نظرة على أشهر «بواب» وأشهر «سفرجي» وأشهر «حانوتي» في السينما المصرية

باحث خليجي يرصد سيرة «الفنانين المهمّشين» سنوات الزمن الجميل

TT

نظرة على أشهر «بواب» وأشهر «سفرجي» وأشهر «حانوتي» في السينما المصرية

يهيمن نجوم الفن السابع على فضاء الشهرة، كما يحتلون ذاكرة المشاهدين، إلا أن باحثاً خليجياً كرّس وقتاً طويلاً لتتبع نجوم الظل، أو ما يسميهم الفنانين «المهمشين» الذين لا يكتمل المشهد إلا بحضورهم، والذين تركوا أثراً بارزاً في الذاكرة الفنية.
يستحضر الكاتب البحريني الدكتور عبد الله المدني، من خلال كتاب صدر أخيراً ويرصد سيرة أكثر من 170 فناناً سينمائياً مصرياً، سنوات الزمن الجميل، حيث يشدّ القارئ لعصر أبطال الفن السابع الذين صبغوا عصرهم بفتنة التمثيل الأصيل ليجعل منهم أبطالاً رغم أدوار الكومبارس والأدوار الثانوية والهامشية التي أدوها في أعمالهم.
يهتم الكتاب الذي يحمل عنوان: «شاهدتهم ولا تعرفهم... سير نجوم الظل في السينما المصرية»؛ بنحو خاص بنجوم الصف الثاني، وربما الثالث في السينما المصرية، أو ما يسميهم نجوم الظل أو الفنانين «المهمّشين» أو شبه المهمشين ممن لم تسلط الكتب الفنية الأضواء عليهم وعلى أعمالهم الخالدة، فباتوا معروفين لعشاق السينما شكلاً ومجهولين اسماً وسيرة.
من بينهم مثلاً البواب والسفرجي الأشهر في السينما الفنان النوبي محمد كامل، أو الخواجة الأشهر إدمون تويما، أو عن صبي الشاشة الأبله (صفا الجميل)، أو الأقصر طولاً والأخف وزنا حسن كامل.
المثير أن هذا الشغف بالسينما لازم المؤلف خلال إقامته في مدينة سعودية يفصلها عن البحرين مياه الخليج العربي، وكان محظوظاً أنه يعيش بجوار الظهران، حاضنة صناعة النفط، التي أسست فيها شركة الزيت العربية الأميركية (أرامكو) محطة بث تلفزيونية في سبتمبر (أيلول) 1957 لتصبح القناة التلفزيونية الثانية الناطقة بالعربية في منطقة الشرق الأوسط بعد قناة تلفزيون بغداد. وأخذت هذه المحطة على عاتقها الترفيه عن مشاهديها بعرض أربعة أو خمسة أفلام سينمائية مصرية في الأسبوع.

- من تجميع الأفيشات إلى تدوين سيرة 170 ممثلاً
عمل المدني في شبابه على تدوين أسماء الممثلين والممثلات، مع البحث عن معلومات تفيد بتدوين نبذة موجزة عن كل واحد، مع هواية خاصة تمثلت في تجميع أفيشات الأفلام المصرية من خلال قصها من المجلات المصرية، مثل «الكواكب» و«المصور» و«آخر ساعة»، ثم تبويبها بحسب أحجامها.
الدكتور عبد الله المدني، الذي يعمل مستشاراً وأستاذاً في العلاقات الدولية «متخصص في الشأن الآسيوي»، وهو كاتب صحافي، له عدد من الدراسات والمؤلفات، وُلد بمدينة الخبر شرق السعودية في أبريل (نيسان) 1951 لأسرة بحرينية كانت تقيم هناك. وهو لا يحمل في تخصصاته الدراسية أي اتجاه نحو الفن والسينما، حيث يحمل شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة بيروت الأميركية، وشهادة الماجستير في العلاقات الدولية والاستراتيجيات من جامعة بوسطن الأميركية، وحاصل على دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية من جامعة إكستر البريطانية. ورغم أن هذا المؤلف يرصد سيرة نحو 170 فناناً مصرياً، وهو يُعد كتاباً مماثلاً لسيرة الفنانات المصريات في الزمن الماضي، فإنه يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لم أعمل في أي مجال فني سينمائي، ولم ألتقِ بأي فنان مصري سوى سمير غانم في الفندق الذي أعتد الإقامة به في العاصمة اليونانية، ذات سنة في الثمانينات».
ويضيف المدني: «تعلقت بنجوم السينما المصرية دون غيرها؛ لأنهم كانوا سادة الشاشة الفضية في زمن تلفزيون (أرامكو) من الظهران الذي كان يعرض 6 أفلام مصرية كل أسبوع، ناهيك عن أننا كنا نقرأ أخبارهم بانتظام من خلال مجلتي (الكواكب) المصرية و(الموعد) اللبنانية».
ويعترف المدني بأنه كان مغرماً بنجمات الشاشة المصرية، عندما كان مراهقاً، ويقول: «عَشَقنا الكثير من نجمات السينما المصرية في زمن المراهقة، وعلقنا صورهن في غرف نومنا وحلمنا بهن». ويكمل: «نجماتي المفضلات كن زبيدة ثروت، ونادية لطفي، وميرفت أمين، وإلى حد ما ماجدة». كما «أحببنا نجوماً من أمثال رشدي أباظة، وعمر الشريف، وأحمد رمزي، وحاولنا تقليدهم في طريقة اللبس وتصفيف الشعر والتحدث».
ويضيف: «حينما سمعنا أن عمر الشريف دخل هوليوود وصار يمثل مع نجماته أصابنا نوع من التلهف لمشاهدته وهو يرطن بالإنجليزية ويراقص نجمات هوليوود من أمثال صوفيا لورين، وإليزابيث تايلور، وكلوديا كاريدينالي، وجينا لولا بريجيدا، ولم يكن أمامنا أنا وأقراني في مدرستنا الإعدادية بالخبر (شرق السعودية) لإشباع هذا الهوس سوى المشي على الأقدام مسافة 7 كيلومترات أو أكثر إلى مطار الظهران، حيث كانت توجد صالة سينما تابعة لبعثة التدريب العسكرية الأميركية اسمها (سينما النخيل)».

- نجوم الظل
من ضمن نجوم الظل في السينما المصرية الذين تعلق بهم المدني؛ بسبب الأداء المتقن المصاحب بالكوميديا العفوية الفنان محمد شوقي، وهذا الممثل يعتبره الكاتب «زبدة وعسل وقشطة وفاكهة السينما المصرية. فما من عمل ظهر فيه إلا وأضفى عليه رونقاً خاصاً بأدواره وحركاته الفكاهية الخالية من التكلف»، وهو الفنان محمد شوقي، واسمه الحقيقي محمد إبراهيم إبراهيم، المولود في 6 يناير (كانون الثاني) 1915 بحي بولاق أبو العلا، والمتوفى بالتهاب الكبد في 21 مايو (أيار) 1984 بمستشفى مصر الدولي بالجيزة.
وظل شوقي يعمل في فرقة الكسار حتى سنة 1946، ليلتحق بعدها بفرقة «شكوكو» ففرقة الريحاني. ومن المسرح اقتحم شوقي عالم السينما ببراعة وتميز، فقدم أكثر من 300 عمل سينمائي ومسرحي.
من أجمل أدواره وأكثرها كوميدية، دور الخادم «نعناع» في فيلم «سكر هانم» (1960) من أفلامه وأدواره الأخرى: فيلم «الوسادة الخالية» (1957) في دور بائع السندويشات الذي يسترد سندويشاته من يد صلاح (عبد الحليم حافظ) بسبب «القرش المضروب»؛ وفيلم «ليلة الدخلة» (1950) في دور أحد زبائن صالون السرعة؛ وفيلم «بين إيديك» (1960) في دور المأذون الشرعي وفيلم «كل دقة في قلبي» (1959) في دور رجل يرابط عند استوديو السينما مع ابنته الصغيرة «وزة» كي يحصل لها على دور في الأفلام؛ و«حب في الزنزانة» (1983) في دور تاجر الجلود جباوي.
أما يوسف إدمون سليم تويما، المعروف اختصاراً باسم « إدمون تويما»، المولود في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) 1897 بالقاهرة لأب من أصول لبنانية كان يعمل موظفاً في الحكومة المصرية ويقيم في ميدان رمسيس، فمن لا يعرفه يعتقد أنه مجرد ممثل كومبارس فقط، حيث استغل المخرجون ملامحه الشبيهة بملامح الأوروبيين لأداء أدوار الخواجات في الأفلام السينمائية المصرية. غير أن الحقيقة خلاف ذلك، فالرجل ممثل ومخرج ومنتج ومترجم استعان به كبار المخرجين والمنتجين (مثل عميد المسرح العربي يوسف وهبي والمخرج المسرحي الكبير زكي طليمات لترجمة الروايات المسرحية الأجنبية وتمصيرها، كما أن عدداً لا يستهان به من نجمات ونجوم السينما المصرية استعانوا به لتدريسهم اللغة الفرنسية التي كان يجيدها أفضل من أصحابها».
لكن تويما رغم ملامحه الأوروبية مثل دور الفلاح المصري مرة يتيمة في فيلم «أرض النيل» (1946) من تمثيل أنور وجدي وعقيلة راتب وراقية إبراهيم.
يقول المدني لـ«الشرق الأوسط»، إن عبد العظيم كامل هو «الفنان الذي أتعبني كثيراً حتى حصلت على اسمه وسيرته»... الفنان الأصلع الأنيق الذي شاهدناه مراراً وتكراراً في الأفلام وهو يؤدي دور الطبيب الذي يستدعى على عجل لمعاينة مريض أو مريضة فيأتي مصطحبا شنطته ويخرج منها سماعته ثم يكتب روشتة طبية قائلاً: بسيطة... شوية برد وحتخف.. بس لازم راحة تامة وشوربة فراخ.
ومن بين هؤلاء الفنان الكوميدي إبراهيم سعفان الذي «خط لنفسه نهجاً كوميدياً صعباً لا يتقنه الكثيرون من ممثلي الكوميديا، ونعني بذلك خط إضحاك المشاهد عبر التزام الجدية وليس عبر الاستهبال والحركات العبيطة»، واشتهر سعفان بالكثير من الإفيهات، لعل أشهرها «ضحكتني يا قُصير» و«أنا مبسوط كده أنا مرتاح كده».
كذلك، الممثل عبد المنعم إسماعيل، الذي لم يبق فيلم من أفلام الأبيض والأسود إلا وتجده مشاركاً فيه، ولم يبق دور سينمائي إلا وأداه في مشاهد قصيرة، وإن كان ظهوره في معظم الأفلام في دور المعلم الذي يقدم الشر بنكهة كوميدية، أو دور الجزار الذي يتودد إلى الخادمة التي عادة ما تكون وداد حمدي ويحاول إغواءها، أو دور الشاويش الساذج، أو دور الفراش الجدع، أو دور صاحب المقهى الذي يتعرض لبنات الحي الشعبي بالهمز واللمز، أو دور التاجر البلدي الذي يستخدم ماله في الزواج ممن تصغره سنا ولا تطيقه.
وبالمناسبة، عبد المنعم إسماعيل، الذي أطلقوا عليه اسم «بلطجي نجوم الدرجة الثالثة»، مات منتحراً في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 1970 بإلقاء نفسه في النيل؛ احتجاجاً على فقره وطرد أبنائه من المدرسة بسبب المصاريف، وعدم قدرته على العيش الكريم بعدما قل الطلب عليه سينمائياً.
كذلك الفنان عبد الغني النجدي، الذي يصفه الكاتب بالنسبة للسينما المصرية «زبدتها وملحها وفاكهتها الشهية». إذ لا يستساغ الفيلم إذا لم يكن مشاركاً فيه بعفويته وتلقائيته البسيطة ولهجته الصعيدية وشواربه المتميزة. والذي لقب بـ«أشهر بواب صعيدي في السينما»، وعُرف بإفيهاته المضحكة مثل «مليح قوي يا خال»، واشتهر بأداء أدوار البواب والخادم والشاويش والغفير والبائع المتجول والقروي خفيف الدم في أفلام الأربعينات والخمسينات والستينات، وعدد قليل من الأفلام الملونة بلغ إجماليها نحو 335 عملاً.
أما قصة الممثل المصري المغمور «حسن كفتة»، فهي «غريبة كغرابة مظهره واسمه. فاسمه خالٍ من أي معنى أو مضمون فني. واسمه الحقيقي هو حسن أحمد عبد السلام، وأن لقب (كفتة) التصق باسمه لأن قائد الكتيبة التي عمل بها أثناء تأديته الخدمة العسكرية كان يقول له أمام زملائه: «أنت زي صباع الكفتة بس شاطر» كناية عن استجابته الفورية لكل المهام المطلوبة منه على الرغم من ضعفه وهزاله الشديد».
وبين الممثلين حسن كامل بجسمه الهزيل ووزنه الخفيف وقامته القصيرة وصوته الكرتوني وطربوشه الطويل الذي كان يثير الضحك حتى من دون أن يؤدي مشهدا كوميديا.
والفنان صفا محمد، الشهير سينمائياً باسم «صفا الجميل»، الذي بلغ إجمالي الزمن الذي ظهر فيه في أفلامه مجتمعة ستين دقيقة فقط أو أكثر بقليل، أي بمعدل دقيقتين في الفيلم الواحد. لكنه على الرغم من هذه الحقيقة، وعلى الرغم من تصنيفه ممثلاً من الدرجة الثالثة، فإن عشاق السينما المصرية أحبوه ولا يزالون يتذكرونه بسبب تجسيده على الشاشة دور الصبي العبيط: «وخلافاً لما يعتقده البعض من أنه كان عبيطاً بسبب شكله الموحي بالغباء وصوته النشاز الذي لا تخطئه أذن، فإنه أثبت في أكثر من واقعة أنه أذكى بكثير ممن يعتبرون أنفسهم أذكياء»، وأن إعاقته الوحيدة تكمن في ثقل لسانه بحيث يتحدث كمن في فمه طعام، ويتذكر المشاهدون دوره «حرنكش» ابن الست بلطية العالمة (زينات صدقي) في فيلم «دهب» (1953)، الذي يتعارك في الحي مع الأطفال فيضربونه فتصرخ أمه قائلة: «ابني اتشلفْط خالص، دانا حرميه للقطط ياكلوه».


مقالات ذات صلة

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».