مصر ثبتت وقف النار في غزة بعد ليلة ساخنة أشعلتها حركة «الجهاد»

إسرائيل تتهم إيران وسوريا بالوقوف وراء التصعيد في القطاع وتهدد بردّ... و«حماس» تنأى بنفسها

دخان القصف الإسرائيلي في غزة (أ.ب)
دخان القصف الإسرائيلي في غزة (أ.ب)
TT

مصر ثبتت وقف النار في غزة بعد ليلة ساخنة أشعلتها حركة «الجهاد»

دخان القصف الإسرائيلي في غزة (أ.ب)
دخان القصف الإسرائيلي في غزة (أ.ب)

نجحت مصر في تثبيت تهدئة جديدة في قطاع غزة بعد ليلة ساخنة أشعلتها حركة الجهاد الإسلامي منفردة في إطلاق صواريخ على إسرائيل التي ردت بغارات عنيفة، واستمر التبادل لساعات طويلة وكاد يجرّ القطاع إلى حرب جديدة.
وأعلنت «الجهاد» في وقت مبكر أمس، وبعد ساعات من القصف المتبادل، أن اتفاقاً لوقف النار دخل «فوراً» حيز التنفيذ، إثر «وساطة مصرية».
وقال داود شهاب الناطق باسم الحركة، إنه «بناء على اتصالات مصرية مكثفة بقيادة الجهاد الإسلامي، تم الاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار مقابل وقف العدوان الإسرائيلي». وأضاف: «تم التوافق على عودة الهدوء». وبذلت مصر جهوداً كبيرة إلى جانب مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام نيكولاي ملادينوف، بهدف احتواء الموقف الذي فجره قرار مفاجئ لـ«الجهاد» بالتصعيد.
وباغتت الحركة الجميع بما في ذلك «حماس»، بإطلاق صواريخ تجاه إسرائيل قالت إنها رد على قتل الإسرائيليين 5 فلسطينيين في مظاهرات مسيرات العودة يوم الجمعة. وقالت «الجهاد» إنه «لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي» تجاه قتل متظاهرين سلميين.
وأكد عضو المكتب السياسي للحركة خالد البطش، أن ما قامت به سرايا القدس التابعة لـ«الجهاد»، هو وفاء بالوعد الذي قطعته على نفسها بأن تحمي ببنادقها مسيرات العودة وكسر الحصار والانتقام لدماء الشهداء.
وقال البطش إنه «لم يكن من الممكن السماح للاحتلال بقتل 4 متظاهرين سلميين بغزة واثنين بالضفة الغربية المحتلة لمشاركتهم في مسيرات شعبية سلمية من دون رد على الجرائم».
لكن رواية الحركة لم تكن مقنعة بالنسبة لإسرائيل، ولا «حماس» التي رفضت انفراد «الجهاد» في مواجهة بهذا الشكل.
واتهمت تل أبيب، إيران وسوريا بالوقوف وراء التصعيد الذي مارسته الحركة.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي رونين منيليس، إن «الجهاد الإسلامي» أطلقت عشرات القذائف نحو إسرائيل، بتوجيهات من إيران وسوريا. وأضاف: «هذه الأحداث تظهر اجتماع المخاطر التي تحدق بدولة إسرائيل».
وأكد منيليس أن الجيش الإسرائيلي بعث برسائل واضحة بأنه سيرد داخل قطاع غزة وخارجه على هذه الهجمات الصاروخية. وأضاف أن «أولويات الجيش الإسرائيلي من ناحية التهديدات لم تتغير، فعلى رأسها إيران ثم وجودها العسكري في سوريا، وبعدها إحباط تسلح حزب الله بصواريخ دقيقة، ومن ثم تهديدات حماس، وأخيراً داعش».
وجاء في بيان للجيش، أكثر تحديداً، أن النظام السوري و«فيلق القدس» الإيراني هما اللذين أعطيا التوجيهات للحركة لإطلاق الرشقات الصاروخية من قطاع غزة باتجاه إسرائيل.
ووجه الجيش تحذيراً صارماً إلى السوريين والإيرانيين، بأن رده غير محدد جغرافياً، وأنهم لن يتمتعوا بحصانة إذا استمرت مثل هذه الاعتداءات. وقال الجيش: «‏نقلنا رسائل بهذا المضمون لمن يهمه الأمر. لا توجد حصانة داخل قطاع غزة أو خارجه لمن يتورط بالإرهاب ضدنا».
وأطلقت «الجهاد» نحو 45 قذيفة وصاروخاً على إسرائيل التي ردت بسلسلة غارات طالت نحو 90 هدفاً.
لكن هذه المواجهة كادت تجر مواجهة أخرى داخلية، إذ لم تكن «حماس» راضية عن مبادرة «الجهاد» بمهاجمة إسرائيل.
وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن «حماس» رفضت تبني إطلاق الصواريخ عبر بيان مشترك لغرفة العمليات التابعة للفصائل على الرغم من محاولات «الجهاد» إصدار مثل هذا البيان.
وعممت «حماس» بداية على عناصر الأمن بوقف مطلقي الصواريخ قبل أن تكتشف أنهم تابعون لـ«الجهاد». وأكدت المصادر: «في البداية لم يكن هناك تواصل بين الحركتين. كان ثمة غضب كبير». واتهمت «حماس» حركة «الجهاد» بالخروج عن الإجماع ورفض التجاوب بداية مع اتصالات التهدئة.
وكتب عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» صلاح البردويل، منتقداً موقف «الجهاد» بشكل ضمني، وقال: «لا تفرقوا فتفشلوا وتذهب ريحكم»، مضيفاً: «هذا هو شعارنا وقت اللقاء مع الأعداء. لكن القاعدة التي لا تقل أهمية أننا قبل اللقاء يجب أن نخضع لما يحبه ربنا، إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً، فالمتقدم عن سربه كالمتأخر». وتابع: «اللهم وحد صفنا».
وكان البردويل يشير بوضوح إلى اتخاذ «الجهاد» موقفاً منفرداً في المواجهة التي جاءت في وقت تبذل فيه مصر والأمم المتحدة محاولات مكثفة لتحقيق اتفاق تهدئة طويل الأمد.
وعلى الرغم من موقف «حماس»، حملت إسرائيل الحركة مسؤولية عن التصعيد بصفتها الحزب الحاكم في القطاع.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه ينظر بخطورة كبيرة تجاه إطلاق القذائف الصاروخية باتجاه البلدات في الأراضي الإسرائيلية. وأشار إلى أن «منظمة الجهاد الإسلامي الإرهابية أطلقت النار الليلة بأمر من الجهات الإرهابية في إيران، وعلى خلفية بيئة تسمح بنشاطات إرهابية توفرها منظمة حماس الإرهابية في منطقة السياج الأمني».
وأضاف: «تتحمل منظمة حماس الإرهابية مسؤولية ما يجري في قطاع غزة أو ينطلق منه وستتحمل تداعيات النشاطات الإرهابية التي يتم تفعيلها ضد مواطني إسرائيل».
وكانت إسرائيل ردت على إطلاق 45 صاروخاً وقذيفة من غزة وأدت إلى إصابة عدد من الإسرائيليين بجروح طفيفة أو حالات هلع، بسلسلة غارات على نحو 87 هدفاً، بينها مواقع لتصنيع وسائل قتالية ومصنع لإنتاج قطع لتقوية جدران الأنفاق، ومجمعات تدريب ونفق قتالي في خان يونس.
ودانت «حماس» والسلطة الفلسطينية الهجوم الإسرائيلي. وحمل المتحدث الرسمي باسم الحكومة يوسف المحمود، قوات الاحتلال المسؤولية عن استمرار التصعيد الذي يترافق مع تصعيد شامل ضد كل الأراضي الفلسطينية، وفي مقدمتها القدس الشرقية.
وأضاف المحمود أن المجتمع الدولي يتحمل جانباً من المسؤولية تجاه أبناء الشعب تحت الحصار والاحتلال في قطاع غزة والضفة، وفي مقدمتها القدس. وطالب المجتمع الدولي بتطبيق القوانين التي أصدرها بخصوص القضية ومنها توفير حماية دولية بشكل عاجل والعمل على إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، على كامل حدود 4 يونيو (حزيران) عام 67.
كما قالت حركة حماس إن ما تعرض له قطاع غزة المحاصر من قصف وتدمير واستهداف هو عدوان إسرائيلي خطير، يأتي في إطار التنافس الحزبي وتصدير الاحتلال لأزماته الداخلية.
وعدت الحركة على لسان المتحدث باسمها فوزي برهوم العدوان الإسرائيلي «محاولة للتهرب من أي استحقاقات لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار عام 2014 مع فصائل المقاومة يتم بموجبه إنهاء معاناة وحصار غزة وأهلها».
وتابع برهوم أن «هذا العدوان سيكون له ما بعده في تحديد مسارات وآليات التعامل الميداني مع الاحتلال، ولن نسمح أن يبقى قطاع غزة ودماء المتظاهرين العزل ومقدرات المقاومة ومواقعها مادة للتنافس الإسرائيلي الداخلي أو ساحة لتصدير أزماته الداخلية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».