هل دخلت الصين بدورها في سياق الحرب التي تدور رحاها حول العالم على الإرهاب؟
وإن كان ذلك كذلك فما هي الأسباب التي جعلتها تعلن مؤخراً عن إنشاء قوة لمكافحة الإرهاب لحماية مصالحها في الخارج؟... هذا واحد من أسئلة كثيرة تتواتر هذه الأيام، فيما البعض يرى أن الصين بدورها تسخر إشكالية محاربة الإرهاب لدعم حضورها القطبي حول العالم، بالضبط كما فعلت الولايات المتحدة الأميركية منذ عقدين تقريباً.
في أواخر شهر سبتمبر (أيلول) الماضي وفي مقابلة له مع وكالة «شينخوا» الصينية للأخبار، كان «تشانغ شياو تشي» رئيس المخابرات في الشرطة المسلحة الصينية، وهي جهة تابعة للقوات المسلحة الصينية، يصرح بالقول: إن تشكيل قوات خاصة بات عنصرا مهما في التحديث الشامل لجيش البلاد... وأضاف: «إن نطاق مهمة القوات الخاصة يمتد من الأرض إلى البحر ومن الوطن إلى خارجه، وإن استعدادات الحرب ضد الإرهاب، يجب أن تشمل حماية المصالح الاستراتيجية الوطنية في أي مكان».
الحديث عن القوة الصينية لمكافحة الإرهاب، كانت قد سبقته عدة خطوات في الداخل الصيني، هدفها الرئيسي مواجهة الإرهاب الذي بات يضرب بقسوة منذ العام 2001 وحتى الساعة.
وفي هذا السياق نذكر بأن الصين كانت قد أصدرت عام 2015 قانوناً جديداً لمكافحة الإرهاب، يسمح لجيشها بالقيام بعمليات لمكافحة الإرهاب، فيما وراء البحار رغم أن مثل هذا القانون قد وجد اعتراضات دولية ودبلوماسية، خوفاً من أن يكون مجرد غطاء أو ستار يمكن للصين من خلاله أن تمد نفوذها إلى ما هو أبعد من حدودها الإقليمية.
على أن السؤال... هل من جزئية خافية على الكثيرين تستدعي قوة وقوانين صينية خاصة لمحاربة الإرهاب؟
وثيقة القرن والاستدارة نحو آسيا
علامة الاستفهام المتقدمة في حقيقة الأمر في حاجة إلى قراءات معمقة قائمة بذاتها، غير أن المسطح المتاح للكتابة يدعونا لبلورة الأمر في سطور قليلة تبدأ من عند العام 1997. أي حين بلور المحافظون الجدد رؤيتهم للقرن الحادي والعشرين، وقد حزموا وحسموا أمرهم أن يكون قرناً أميركيا بامتياز، ما يعني حتمية إزالة والقفز على أي قوى دولية أخرى تظهر في الأفق.
في ذلك التوقيت كانت روسيا لا تزال تتخبط في صراعها الداخلي، وبينما الأوليغاركيات تتنازعها وتتشارعها، وفلاديمير بوتين لم يكن قد أطل من نافذة التاريخ لا على روسيا فحسب بل على العالم برمته، فيما كان التنين الصيني يستيقظ، ما دعا العم سام لاسترجاع مقولة وتحذير نابليون بونابرت من صحوة المارد الأصفر.
بعد نحو ثلاث عشرة سنة، وفي العام 2010 تمت صياغة الاستراتيجية الأميركية الجديدة، المعروفة باسم الاستدارة نحو آسيا، وقد كانت الصين في القلب منها ولا شك.
كتبت هيلاري كلينتون في عدد نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011 عبر مجلة «الفورين بوليسي» الأميركية الشهيرة وتحت عنوان «أميركا عصر المحيط الهادي»، ما يفهم منه أن الصراع مع الصين تحديداً بات جوهرياً ومركزياً، وأن إفشال تلك التجربة لا بد أن تجري به المقادير، رغم محاولاتها البلاغية التي فشلت في مداراة المغزى والمبنى من أحاديثها.
وتضيف: إحدى أبرز المهام التي تقع على عاتق الدولة الأميركية في العقد المقبل هي استثمار مجهودات أكبر بكثير، دبلوماسيا واقتصاديا واستراتيجياً، وغير ذلك، في منطقة آسيا والمحيط الهادي.
يقول بعض من العارفين بدواخل واشنطن إن مشهد صعود «القاعدة» و«داعش» على النحو الذي رآه العالم مؤخراً، إنما كان هدفه الرئيسي هدم التجربة الصينية، ووقف صحوة الدب الروسي، من خلال تصدير الإرهاب إليهما، وذلك حال تمكن من دول الشرق الأوسط، ووجد طريقه إلى الداخل الروسي والصيني، عبر الأقليات التي يمكن استقطاب بعض من مواطنيها لصالح التيارات المتطرفة، ليبدأ التفكيك والتفخيخ من الداخل».
الإيغور وعلاقتهم مع الصين
الإيغور بداية هي قومية من آسيا الوسطى، ناطقة باللغة التركية وتعتنق الإسلام، ويعيش أغلبها في إقليم شينجيانغ الذي كان يسمى تركستان الشرقية قبل ضمه من قبل الصين، وقدر عدد الإيغور بنحو عشرة ملايين نسمة، 99 في المائة منهم يعيشون داخل الإقليم، فيما يتوزع الباقون حول العالم. ولكي نفهم العلاقة المتوترة بين الصين والإيغور لا بد من العودة إلى التاريخ البعيد نسبياً، فقد تمثلت العلاقة في كر وفر، منذ وقت طويل، حيث تمكن الإيغور من إقامة دولة تركستان الشرقية التي ظلت صامدة على مدى نحو عشرة قرون قبل أن تنهار أمام الغزو الصيني عام 1709. ثم عام 1876 قبل أن تلحق نهائياً في 1950 بالصين الشيوعية.
ازدادت شكوك الصين تجاه الإيغور بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وبدأت سلسلة من المطاردات بعدما نما لعلم الاستخبارات الصينية أن أصولية بعينها تنمو في الداخل، وإنها على علاقة بعمليات تفجير جرت في الإقليم. على أن الطامة الكبرى، كانت تلك التي تمثلت في إعلان الإيغور استقلالهم عام 2004. ومن ثم دارت الصراعات العنيفة والمسلحة مع شباب هذه العرقية التركية. وجدت التنظيمات الأصولية فرصة ذهبية في هذا الجو المشحون بالعنف، فرصة مكنتها من استجلاب عدة آلاف من الشباب المقاتل إلى «داعش» تحديداً، وهناك من يؤكد أن تركيا لعبت دوراً كبيراً وخطيراً في تسهيل مرورهم إلى الداخل السوري.
دواعش الإيغور في سوريا
يقول البعض يبلغ عدد عناصر «داعش» من شباب الإيغور في داخل التنظيم نحو ثلاثة آلاف، فيما جماعة أخرى ترى أنهم أكثر من خمسة آلاف مقاتل تدفقوا تدريجياً على مدى خمس سنوات من مخيمات التدريب التركية نحو سوريا، معظمهم يقاتل اليوم مع «داعش»، وقد أنشأوا جيشاً جهاديا صينياً بدأ بنسخته الداعشية، يهدد بنقل البؤرة إلى قلب آسيا الوسطى.
في تقرير صادر عن مركز الأبحاث السياسية في وزارة الخارجية الإسرائيلية نقرأ عن أبعاد الإشكالية التي تواجهها الصين حالياً، ذلك أن الصينيين قد بذلوا جهوداً كبيرة لكبح الخروج غير الشرعي للإيغور من حدود الدولة. لكن رغم إغلاق الطريق الأقصر الذي يمر عبر باكستان، فإن عشرات الآلاف منهم هربوا من الحدود الجنوبية وسلكوا طريقاً طويلاً وملتوياً للوصول إلى تركيا... لكن كيف يتم تمويل تلك العمليات اللوجيستية؟
الجواب هو أن العائلات الإيغورية تقوم ببيع ممتلكاتها في وطنها الأم، في حين أن الحكومة التركية، وبسبب أصول الإيغور التركية، تساعد من يريد منهم دخول أراضيها، الأمر الذي تسبب ولا يزال في حدوث توتر كبير بين أنقرة وبكين.
في هذه الاضطرابات بين الجانبين ظهرت على السطح رسائل مسجلة ومصورة منسوبة إلى ما يطلق عليه «الحزب التركستاني»، وهو منظمة إيغورية منفصلة، تعمل بشكل أساسي خارج حدود الصين، وتحمل الرسائل دعوات لمقاتلين يتبعونها في سوريا يروجون للانضمام إلى الجهاد، وقد كان لها أثر إيجابي – إن جاز التعبير - في كسب المزيد من وقود المحرقة الإرهابية الداعشية، من شباب الإيغور... كيف ينظر «داعش» إلى الصين؟
داعش وسفك الدماء
لا ينتظر أحدهم أن يكون الجواب على علامة الاستفهام حول نظرة «داعش» إلى الصين، خارج السياقات التقليدية، ففي رسالة مسجلة تحمل عنوان «أولئك هم الصادقون»، نشره فرع تنظيم داعش في غرب العراق، وجه مقاتلون داعشيون من الإيغور تهديداً غير مسبوق إلى الصين، ويظهر التسجيل مسلحاً من أقلية الإيغور يشهر سكيناً ويذبح رجلاً (في حضور طفل) مدعياً أنه «مخبر»، ثم يقول: «أيها الصينيون الذين لا يفهمون بالكلام نحن جنود الخلافة وسنأتيكم لنوضح لكم بلغة السلاح، ونسفك الدماء لتجري كالأنهار ثأراً للمسلمين».
لقد شعرت الصين أن الشرق الأوسط الذي أضحى حاضنة خصبة للإرهاب، سوف ينحو في القريب جداً ليصبح كارثة بالنسبة للصين، وليس الأمر هنا من قبيل المصادفة، فلا شيء يجري عشوائياً في عالم اليوم. أما البريطانيون بنوع خاص فقد تنبهوا لما يقوم به الإيغور في الشرق الأوسط، ولهذا نشرت صحيفة «الديلي ميل» البريطانية، مقطع فيديو مدته 30 دقيقة، يعرض أيضاً حياة الإرهابيين الصينيين في المنطقة، بما في ذلك أطفال يمارسون فنون القتال والدفاع عن النفس واستخدام البنادق. وكان من الواضح أن الصين قد أدركت عمق المأزق، ولهذا يبدو أنها تحذو حذو روسيا على صعيد العمليات العسكرية الخارجية، وهنا يفهم المرء دلالة الحديث عن قوة صينية لمحاربة الإرهاب في الخارج.
حرب صينية ضد الإرهاب
الغوص عميقاً في القرار الصيني الأخير يوضح لنا أبعاداً لم يتنبه لها الكثيرين في المنطقة، ذلك أن قوة صينية في الخارج يظل التساؤل من حولها هل القصد هو متابعة الإيغور في سوريا فقط أم هناك ما هو أبعد من ذلك؟
الثابت للمراقبين أنه ومنذ العام 2015. بدأت وفود صينية مدنية وعسكرية تتدفق على دمشق بهدف توسيع تقديم الدعم لنظام دمشق، وكانت وزارة الدفاع الصينية قد أعلنت أنها ستساعد في تأهيل القدرات البشرية في سوريا، إضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية.
في 11 أغسطس (آب) الماضي صرح السفير الصيني في دمشق السيد «تشي تشيانجين» لصحيفة الوطن الموالية للنظام السوري قائلا: «نعرف أن مكافحة الإرهاب ومعركة سوريا ضد الإرهابيين ليست فقط لمصلحة الشعب السوري فقط بل لمصلحة الشعب الصيني وشعوب العالم – على حد قوله -، وقد جرى تعاون جيد بين جيشينا في مكافحة الإرهابيين من كل دول العالم، ومن ضمنهم الإرهابيون القادمون من الصين، وسوف يستمر هذا التعاون بين الجيشين والجهات المعنية».
ويبدو أن وجود عدة آلاف من الإيغور في محافظة إدلب أمر جعل الصين تسارع باتخاذ خطوات عسكرية سريعة في الخارج سيما وأن مقاتلي «الإيغور» يتصفون بدهاء سياسي مكنهم من احتلال الصفوف الأمامية خلال المعارك للدفاع عن المدن الاستراتيجية في محافظة إدلب، مثل جسر الشغور والمناطق المحيطة بها، ووصفوا بأنهم السلاح السري للمعارضة السورية، بعدما لقنوا النظام درساً قاسيا في القتال، وهم الآن يمتلكون الكثير من الأسلحة المتطورة، مثل الصواريخ المضادة للدبابات التي استولوا عليها في مناطق بعينها مثل الجب الأحمر أعلى تلال جبل الأكراد.
ويمكن القطع إذن بأن معركة الصين داخل سوريا قد بدأت بالفعل، وأن الحاجة للقوة الصينية الجديدة موجهة إلى موقع وموضع آخر، إذ تشير تقارير استخباراتية إلى أن «التهديد الأساسي بالنسبة للصين ليس عودة متطرفي الإيغور إلى أراضيها، بل تحديداً نشاط هؤلاء ضد أهداف صينية خارج الصين، وحول العالم».