السراج يعين قائداً للحرس الرئاسي الليبي... ويقرّ خطة لتأمين طرابلس

سكان تاورغاء لسلامة: شعورنا بالتهميش دفعنا لعرض قضيتنا على المؤتمرات الدولية

جانب من لقاء المبعوث الأممي مع وفد من أهالي تاورغاء (البعثة الأممية)
جانب من لقاء المبعوث الأممي مع وفد من أهالي تاورغاء (البعثة الأممية)
TT

السراج يعين قائداً للحرس الرئاسي الليبي... ويقرّ خطة لتأمين طرابلس

جانب من لقاء المبعوث الأممي مع وفد من أهالي تاورغاء (البعثة الأممية)
جانب من لقاء المبعوث الأممي مع وفد من أهالي تاورغاء (البعثة الأممية)

أعلنت بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا عن ترحيبها باعتماد فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني في العاصمة الليبية طرابلس، للخطة الأمنية الرامية إلى تأمين منطقة طرابلس الكبرى، اعتمادا على قوات أمن وشرطة «نظامية». وفي غضون ذلك قال وفد من مدينة تاورغاء، التي نزح سكانها عقب إسقاط نظام القذافي، خلال لقاء مفتوح مع غسان سلامة، أمس، إن «شعورهم بالتهميش يدفعهم لعرض قضيتهم على المؤتمرات الدولية».
وبالتزامن مع قرار الاعتماد، عين السراج أمس اللواء ضياء الدين العمروني قائدا جديدا للحرس الرئاسي التابع لحكومته، خلفا للواء نجمي الناكوع، إذ وزع مكتب السراج قرارا مفاجئا ومذيلا بتوقيعه، باعتباره القائد الأعلى للجيش الليبي، يقضي بتعيين العمروني مسؤولا عن قيادة الحرس الرئاسي، الذي تم نقل تبعيته إلى رئاسة الأركان العامة للجيش نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
وقالت البعثة الأممية في بيان مقتضب، أول من أمس، إنها ترحب باعتماد السراج للخطة، التي أعدتها لجنة الترتيبات الأمنية، والتي تهدف إلى إرساء النظام عبر قوات نظامية، ووفق معايير مهنية وتتطلع لبدء التنفيذ.
وطبقا لبيان أصدره السراج، فإن هذه الترتيبات الأمنية تستهدف ضمان تأمين المواطنين والممتلكات الخاصة والعامة، وإرساء النظام العام الذي يستند على قوات أمن وشرطة نظامية، تعمل وفق معايير مهنية، مع اتخاذ جميع التدابير الأمنية والعسكرية والمدنية اللازمة لذلك. كما تحدد الخطة أيضا آليات التنسيق مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
وتتألف منطقة طرابلس الكبرى من 13 بلدية، تشكل العاصمة طرابلس والبلديات المحيطة بها. وأسندت إلى لجنة الترتيبات الأمنية بموجب الاتفاق المبرم نهاية عام 2015 في منتجع الصخيرات بالمغرب، مهمة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، والإشراف على عملية انسحاب المجموعات المسلحة من المدن الكبرى، خاصة العاصمة طرابلس.
إلى ذلك، التقى المبعوث الأممي غسان سلامة خلال لقاء مفتوح في تاورغاء عددا من أهالي المدينة، وممثلين عن بلدية مصراتة. وقال سلامة، بحسب بيان نشرته البعثة على صفحتها، أمس، للمجتمعين: «أعبر لكم أن اهتمام الأمم المتحدة بالنازحين في ليبيا، وفي تاورغاء بالذات، ليس عابراً، بل هو اهتمام دائم لا نتوقف عنه»، مشيرا إلى أن «موضوع النازحين في ليبيا شائك، لكن هذا لا يعني أنه مستحيل، وقد أظهرت المفاوضات التي أجريتموها مع جارتكم مصراتة، والاتفاق الذي توصلتم إليه معها، أنه لا توجد مشكلة لا يمكن للإنسان أن يحلها».
من جانبهم، قال ممثلون عن أهالي تاورغاء لسلامة، إن «شعورنا بالتهميش يدفعنا إلى عرض قضيتنا في المؤتمرات الدولية، المنعقدة حول ليبيا؛ لتذكير الحكومات بوجودنا، والمطالبة بالشروع في إعادة تأهيل المدينة، وضمان بعض التحسينات لأطفالنا بعد 7 سنين من النزوح»، مطالبين بدعم الأمم المتحدة لتسهيل عودتهم الآمنة والكريمة إلى ديارهم. كما حثوا البعثة وحكومة الوفاق على وضع خطة واضحة لتقديم الخدمات، وإعادة إعمار وبناء المدينة المدمرة، التي تفتقر حاليا إلى جميع المرافق، من مدارس ومستشفيات وسيارات إسعاف.
وكان سكان تاورغاء، الواقعة على بعد 200 كيلومتر (جنوب شرقي طرابلس)، قد أُجبروا على مغادرة منازلهم بشكل جماعي بعد إضرام النيران فيها، عقب انتفاضة 17 فبراير (شباط) عام 2011 على أيدي ميليشيات مصراتة المجاورة، وأقاموا جبرا في مخيمات بشرق وغرب وجنوب البلاد.
من جهة ثانية، عقد المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الليبي، مساء أول من أمس، اجتماعا موسعا، هو الثاني من نوعه خلال يومين فقط مع قادة الجيش الليبي داخل مقره في الرجمة، خارج بنغازي (شرق البلاد).
وقال مكتب حفتر في بيان له إن الاجتماع، الذي حضره اللواء عبد الرزاق الناظوري، رئيس الأركان العامة للجيش، وآمر غرفة عمليات حوض مرزق، ورؤساء الوحدات المشاركة في تطهير الجنوب، استهدف الوقوف على جاهزية جميع وحدات القوات المسلحة، ووضع الخطط والترتيبات اللازمة لأي تحرك ضد العدو، وكذلك للمحافظة على استتباب الأمن في مختلف ربوع البلاد، وخاصة الجنوب.
وأوضح البيان أن الاجتماع يأتي استكمالا للاجتماع، الذي عقده حفتر الاثنين الماضي مع قادة المناطق العسكرية، التابعة للجيش الوطني، بقصد دراسة الموقف العسكري على مختلف الأصعدة.
في المقابل، شكّلت حكومة السراج عقب اجتماع عقدته أمس بطرابلس لمناقشة أزمة الجنوب الليبي، لجنة معنية بالشق الأمني والعسكري، ضمت وزيري الداخلية والمالية، ووكيل وزارة الدفاع، بالإضافة إلى ممثلين عن جهاز المباحث العامة والمخابرات العامة.
واعتبر عبد السلام كاجمان، نائب السراج، في مؤتمر صحافي عقده رفقة عدد من الوزراء، أن ما يحدث في الجنوب «أمر خطير جدا بسبب وجود عصابات إجرامية، تنتهك السيادة الليبية وتهدد الأمن القومي، وتمتهن السطو المسلح»، مشيدا بالجهود التي تبدلها التشكيلات العسكرية المسلحة، والقوات المساندة لها في ردع العصابات بمنطقة أم الأرانب وتمسة.
وأكد كاجمان على ضرورة التحلي بالحزم لمواجهة هذه العصابات من المعارضة التشادية، وقوات العدل والمساواة السودانية، مشيرا إلى أن هناك مخصصات مالية تم إقرارها من قبل مجلس الوزراء للترتيبات الأمنية والعسكرية الخاصة بمناطق الجنوب.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.