قصور العدل في لبنان تفتقد مقومات السلامة والنظافة

مواطنون يعتبرون دخولها أشبه بالمغامرة

وزارة العدل مسؤولة عن صيانة مباني قصور العدل ونظافتها على كلّ الأراضي اللبنانية
وزارة العدل مسؤولة عن صيانة مباني قصور العدل ونظافتها على كلّ الأراضي اللبنانية
TT

قصور العدل في لبنان تفتقد مقومات السلامة والنظافة

وزارة العدل مسؤولة عن صيانة مباني قصور العدل ونظافتها على كلّ الأراضي اللبنانية
وزارة العدل مسؤولة عن صيانة مباني قصور العدل ونظافتها على كلّ الأراضي اللبنانية

تشهد قصور العدل في لبنان تراجعاً كبيراً على مستوى الخدمات وأعمال الصيانة، وبدل أن تكون صروح العدالة واحة للمواطنين كما في دول أخرى، بات دخول بعضها أشبه بالمغامرة، بفعل الانقطاع شبه الدائم للتيّار الكهربائي، وانقطاع المياه عنها أيضاً، وغياب النظافة، والأهم أن المعنيين بأوضاع هذه المباني إدارياً ولوجستياً يتنصلون من مسؤولية ما آلت إليه أوضاعها، ويعزون الأسباب لفقدان التمويل.
وتتعالى الصرخات يوماً بعد يوم، لدى روّاد قصور العدل من المواطنين والمحامين، وحتى من القضاة والموظفين الذين أصبحوا أول ضحايا الإهمال، وما زاد من النقمة العارمة، الصور المقززة التي يتناقلها مواطنون عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية، وتظهر حالة المراحيض ودورات المياه، الممتلئة بالأوساخ وتغطيها الحشرات، بما يهدد بانتشار الأمراض والأوبئة نتيجة ذلك، وهو ما تتخوّف منه أغلبية الموظفين.
وتعدّ وزارة العدل مسؤولة عن صيانة مباني قصور العدل ونظافتها على كلّ الأراضي اللبنانية وترميمها من الداخل والخارج، وقد سارع وزير العدل سليم جريصاتي إلى التخفيف من وطأة الحالة المزرية، عندما ردّ على الصور المقززة، وأوضح أنها عائدة لحمامات (مراحيض) أحد مخافر قوى الأمن الداخلي، لكن في الوقت نفسه وعد بمحاسبة متعهدي النظافة في قصور العدل، إلا أن مصدراً في وزارة العدل قدّم رواية مختلفة، إذ أشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «المراحيض التي وزعت صورها مقفلة وغير موضوعة للاستخدام»، ودعا إلى «محاسبة الذين نشروا هذه الصور وتسببوا بتشويه صورة المحاكم، وأرادوا التصويب على الوزارة واتهامها بالتقصير». لكن المصدر المشار إليه، لم يبرر أسباب إبقاء هذه الحمامات مفتوحة ما دامت خارج الخدمة، ولم يعط تفسيراً لأسباب امتلائها بالأوساخ والحشرات، ولا أسباب التقصير في معالجة المشكلة.
ولا يخفي القضاة الذين تقع مكاتبهم في هذه الأبنية، امتعاضهم من التراجع الكبير للنظافة، ويؤكدون أن هذا المشهد يكاد يكون صورة طبق الأصل في محاكم بعبدا (جبل لبنان)، وصيدا والنبطية (جنوب لبنان) وزحلة وبعلبك (البقاع)، عدا عن الانقطاع الدائم للكهرباء والمياه فيها. مصدر قضائي تحفّظ عن ذكر اسمه أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «غياب النظافة يبدأ من المداخل الرئيسية إلى المكاتب وقاعات المحاكم، وصولاً إلى دورات المياه، ما يوفّر بيئة مناسبة لانتشار الجراثيم والأوبئة»، مشيراً إلى أن «وزارة العدل تعزو الأسباب دائماً إلى عدم توفّر التمويل لأعمال الصيانة والنظافة، في حين أن الوزارة نفسها تنفق شهرياً عشرات الملايين لبعض موظفيها بدل ساعات إضافية في العمل، علماً بأن هؤلاء الموظفين المستفيدين لا يبقون في مكاتبهم دقيقة واحدة بعد انتهاء الدوام الرسمي، وبعضهم يغادر قبل الدوام بحجج مختلفة».
أما المحامون الذين تغصّ بهم أروقة المحاكم والدوائر القضائية، فهم أكثر من تضيق صدورهم بأوضاع قصور العدل، ويسأل أحدهم: «لماذا لا تقتطع وزارة العدل نسبة ضئيلة من الإيرادات التي تجنيها المحاكم بدل رسوم قضائية على الدعاوى وغرامات مخالفات السير، وتخصصها لتحسين أوضاع المباني أقلّه من الداخل، خصوصاً أن بعض قاعات المحاكمة باتت أشبه بالسراديب، التي تفتقر للإنارة والتهوية والتبريد في فصل الصيف، عدا عن اجتياح المياه لها في فصل الشتاء».
في هذا الوقت، عبّر مفوّض نقابة المحامين لدى قصور العدل المحامي سميح بشراوي، عن أسفه للحالة المؤلمة التي وصلت إليها مباني القضاء، وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «قصور العدل كانت في أيام الحرب الأهلية أفضل حالاً مما هي عليه الآن، وربما كانت الحرب يومها مبرراً للتردي والتراجع فيها». وكشف أن نقابة المحامين في بيروت «أخذت على عاتقها صيانة وتحديث مصاعد قصر العدل في بيروت، لأن هذه المصاعد باتت تهدد حياة المحامين والناس». وقال: «منذ فترة صعد أعضاء مجلس النقابة في أحد المصاعد لعقد اجتماع مع مجلس القضاء الأعلى، فعلقنا بالمصعد لأكثر من 20 دقيقة، وقبلها كاد أحد المحامين يختنق ويفقد حياته داخل المصعد الذي توقف به لوقت طويل».
ولا تقتصر المسؤولية على وزارة العدل والسلطة السياسية وحدها، بل يفترض بالسلطة القضائية أن تطلق صرختها، وفق تعبير المحامي بشراوي، الذي رأى أن «جزءاً كبيراً من المسؤولية مردّه إلى غياب الرقابة من قبل وزارة العدل، ومن التفتيش القضائي الذي راجعناه مرات عدّة». ودعا السلطة القضائية إلى «اتخاذ موقف حازم وحاسم يلزم السلطة السياسية ووزارة العدل بالاعتناء بقصور العدل». وسأل: «هل يعقل أن أشغال التدعيم والترميم داخل قصر العدل في بيروت مستمرة منذ سبع سنوات، بينما وضع هذا القصر إلى تراجع دائم؟».



اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».