رئيس وزراء السودان يعلن سياسات تقشف عاجلة

TT

رئيس وزراء السودان يعلن سياسات تقشف عاجلة

أعلن رئيس وزراء السودان سياسة تقشف إضافية تستمر 15 شهراً، وبرنامجاً عاجلاً للإصلاح الاقتصادي، يتضمن تقليل الصرف الحكومي ومحاربة الفساد، وكبح جماح التضخم، وذلك لمواجهة الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وقال رئيس الوزراء معتز موسى، الذي يشغل في ذات الوقت حقيبة وزارة المالية، في بيان حكومته إلى المجلس الوطني «البرلمان» أمس، إن مُوجهات حكومته الاقتصادية الجديدة، تتضمن سياسات تقشف يجري تنفيذها خلال 15 شهراً، وذلك لتنفيذ ما أطلق عليه «مشروع البرنامج التركيزي للاستقرار الاقتصادي»، إضافة إلى برنامج للإصلاح الاقتصادي طويل المدى، ينفذ خلال 5 سنوات.
ويواجه الاقتصاد السوداني صعوبات كثيرة، إذ وصل معدل التضخم في البلاد إلى 68.64 في المائة، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء، بعد أن كان خلال سبتمبر (أيلول) الماضي في حدود 66.82 في المائة، وهو أعلى مستوى له خلال السنوات الخمس الماضية، ما أدى إلى ارتفاع السلع الأساسية والمواد الغذائية، وتسبب في احتجاجات شعبية في الخرطوم ومدن أخرى في يناير (كانون الثاني) الماضي.
وأوضح موسى أن تطبيق البرنامج التركيزي سيبدأ بـ«استعادة مسار» تنفيذ موازنة العام الحالي، وكبح جماح التضخم، وتحقيق استقرار سعر صرف العملة المحلية، وبسط ولاية وزارة المالية على المال العام، لتُبنى عليه موازنة العام 2019.
ويهدف برنامج التقشف، الذي أعلنه موسى، إلى تحقيق الاعتماد على الذات والموارد الوطنية، ومحاربة الفساد بأشكاله كافة، وسد الذرائع والثغرات أمامه، وكبح جماح التضخم وخفض معدله السنوي، وإجراء إصلاح ضريبي وجمركي شامل، بالإضافة إلى إصلاح بنك السودان المركزي، وتشديد العقوبات على جرائم الفساد والتهرب الضريبي والجمركي.
كما تتضمن إجراءات موسى خفض برامج الدعم الحكومي، وإنشاء بورصات للسلع والذهب والعملات، وإكمال الحوكمة الإلكترونية، وتسهيل حركة السياحة، وترك تحديد سعر صرف الجنيه لآلية مستقلة عن الدولة، بما يحقق استقرار سعر الصرف، وتحرير التعامل بالنقد الأجنبي، وتخصيص الموارد المتاحة لزيادة إنتاج السلع الاستراتيجية (البترول، القمح، السكر، الأدوية)، علاوة على تحقيق ما بين 80 و90 في المائة من الاكتفاء الذاتي.
في غضون ذلك، تعهد موسى بإنفاذ إجراءات التقشف الإضافية بصرامة، والاستمرار في إعادة هيكلة الدولة، وخفض الطلب الحكومي، وتجميد ميزانيات التسيير عند مستوى صرفها للعام 2018، وتقليل نفقات الدستوريين، مع سحب سيارات الدفع الرباعي من المسؤولين، ووقف شراء الأثاث الحكومي من الخارج، وتقليص الوفود الخارجية بنسبة 50 في المائة، وإلغاء التبرعات وتعزيز قرارات الرئيس في الصرف المرشد للتمثيل الخارجي للبلاد، ووقف تشييد المباني الحكومية.
وتتمثل أولويات البرنامج التركيزي، بحسب بيان موسى، في زيادة إنتاج البترول والقمح والسكر، وتوفير التمويل للقطاع الخاص لزيادة الإنتاج، وذلك بالتركيز على مشروعات البنى التحتية (المياه، الكهرباء، الطاقة المتجددة، الحوكمة والتحول الرقمي، الري، إصلاح السكة الحديدية، البحث العلمي، طرق الإنتاج).
وقال موسى إن البرنامج التركيزي يسعى إلى زيادة إيرادات الدولة ومواردها المالية، عن طريق استعادة الولاية الكاملة لوزارة المالية، وتحقيق وحدة الموازنة، وإلغاء الإعفاءات الضريبية كافة، وزيادة الإيرادات الضريبية بما لا يقل عن 100 في المائة، وإلغاء جميع الإعفاءات الجمركية، باستثناء مدخلات الإنتاج. وأوضح موسى أن السياسات النقدية، التي ستتبناها حكومته خلال فترة البرنامج التركيزي، تسعى إلى خفض معدلات التضخم واستقرار سعر الصرف، وذلك بإحكام التنسيق بين المالية والبنك المركزي والولايات، والتحكم في معدل عرض النقود، وسياسة تسعير مستقلة للجنيه، تحددها آلية مستقلة والصبر عليها لـ«3 أشهر»، مع توفير السيولة النقدية للمصارف التجارية لاستعادة ثقة العملاء.
وقد تدهور سعر العملة الوطنية «الجنيه» 3 مرات خلال العام الحالي، فيما ارتفع سعر الدولار الأميركي الواحد إلى 18 جنيهاً، ثم 28 جنيهاً، وإلى 47.5 جنيهاً في السوق الرسمية، فيما تعاني البلاد من أزمة سيولة حادة، هزت الثقة في الجهاز المصرفي، إذ لا يستطيع المودعون السحب من حساباتهم إلا في حدود قليلة جداً، فيما لا يسمح النظام بسحب أكثر من ألفي جنيه (40 دولار) من الصرافات الآلية.
ومنذ استقلال جنوب السودان 2011، بات اقتصاد السودان يعاني أزمة تجلت بشكل كبير في ضعف عائداته من العملات الأجنبية، وذلك بسبب ذهاب معظم حقول النفط «نحو 75 في المائة» إلى الدولة المستقلة، بعد أن كان يعتمد على صادر النفط بنسبة 80 في المائة.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.