أنقرة تحول وجهتها العسكرية من منبج إلى شرق الفرات

TT

أنقرة تحول وجهتها العسكرية من منبج إلى شرق الفرات

لمح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى تغير في الاستراتيجية العسكرية لبلاده في سوريا ليتم التركيز خلال المرحلة المقبلة على المواجهة مع المسلحين الأكراد في شرق الفرات بدلاً من منبج.
وقال إردوغان، خلال كلمة أمام رؤساء فروع حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة أمس (الجمعة): «إننا عازمون على توجيه تركيزنا وطاقتنا نحو شرق الفرات بدلاً من تضييع الوقت في منبج».
وانتقد إردوغان مرارا التباطؤ الأميركي في تنفيذ اتفاق خريطة الطريق في منبج الذي وقعه وزيرا خارجية البلدين في واشنطن في 4 يونيو (حزيران) الماضي، وهدد مؤخرا بالتدخل في حال لم تقم أميركا بسحب مسلحي «وحدات حماية الشعب» الكردية من منبج إلى شرق الفرات، بحسب ما يقضي به الاتفاق الأميركي - التركي، كما تحدث عن توسيع العمليات العسكرية إلى شرق الفرات.
وأعلنت واشنطن وأنقرة مؤخرا قرب انتهاء تدريبات عسكرية مشتركة تجرى في جنوب تركيا تمهيدا لتسيير دوريات مشتركة في منبج، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أول من أمس، إنها ستنطلق خلال أيام قليلة.
وقال إردوغان إن تركيا تواجه تهديدا من قبل ما سماها «منظمة إرهابية» في شرق الفرات، «وبما أننا لا نُهدد أحداً، فلن نسمح لأحد بتهديدنا قرب حدودنا»، وعدّ أن بلاده تمكنت من القضاء على «ممر إرهابي» كان يجري تشكيله على حدودها الجنوبية، مشدداً على أنها لن تسمح بإعادة تشكيل «ممر إرهابي» آخر تحت أي ظرف كان.
وجاءت تصريحات إردوغان عشية انعقاد القمة الرباعية التركية - الروسية - الألمانية - الفرنسية التي تستضيفها مدينة إسطنبول اليوم (السبت) للبحث في ملف إدلب والعملية السياسية في سوريا.
وقال إردوغان إنه لا توجد مشكلات في مدينة إدلب السورية، وإنه سيتم التركيز على المناطق الواقعة في شرق نهر الفرات. وأضاف: «لم نشهد مشكلة في إدلب منذ توقيع اتفاق سوتشي (وقعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي ويقضي بانسحاب المجموعات الجهادية وتسليم أسلحتهم الثقيلة من منطقة عازلة بعمق ما بين 15 و20 كيلومترا في إدلب وما حولها)، حيث إن المنطقة تشهد استقرارا وهدوءا».
في السياق ذاته، عبر المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين عن أمله في أن تضع قمة إسطنبول الرباعية التي تعقد اليوم خريطة طريق لتسوية سياسية في سوريا.
وقال في تصريحات، أمس: «نأمل من هذه القمة، التي تجمع رؤساء كل من تركيا رجب طيب إردوغان، وروسيا فلاديمير بوتين، وفرنسا إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، اتخاذ الخطوات وإعلان خريطة الطريق نحو التسوية السياسية في سوريا بشكل واضح، إلى جانب تشكيل لجنة صياغة الدستور».
وأكد أن من أولويات تركيا في هذه القمة إيجاد حل سياسي، وليس عسكريا في سوريا، قائلا إن من بين القضايا التي سيتم بحثها في القمة، صيغ الحلول القابلة للتطبيق في سوريا، والحفاظ على اتفاق إدلب، والانتهاكات العسكرية التي تتم من قبل النظام السوري.
وتأتي هذه القمة عقب اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا، الذي حقق وقفاً لإطلاق النار في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، وتهدف إلى توحيد الجهود من أجل إيجاد حل سياسي دائم للأزمة السورية، ومن المنتظر أن يصدر عنها بيان ختامي مشترك.
وعشية القمة؛ أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أمس اتصالا هاتفيا مع نظيره الأميركي مايك بومبيو، تطرق في بعض جوانبه إلى الملف السوري، والقمة الرباعية في إسطنبول، واتفاق منبج، بحسب ما ذكرت مصادر دبلوماسية.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.