أن يكونوا إخوة جيدين في الكفاح من أجل خلق فرص العمل والتنمية والسلام الاجتماعي في البرازيل». وقال الرئيس التشيلي المحافظ سيباستيان بينيرا إنه تحدث إلى الرئيس اليميني المنتخب على الهاتف، وإن بولسونارو يعتزم زيارة تشيلي. وقال بينيرا في القصر الرئاسي: «لقد أجرينا محادثة مكثفة وصريحة ومفيدة للغاية».
ويخشى المراقبون السياسيون والاقتصاديون في أميركا اللاتينية، رغم المؤشرات الاعتدالية التي ظهرت في الساعات الأخيرة في تصريحات بولسونارو، أن تكون البرازيل في طريقها إلى تحوّلات خطيرة قد تكون لها تداعيات واسعة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، نظراً لدورها المركزي بوصفها قوة اقتصادية في العالم، ولاعبا سياسيا وازنا على الساحة الدولية في أصعب المراحل التي يمرّ بها النظام متعدد الأطراف.
وفي سياق متصل، حذرت منظمة العفو الدولية من أن انتصار بولسونارو قد يضعف حقوق الإنسان في البرازيل، وقالت إن فوز بولسونارو قد يضعف حماية حقوق الإنسان في البلاد. وقالت إريكا جيفارا روساس، مديرة منظمة العفو الدولية في الأميركتين: «لقد قام الرئيس المنتخب بحملة بأجندة علنية ضد حقوق الإنسان، وكثيرا ما أدلى بتصريحات تمييزية عن مجموعات مختلفة من المجتمع». وأضافت أن «انتخابه رئيسا للبرازيل يمكن أن يشكل خطرا كبيرا على السكان الأصليين والمجتمعات الريفية التقليدية والشباب من أصحاب البشرة السوداء والنساء والنشطاء ومنظمات المجتمع المدني إذا تحولت لهجته في السياسة العامة». وقالت المنظمة إن البرازيل لديها واحد من أعلى معدلات القتل للمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين في العالم، حيث يقتل العشرات كل عام للدفاع عن الحقوق التي يجب أن تضمنها الدولة.