الحكومة العراقية الجديدة تباشر مهامها خارج المنطقة الخضراء

الثقة لنصف أعضائها وخلافات مستحكمة حول وزارات الداخلية والدفاع والتربية والتعليم

عبد المهدي يرأس الاجتماع الأول لمجلس الوزراء (رويترز)
عبد المهدي يرأس الاجتماع الأول لمجلس الوزراء (رويترز)
TT

الحكومة العراقية الجديدة تباشر مهامها خارج المنطقة الخضراء

عبد المهدي يرأس الاجتماع الأول لمجلس الوزراء (رويترز)
عبد المهدي يرأس الاجتماع الأول لمجلس الوزراء (رويترز)

تعهد رئيس الوزراء العراقي الجديد عادل عبد المهدي بتنفيذ برنامج حكومته وفق فترات زمنية واضحة. وقال عبد المهدي أثناء مراسم تسلم مهام منصبه من سلفه رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في القصر الحكومي في بغداد أمس الخميس، إن «هدفنا الأسمى هو تحقيق تطلعات شعبنا الذي عانى طويلا وآن له أن يقطف ثمار صبره وتضحياته». وأوضح أن «علينا جميعاً التعاون والعمل يداً بيد من أجل حاضرنا ومستقبلنا، وأمامنا الكثير من التحديات والعمل الجاد في مجال تطوير الاقتصاد وتنشيط سوق العمل وتوفير الخدمات وكل متطلبات شعبنا».
ووجّه عبد المهدي «الشكر إلى العبادي على تعاونه خلال هذه المرحلة وحرصه على التداول السلمي للسلطة»، مشيراً إلى «أنه تقليد يليق بشعبنا ويؤسس لمرحلة جديدة من التعاون».
في المقابل، قال العبادي إنه «وفي مثل هذه الأيام من عام 2014 كنا قد تسلمنا مسؤولية رئاسة الحكومة في أيام فقدان الأمل وضياع المدن ونزوح ملايين المواطنين وسيطرة «داعش» الإرهابية على مساحات واسعة من العراق. وكانت بغداد تحت تهديد «داعش» وتحت القصف وكذلك باقي المحافظات والمدن. وكان الخطاب الطائفي هو السائد والعراق على حافة التقسيم».
وأضاف: «نسأل الله أن نكون قد أدينا الأمانة بكل ما نستطيع رغم أن الظرف الاقتصادي كان صعباً في ظل انهيار أسعار النفط العالمية وفي ظل فساد عميق ووضع مالي خانق». ولفت العبادي إلى أن «مدن العراق اليوم آمنة وملايين النازحين عادوا إلى مدنهم المحررة وأصبحت لدينا قوات أمنية وجيش وطني».
سجالات حول وزارات
وكان البرلمان العراقي منح فجر أمس الخميس الثقة لنصف حكومة عادل عبد المهدي المؤلفة من 24 وزيراً، نال الثقة 14 منهم، فيما رفض البرلمان التصويت على عدد من الوزراء من بينهم وزير الداخلية فالح الفياض مستشار الأمن الوطني السابق وفيصل الجربا وزير الدفاع وقصي السهيل وزير التعليم العالي وحسن الربيعي وزير الثقافة، بينما حالت الخلافات الكردية - الكردية دون حسم المرشحين لحقائب العدل والهجرة والمهجرين.
وعبرت الإدارة الأميركية عن مساندتها للحكومة العراقية الجديدة. وقالت السفارة الأميركية في بغداد في بيان لها: «نهنئ عادل عبد المهدي على توليه منصب رئيس الوزراء العراقي الجديد، كما نتقدم بالتهنئة للوزراء الجدد في حكومته»، مضيفة: «نحن مستمرون بتشجيع عملية استكمال تشكيل الحكومة من أجل منح جميع العراقيين حكومة قوية ومستقلة وفعالة وقادرة على تزويد جميع العراقيين بالخدمات التي يستحقونها».
وبينت السفارة أن «الولايات المتحدة تتطلع للعمل قدماً بشكل وثيق مع الحكومة الجديدة لتعزيز قدراتها وتقوية العلاقات بين بلدينا».
إلى ذلك، وصف السياسي والمفكر العراقي المعروف حسن العلوي النائب السابق في البرلمان العراقي حكومة عادل عبد المهدي بـ«الوزارة القلقة». وقال العلوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «السبب في هذه التسمية لكون رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي يقول دائما إن الاستقالة في جيبه وبالتالي فإنه طالما هذا الشعور يراوده فإن ذلك يعني أن مدى العمل يمكن أن يبقى محدوداً وإمكانات حدوث أزمة وزارية قوية، ما يعني عدم الاستقرار، في حين أن مهمة رئيس الوزراء الأساسية هي تحقيق الاستقرار».
وأضاف العلوي أن «العراقيين جاءوا بعبد المهدي لكي يبني البلد لا لكي يستقيل أو يهدد بالاستقالة عند كل أزمة»، مبيناً أن «العراق وبما يعانيه اليوم من انشقاق مذهبي واجتماعي أكثر ما يحتاج إليه هو الاستقرار لأنه من دون هذا الشرط من الصعب تحقيق تقدم في الميادين الاقتصادية والتنموية والخدمية».
وانتقد العلوي «الطريقة التي أدار بها عبد المهدي تشكيل حكومته حيث جعل أسماء الوزراء وسيرهم الذاتية سرية حتى الساعات الأخيرة وهو أمر غير صحيح إذ كان ينبغي أن يعرف الناس والقوى السياسية أسماء الوزراء وسيرهم الذاتية قبل فترة زمنية معقولة».
كذلك انتقد أحمد الجبوري عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى الطريقة التي تتعامل بها «المنظومة السياسية الشيعية» في اختيار الوزراء الذين يمثلون المكون السني. وقال إن «المنظومة السياسية الشيعية في العراق ما زالت تعمل على توزير الفاسدين والضعفاء من ممثلي المكون السني»، واعتبر أن «ذلك يتم بالاتفاق مع بعض قيادات هذا المكون لكي تبقى المحافظات الغربية منكوبة في ظل تنامي الفساد والفقر والظلم والإرهاب في حين تتنعم فئة قليلة من سنة السلطة بالثراء والنفوذ».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.