حفتر يدشن {فتح بنغازي}.. والمعارك مستمرة حول مطار طرابلس

تصاعدت أمس حدة الاشتباكات المسلحة حول مطار العاصمة الليبية طرابلس، فيما دشن الجيش الوطني الذي يقوده اللواء متقاعد خليفة حفتر «عملية فتح» مدينة بنغازي في شرق البلاد
لتنظيف المدينة بالكامل من المتطرفين وتمكين أعضاء مجلس النواب الجديد من عقد أولى جلساتهم هناك، بالتزامن مع مطالبة عز الدين العوامي النائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) بسرعة تسليم السلطة بشكل عاجل إلى المجلس المنتخب بحلول يوم الخميس المقبل. وقال بيان للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الليبية الذي يترأسه حفتر، إن قوات كبيرة دخلت إلى بنغازي فجر أمس من معسكر الرجمة ومن مدينتي البيضاء وطبرق، مشيرا إلى أن هذه القوات تضم المئات من السيارات المسلحة والدبابات المدرعة وحاملات صواريخ الجراد.
وأعلن المجلس أنه أعطى الأمر بتنظيف بنغازي بالكامل وتأمينها، مشيرا إلى أنه حقق انتصارات بدخوله للمدينة لحسم الموقف نهائيا ولبسط السيطرة على المدينة وحتى يتمكن أعضاء البرلمان المنتخبون من عقد أولى جلساتهم هناك.
في المقابل وزع تنظيم أنصار الشريعة المتطرف صورا فوتوغرافية تظهر اقتحامه لأحد معسكرات الجيش الليبي في بنغازي وسيطرته على أسلحة وغنائم بعد الاشتباكات الدامية التي دارت أول من أمس في المدينة وأسفرت عن مصرع 16 شخصا علي الأقل وإصابة 81 آخرين في الاشتباكات التي اندلعت في محيط معسكرات تابعة للقوات الخاصة والصاعقة في منطقة بوعطني ببنغازي.
وتصنف واشنطن أنصار الشريعة تنظيما إرهابيا أجنبيا وقد رسخ التنظيم وجوده في بنغازي حيث ألقي عليه باللوم في كثير من الأحيان في اغتيالات وهجمات على جنود.
وكان حفتر ضابطا بجيش القذافي وفر إلى الولايات المتحدة بعد انشقاقه على نظام حكم العقيد الراحل القذافي، قبل أن يبدأ في شهر مارس (آذار) الماضي حملة على الإسلاميين المتشددين في بنغازي وانضمت إليه عناصر من قوات الجيش والقوات الجوية النظامية.
وتقول الحكومة الليبية إنه يتحرك دون تفويض حكومي، وفي حين تحظى حملته بشعبية في الشرق فإن قواته لا تستطيع إحراز تقدم في بنغازي في الوقت الحالي على ما يبدو.
وفى العاصمة طرابلس تواصلت لليوم الثامن على التوالي الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة والصواريخ بين الميلشيات المتصارعة للسيطرة على مطار طرابلس الدولي، وسط حالة من الذعر والهلع انتابت سكان المناطق المحيطة بالمطار خاصة في منطقة بن غشير التي يتحدث سكانها عن حالات تهجير جماعية نتيجة هذه الاشتباكات.
وأدى القتال للسيطرة على مطار طرابلس إلى توقف معظم الرحلات الجوية وتدمير أكثر من عشر طائرات رابضة على أرض المطار ودفع الأمم المتحدة لسحب موظفيها من ليبيا بسبب مخاوف أمنية. وتعبر معركة المطار عن مواجهة أوسع بين فصائل متناحرة تتنافس على السلطة في ليبيا.
وتخضع منطقة المطار لسيطرة مقاتلين سابقين من بلدة الزنتان غرب ليبيا استولوا عليها منذ سقوط طرابلس عام 2011، فيما تقاتل ميليشيات ذات ميول إسلامية متحالفة مع كتائب قوية من مدينة مصراتة مقاتلي الزنتان لإخراجهم من المطار. من جهته استبق عز الدين محمد العوامي النائب الأول لرئيس المؤتمر جلسة كان مقررا أن يعقدها المؤتمر أمس، وطالب رئيس المؤتمر نوري أبو سهمين بسرعة تسليم السلطة بشكل عاجل إلى مجلس النواب المنتخب دون أي تأخير، مما سيساهم بشكل فعلي في حقن دماء الليبيين في هذه الظروف الأمنية الصعبة التي يمر بها الوطن.
وقال العوامي في رسالة وجهها إلى أبو سهمين وبثت وكالة الأنباء الليبية فقرات منها إنه «بالتشاور مع عدد من أعضاء مجلس النواب المنتخب فإنني أرى أن يجري التسليم والاستلام بعد إعلان النتائج مباشرة من قبل المفوضية العليا للانتخابات والموعد المناسب لذلك هو يوم الخميس المقبل في مدينة بنغازي لكي يتمكن المجلس من عقد أول جلسة له في مقره الرئيس يوم استلامه لمقاليد الحكم في البلاد، خصوصا وأنه قد جرى وضع الترتيبات الأمنية من قبل الغرفة الأمنية المشتركة بنغازي ومديرية أمن بنغازي لتأمين أعضاء مجلس النواب ومقره».
وقال أعضاء في المؤتمر الوطني لـ«الشرق الأوسط» إنهم يعتزمون مقاطعة هذه الجلسة التي كانت ستخصص لمناقشة طلب الحكومة الانتقالية التي يترأسها عبد الله الثني بشأن الحصول على مساعدات عسكرية وأمنية عاجلة من الأمم المتحدة لمساعدة السلطات الليبية الضعيفة على محاولة فرض الأمن والاستقرار المفقودين منذ الإطاحة بنظام القذافي ومقتله عام 2011.
وأبلغت الدكتورة زينب التارقي عضوة المؤتمر «الشرق الأوسط» في تصريحات خاصة، أنها وكثيرا من الأعضاء سيقاطعون هذه الجلسة التي دعا إلى عقدها نوري أبو سهمين رئيس المؤتمر دون تحديد مكانها وزمانها.
وأضافت: «هناك الكثير من الأعضاء لن يحضروا والسبب لأننا مع الحكومة في طلب التدخل الخارجي من المجتمع الدولي لحماية أرواح ومقدرات الشعب الليبي من الميليشيات المسلحة وانتشار السلاح ونحمل المجتمع الدولي كل المسؤولية عما يحدث من قتل للجيش والمدنيين من قبل الإرهاب». وتابعت «لم نبلغ بموعد ومكان الجلسة وأعتقد أن رئيس المؤتمر يماطل في التسليم».
من جهة أخرى، كشفت النتائج التي أعلنتها المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا مساء أول من أمس لانتخابات مجلس النواب الجديد الذي سيحل محل المؤتمر الوطني في استلام السلطة، عن تراجع حصة التيار الإسلامي في البرلمان الجديد مقابل تقدم المستقلين والمحسوبين على التيار الليبرالي.
وتعني هذه النتائج بحسب مراقبين محليين أن حزب «العدالة والبناء» الذي يعد الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، قد تلقى هزيمة مريرة بحصول مرشحيه على 23 مقعدا فقط من إجمالي الـ200 مقعد للمجلس الجديد.
وأظهرت النتائج تقدم تحالف القوى الوطنية الليبرالي بقيادة الدكتور محمود جبريل رئيس أول مكتب تنفيذي (حكومة) للثوار خلال الانتفاضة الشعبية التي دعمها حلف شمال الأطلنطي (الناتو) ضد القذافي قبل نحو ثلاث سنوات.
ونال تحالف جبريل 39 مقعدا، بينما فاز المستقلون المحسوبون على تياره بـ120 مقعدا، مما يمثل تحديا كبيرا للتيار الإسلامي الذي يبدو أنه فقد سيطرته تماما في ثاني انتخابات برلمانية تشهدها البلاد منذ نحو 60 عاما.
ولم يتقرر من سيشغل 12 من أصل 200 مقعد في البرلمان الجديد، بعد إلغاء الانتخابات في عدد من مكاتب الاقتراع بسبب أعمال العنف. وأحالت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أمس عدد 350 مرشحا لمجلس النواب إلى مكتب النائب العام كانوا قد تخلفوا عن تقديم تقاريرهم المالية خلال المهلة الزمنية التي حددها القانون.
إلى ذلك، حثت حكومات فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية جميع الأطراف المتقاتلة في ليبيا إلى وقف فوري للاقتتال واستئناف الحوار السياسي.
وقالت حكومات هذه الدول في بيان صحافي مشترك لها إن «ليبيا تشهد توترات شديدة بينما تسعى جاهدة لترسيخ أسس دولة ديمقراطية حديثة في مواجهة التحديات التي تعصف بأمنها، والعنف المستمر، وضعف المؤسسات فيها والصراع الحالي على مطار طرابلس الدولي يزيد من الانقسام وانعدام الثقة بين الليبيين ويقوض الجهود الرامية إلى إرساء الأمن والتماسك المؤسسي. ورحبت هذه الدول بإعلان النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية الأخيرة في ليبيا، مثمنة شجاعة الشعب الليبي والجهود التي بذلتها اللجنة الوطنية العليا للانتخابات لضمان نجاحها».
وحث البيان على الانعقاد العاجل لمجلس النواب لبدء العمل المهم لبناء توافق سياسي بين أطياف الشعب الليبي، في حين يستمر العمل الأساسي الذي تقوم به لجنة صياغة الدستور.. مبينا أن وجود دستور يحمي حقوق جميع الليبيين من شأنه أن يضع الأسس لبناء ليبيا كدولة ديمقراطية وحرة ومزدهرة. وشدد البيان على أن العمل الجاد لتشكيل توافق سياسي يقع على عاتق الشعب الليبي نفسه، داعيا مجددا جميع الأطراف إلى الامتناع عن العنف والانخراط في حوار هادف ومثمر، يأخذ بعين الاعتبار التنازلات التي هي جزء لا يتجزأ من العملية الديمقراطية. ومنذ الحرب الأهلية التي أطاحت بالقذافي عام 2011 أخفقت الحكومة الهشة والجيش الجديد في ترسيخ نفوذهما على الكتائب المتنافسة التابعة لمقاتلي المعارضة السابقين الذين يخوضون حربا من أجل بسط نفوذهم السياسي والاقتصادي. وتكرر استهداف الجماعات المسلحة المختلفة لموارد ليبيا النفطية منذ عام 2011 للضغط على الحكومة للحصول على مكاسب مالية أو سياسية. وفي العام الماضي أدت سلسلة احتجاجات إلى خفض إنتاج النفط إلى أقل من نصف المعدل المعتاد وهو 1.4 مليون برميل يوميا.