منظمات مدنية في الرقة تدعم ترميم المدارس وتشغيلها

مدخل مدرسة عمر بن عبد العزيز في الرقة حيث تجرى حملة التنظيف («الشرق الأوسط»)
مدخل مدرسة عمر بن عبد العزيز في الرقة حيث تجرى حملة التنظيف («الشرق الأوسط»)
TT

منظمات مدنية في الرقة تدعم ترميم المدارس وتشغيلها

مدخل مدرسة عمر بن عبد العزيز في الرقة حيث تجرى حملة التنظيف («الشرق الأوسط»)
مدخل مدرسة عمر بن عبد العزيز في الرقة حيث تجرى حملة التنظيف («الشرق الأوسط»)

حرم أطفال الرقة شمال سوريا من إكمال دراستهم أثناء سيطرة عناصر «داعش» المتشدد على مدينتهم بين يناير (كانون الثاني) 2014 وأكتوبر (تشرين الأول) 2017 قبل طردهم العام الماضي على يد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وقد انطلقت في مطلع شهر سبتمبر (أيلول) الماضي الذي يشير إلى افتتاح السنة الدراسية، حملة مدنية بعنوان «التعليم لا يؤجل». وجاءت الحملة بالتعاون بين مؤسسات مدنية، هي جمعية (نساء للسلام)، منظمة (شباب أكسجين)، منظمة (رؤية) وجهات أخرى شريكة، للمساهمة في عمليات تنظيف مدارس الرقة وريفها. وحمل وسم الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي عبارة (#بمشاركتنا - مدارسنا - أجمل). ونجحت هذه المنظمات المدنية إلى جانب الأهالي ومتطوعين من مدرسين وإعلاميين، في تنظيف وترميم 12 مدرسة داخل أحياء المدينة التي لا يزال سكانها يهجسون بوقائع مرعبة عما تعرضوا له تحت هيمنة التنظيم المتشدد.
قبل أربع سنوات وبعد أحكام عناصر تنظيم داعش السيطرة على كامل مدينة الرقة، تدخل عناصره في أسلوب النظام التعليمي وفرضوا لباساً شرعياً على المدرسات والطالبات في مدارس الرقة، ومنعوا دراسة المنهاج التابع للحكومة السورية، الأمر الذي دفع طالبة كانت تدرس الثانوية العامة في مدرسة البحتري الواقعة بحي الرميلة (شمال شرقي المدينة) للاحتجاج ورفض التقيد به.
تروي هند محمد التي كانت مدرسة الفصل آنذاك، تلك التفاصيل وكأنها حدثت معها في القريب، وتقول: «دخلت مفتشة داعشية لم تكن سورية الجنسية، الفصل، كانت تحمل عصا بيدها وتهدد المعلمات والفتيات للتقيد باللباس الشرعي، وعندما احتجت طالبة كان اسمها غصون، بأن ما يحاولن فرضه ليس بلباس مدرسي»، لاقت الفتاة عقابا قاسيا وتعرضت للضرب المبرح أمام زميلاتها وإدارة المدرسة. تضيف هند: «غصون هربت وبقيت ملازمة البيت غير أن التنظيم أمر بإغلاق المدارس لتلتزم كل الفتيات البيت».
اليوم تترأس المعلمة هند محمد جمعية (نساء للسلام) التي أنجزت مع المنظمات المدنية الأخرى، تنظيف مدرسة البحتري بحي الرميلة، وبلغ عدد المستفيدين منها 1200 تلميذ، كما شملت الحملة مدرستي مزرعة حطين والأسدية، كل ذلك، بدعم مادي من برنامج «إنجاز» الممول من الولايات المتحدة الأميركية.
تقول هند: «المشهد مؤثر، الجميع يشارك بتنظيف المدارس وإزالة الأتربة والأوساخ وشطف وترتيب الصفوف، هذه رسالة للعالم أننا شعب يستحق الحياة، وأن أبناء الرقة يستحقون الأفضل».
أما بشار الكراف مدير منظمة (شباب أكسجين)، فيشير إلى عودة قسم كبير من أهالي الرقة وتسجيل أبنائهم في المدارس التي فتحت أبوابها، ويقول: «نحن نعلم بأن معظم المدارس نالها الخراب والدمار، من هنا جاءت فكرة المبادرة للمساهمة في عمليات التنظيف».
وتعرضت معظم مدارس الرقة إلى أضرار جسيمة نتيجة الأعمال القتالية التي استمرت 4 أشهر، بين يونيو (حزيران) وأكتوبر 2017، إذ إن بعضها تعرض لدمار جزئي، فيما مدارس ثانية سويت على الأرض وتحولت إلى جبال من الركام والأنقاض وخرجت عن الخدمة نهائياً، أما ساحات المدارس فامتلأت بالقمامة والأتربة والنفايات الصلبة، إلى جانب انتشار الألغام ومخلفات الحرب التي لم تنفجر. وذكر الكراف أن لغماً أرضياً انفجر قبل أيام في مدرسة الخوارزمي داخل الرقة أثناء تنظيفها من قبل متطوعي المنظمات المدنية، لكن لم يصب أحد بأذى، وقال: «انتهينا من تنظيف مدرسة جنين ورابعة العدوية وعمار بن ياسر ومدرسة عمر بن عبد العزيز داخل الرقة»، لافتاً إلى تعاون إدارة الكادر التدريسي وأهالي الأحياء المجاورة الذين شكلوا فرق تنظيف للمساعدة في أعمال النظافة والترميم.
ونوه الكراف أن عدد الطلاب المستفيدين من مبادرة «التعليم لا يؤجل» بلغ «نحو 5000 طالب، ووضعت المنظمات المدينة العاملة في المبادرة خطة لمضاعفة العدد حتى يصل إلى 10 آلاف طالب».
من جهتها، أكدت ميادة الشيخ إبراهيم الرئيسة المشتركة للجنة التربية والتعليم في مجلس الرقة المحلي، أن اللجنة والمنظمات المدنية في الرقة نجحت في افتتاح 18 مدرسة من أصل 32 مدرسة داخل أحياء الرقة، وقالت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «أعمال النظافة والصيانة تمت بالتنسيق مع فرق إزالة الألغام، ونجحنا بفتح 18 مدرسة لاستقبال الطلاب من جديد».
وبحسب سجلات لجنة التربية والتعليم في الرقة، ارتاد أكثر من 75 ألف طالب مدارس المدينة وريفها في الأسبوع الرابع من العام الدراسي الجديد، من أصل 125 ألف طفل مسجل، يتوزعون على 281 مدرسة في الرقة وريفها. ولفتت ميادة الشيخ إبراهيم بأن لجنة التربية وقبل بدء العام الدراسي الحالي، قامت بافتتاح 12 مركزا لتدريب وتحضير الكادر التدريسي، مشددة أنهم «خضعوا لدورات تأهيل للتدريس بحسب الوسائل والطرائق الحديثة في العملية التربوية، ومواجهة التحديات والعقبات بعد 3 سنوات من حكم (داعش) المتطرف».
وأعربت جواهر أم أحمد (43 سنة) من سكان حي الرميلة شرقي الرقة، عن سعادتها برؤية ابنها أحمد (13 سنة) يحمل حقيبته الدراسية ذاهباً مع أصدقائه إلى مدرسة البحتري كل صباح، وتقول: «أحمد وأصدقاؤه كانوا يمضون معظم الوقت في ألعاب الحرب وتشكيل مجموعات مسلحة والحواجز العسكرية»، وينقل أهالي المدينة أن أغلب الأطفال كانت ألعابهم تعكس واقع الحرب المستعرة في بلادهم. ولفتت أم أحمد: «كانت هذه الألعاب شغلهم الشاغل سابقاً، أما اليوم، يواظب أحمد على المدرسة وعند المساء يقوم بمراجعة وظائفه وينام مبكراً».
أما عيد المحمد مدير مدرسة الانتفاضة الواقعة في منطقة الدرعية غربي المدينة، فيقول إن المدرسة وبالتعاون مع منظمات مدنية ولجنة التربية، أعيد فتحها منتصف الشهر الفائت، لتدرس فوجا صباحيا وآخر مسائيا، نظراً لكثرة الطلاب الذين يصعب احتواؤهم في فترة واحدة. يضيف: «التلاميذ عددهم 430 ويتراوح أعمارهم بين 7 سنوات 12 سنة، يدرسون من الصف الأول حتى الصف الخامس الابتدائي بمرحلة التعليم الأساسي».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».